المحاصيل المستوردة تغزو أسواق العراق

أصبحت الخضار والفواكه المستوردة تنافس العراقية بقوة في الأسواق
الخضراوات والفواكه المستوردة تنافس العراقية بقوة في الأسواق (الجزيرة)

مروان الجبوري-بغداد

قد يكون غريبا أن تسير في أسواق بلاد عُرفت بالخصب والزراعة كالعراق، فتجد أن نصف المحاصيل الموجودة في أسواقها وربما أكثر مستوردة من الخارج، فقد تغيرت طبيعة الأرض وتراجع إنتاجها حتى بات العراق يستورد الفواكه والخضراوات من دول الجوار وأقاصي الأرض أيضا.

وأصبح معتادا في محلات وأسواق البقالة أن ترى قطعا مكتوبة تشير إلى منشأ هذه المحاصيل، فهناك بطاطا عراقية وأخرى إيرانية، وبرتقال عراقي وآخر مصري، إلى آخر القائمة.

ووفقا لوكيل وزارة الزراعة مهدي القيسي فإن المحاصيل المحلية تواجه عدة عقبات من أهمها إغراق السوق بالمنتجات المستوردة بطرق غير شرعية في كثير من الأحيان، كما أن كلف الإنتاج في العراق أعلى من بقية الدول.

ويضيف القيسي للجزيرة نت أن هناك انخفاضا للإنتاج في وحدة المساحة المزروعة بجانب صعوبة في حصول الفلاح على الوقود، فضلا عن التلف الذي يلحق بالمحاصيل بسبب الحر الشديد، مما يدفع بعض التجار لاستيرادها من الخارج.

ويؤكد أن الحكومة وضعت شروطا وقوانين لحماية المحاصيل المحلية من بينها منع الاستيراد في فترة نضوج، وطرح المنتج المحلي في الأسواق.

كما أن استيراد جميع المحاصيل من قبل القطاع الخاص يتم بموجب ترخيص وشروط من الوزارة، لكن البعض يتجاوزها في كثير من الأحيان، على حد قول القيسي.

‪معظم المحاصيل مستوردة من دول الجوار ومصر‬ معظم المحاصيل مستوردة من دول الجوار ومصر (الجزيرة)
‪معظم المحاصيل مستوردة من دول الجوار ومصر‬ معظم المحاصيل مستوردة من دول الجوار ومصر (الجزيرة)

منافسة قوية
وتُستورد معظم هذه المحاصيل من تركيا وإيران وسوريا والأردن ومصر، بالإضافة إلى دول أخرى، بينما يبقى كثير من الفلاحين العراقيين عاجزين عن استغلال أرضهم والاستفادة من محاصيلها.

ويقول عباس الحلو نائب رئيس اتحاد الجمعيات الفلاحية إن المشاكل التي يعانيها المزارعون دفعت بعضهم للإحجام عن الزراعة لأن المنتج الأجنبي ينافس محاصيلهم، كما أن ما يبذلونه من تعب وأموال لا يساوي أسعارها في السوق.

وبالإضافة إلى ذلك فقد أدت الحرب الأخيرة إلى قطع الطريق على المحاصيل القادمة من بعض المناطق الوسطى والغربية مثل سامراء والأنبار والموصل، التي تعد مصدرا رئيسيا لتزويد المستهلكين بالخضار والفاكهة، كما يشير الحلو.

ويقول أيضا للجزيرة نت إن الفلاح العراقي يحتاج إلى دعم حقيقي، وإعادة المبادرة الزراعية وتفعيل القوانين التي تمنع دخول المحاصيل المستوردة وتوفير البذور والأسمدة بسعر مناسب.

ولا تخفي بيانات الحكومة وأرقامها تراجع إنتاج قطاع الزراعة خاصة بعد عام 2003، وكان أحد أسبابها نيران الحرب التي أحرقت آلاف الدونمات الخضراء، فكان أن أصبحت هذه الأراضي جرداء وغزا التصحر أطرافها.

الهجرة للمدينة
ويلقي خبير الأمن الغذائي علي العنبوري الضوء على مشاكل أصبحت تمثل هاجسا حقيقيا أمام كل المشتغلين بالزراعة، من بينها غياب الكهرباء وانخفاض منسوب المياه وهجرة سكان الريف إلى المدينة التي تعاظمت بشكل غير مسبوق.

ويرى العنبوري أن هناك سوء تخطيط وإدارة للموارد المالية بشكل عام أدى إلى هذه "النكسات" ومن واجب الحكومة أن تولي موضوع استصلاح الأراضي أهمية قصوى بعد أن أصبحت البيئة المحلية طاردة وغير مشجعة على الزراعة.

 ودعا إلى تشجيع الهجرة العكسية من المدينة إلى الريف عبر بناء قرى نموذجية متاخمة للمناطق الزراعية، وتزويدها بالخدمات الكافية وإعادة الطاقة الكهربائية وتوفير شبكة مواصلات جيدة.

ويرى الخبير أن الأمن الغذائي انتهك منذ عقود عندما كان يتم سحب أعداد كبيرة من القوة العاملة في الزراعة وزجهم في جبهات القتال مما أدى إلى انهيار المنظومة الزراعية. 

‪بستان محروق بفعل العمليات العسكرية‬ بستان محروق بفعل العمليات العسكرية (الجزيرة)
‪بستان محروق بفعل العمليات العسكرية‬ بستان محروق بفعل العمليات العسكرية (الجزيرة)

تفاوت الأسعار
وتبدو الخضراوات والفواكه المستوردة أكثر جاذبية لبعض العراقيين وخاصة من ذوي الدخول المحدودة بسبب رخص أسعارها وتوفرها على مدار العام، بينما تتوفر المحلية منها في مواسم محددة.

وتتفاوت الأسعار بين البضائع المحلية والمستوردة بشكل كبير أحيانا مما يجعل الكفة تميل لصالح المستوردة غالبا.

فسعر الكيلو غرام الواحد من الليمون مثلا يبلغ عشرة آلاف دينار (ثمانية دولارات) في حين يبلغ سعر التركي المستورد 1500 دينار (حولي دولار وعشرين سنتا) أما الطماطم المحلية فيبلغ سعرها ألفي دينار (حوالي دولار وستين سنتا) والمستوردة ألف دينار (حوالي ثمانين سنتا).

كما أن غلاء الأسمدة يوجد في مقدمة المشاكل التي يعانيها الفلاح، حيث يقول المزارع أيمن جبار الذي يشير إلى أن سعر الأسمدة الكيميائية في السوق حاليا يبلغ ما بين 100-150 ألف دينار (حوالي 80-120 دولارا) في حين كانت توزع في السابق مجانا أو بسعر رمزي.

ويضيف جبار أن استيراد المحاصيل جعل المنتج المحلي لا يسد تكلفة إنتاجه، يضاف إلى ذلك الأموال التي تستقطع من الفلاحين في مراكز بيع المحاصيل، وغلاء البذور والأغطية البلاستيكية.

ويؤكد أن الوضع الأمني المضطرب أسهم في هجرة كثير من الفلاحين وسكان الريف نحو المدن، بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية ووقوع بعضهم تحت طائلة ديون كبيرة بسبب غلاء الإنتاج وعدم تصريف ما يتم إنتاجه.

المصدر : الجزيرة