كبح سياسات السخط في أوروبا

بعد خمس سنوات من إصدار أول خطة إنقاذ، لا تزال اليونان في أزمة وبلغ العداء بين الأوروبيين أعلى مستوياته على الإطلاق حيث انزلق اليونانيون والألمان بشكل خاص إلى المزايدات الأخلاقية وتبادل الاتهامات والعداوة المفتوحة

 يانيس فاروفاكيس

بث مذيع في التلفزيون الألماني مؤخرا مقطع فيديو مفبركاً لي، قبل أن أصبح وزيراً للمالية في اليونان، وأنا أعطي بلاده تحية الإصبع الوسطى.

وقد أظهرت التداعيات التأثير المحتمل الذي قد يترتب على إشارة أو إيماءة مزعومة، خاصة في الأوقات العصيبة.

والواقع أن الضجة التي اندلعت بسبب هذا البث ما كانت لتحدث قبل الأزمة المالية عام 2008 التي كشفت عيوب الاتحاد النقدي في أوروبا، وألبت البلدان الفخورة ضد بعضها البعض.

أسباب رفض حزمة الإنقاذ
إعادة هيكلة الديون
اليونان لا تزال بأزمة

أسباب رفض حزمة الإنقاذ
عندما عجزت حكومة اليونان أوائل عام 2010 عن سداد ديونها للبنوك الفرنسية والألمانية واليونانية، قمت بتنظيم حملة ضد سعيها للحصول على قرض هائل جديد من دافعي الضرائب بأوروبا لسداد تلك الديون. وقد قدمت ثلاثة أسباب.

القروض الجديدة لم تمثل خطة إنقاذ لليونان بقدر ما كانت تحويلاً لخسائر القطاع الخاص من دفاتر البنوك إلى أكتاف المواطنين الأكثر ضعفاً في اليونان

الأول، أن القروض الجديدة لم تمثل خطة إنقاذ لليونان بقدر ما كانت تحويلاً هازئاً لخسائر القطاع الخاص من دفاتر البنوك إلى أكتاف المواطنين الأكثر ضعفاً في اليونان. فكم من دافعي الضرائب في أوروبا، الذين تحملوا فاتورة هذه القروض، يعرفون أن أكثر من 90% من المبلغ الذي اقترضته اليونان والذي بلغ 240 مليار يورو (260 مليار دولار أميركي) ذهب إلى مؤسسات مالية، وليس إلى الدولة اليونانية أو شعبها؟

ثانيا، كان من الواضح أنه ما دامت اليونان غير قادرة بالفعل على سداد قروضها القائمة، فإن شروط التقشف التي قامت عليها "خطط الإنقاذ" من شأنها أن تسحق الدخول الاسمية اليونانية، وبالتالي يصبح الدين الوطني أقل قابلية للسداد.

وعندما يعجز اليونانيون عن سداد أقساط الديون الهائلة المستحقة عليهم، فسوف يضطر دافعو الضرائب الألمان وغيرهم من الأوروبيين إلى التدخل مرة أخرى. (وبالطبع، حوّل اليونانيون الأثرياء ودائعهم بالفعل إلى مراكز مالية مثل فرانكفورت ولندن).

وأخيرا، كان من المحتم أن يؤدي تضليل الشعوب والبرلمانات بتقديم خطة إنقاذ البنوك باعتبارها عملاً من أعمال "التضامن" والفشل في الوقت نفسه في مساعدة اليونانيين العاديين، بل ونصب فخ لهم لكي يضعوا عبئاً أكبر على كاهل الألمان، إلى تقويض التماسك داخل منطقة اليورو. فقد تحول الألمان ضد اليونانيين، واليونانيون ضد الألمان، مع مواجهة المزيد من البلدان مصاعب المالية، تحولت أوروبا ضد نفسها.

إعادة هيكلة الديون
والحقيقة أن اليونان لم يكن من حقها أن تقترض من دافعي الضرائب الألمان، أو أي أوروبيين آخرين، في وقت حيث كانت ديونها العامة يصعب تسديدها. وكان لزاماً على اليونان قبل أن تتقبل أي قروض أن تطلق عملية إعادة هيكلة الديون وأن تخضع لعجز جزئي عن سداد ديونها المستحقة لدائنيها من القطاع الخاص. ولكن هذه الحجة "المتطرفة" كانت موضع تجاهل إلى حد كبير في ذلك الوقت.

من الناحية العملية، يوفر اتفاق مجموعة اليورو بالعشرين من فبراير/شباط، الذي قدّم تمديداً لمدة أربعة أشهر لسداد القرض، فرصة كبيرة لإحراز التقدم, وكما أكَّد قادة اليونان باجتماع غير رسمي جرى في بروكسل الأسبوع الماضي، فلابد من تنفيذ هذا الاتفاق على الفور

وعلى نحو مماثل، كان من الواجب على المواطنين الأوروبيين أن يطالبوا برفض حكوماتهم حتى مجرد التفكير في تحويل الخسائر الخاصة إليهم. ولكنهم فشلوا في القيام بذلك، ودخل التحويل حيز التنفيذ بعد فترة وجيزة.

وكانت النتيجة أكبر قرض مدعوم من دافعي الضرائب في التاريخ، والذي كان مشروطاً بتبني اليونان لتدابير تقشف صارمة إلى الحد الذي تسبب في خسارة مواطنيها لربع دخولهم، فأصبح من المستحيل أن يتمكنوا من سداد الديون الخاصة أو العامة. وكانت المأساة الإنسانية التي تلت ذلك، والمستمرة حتى الآن، مأساوية.

اليونان لا تزال بأزمة
بعد خمس سنوات من إصدار أول خطة إنقاذ، لا تزال اليونان في أزمة. وبلغ العداء بين الأوروبيين أعلى مستوياته على الإطلاق، حيث انزلق اليونانيون والألمان بشكل خاص إلى المزايدات الأخلاقية، وتبادل الاتهامات، والعداوة المفتوحة.

ولا يستفيد من لعبة تبادل الاتهامات السامة هذه سوى أعداء أوروبا. ولابد أن تتوقف. وعندئذ فقط سوف تتمكن اليونان، بدعم من شركائها الأوروبيين الذين يشتركون معها في الاهتمام بتعافيها اقتصاديا، من التركيز على تنفيذ الإصلاحات الفعّالة وسياسات تعزيز النمو. ويشكل هذا ضرورة أساسية لوضع اليونان، أخيرا، في وضع يسمح لها بسداد ديونها والوفاء بالتزاماتها تجاه مواطنيها.

ومن الناحية العملية، يوفر اتفاق مجموعة اليورو في العشرين من فبراير/شباط، الذي قدّم تمديداً لمدة أربعة أشهر لسداد القرض، فرصة كبيرة لإحراز التقدم. وكما أكَّد قادة اليونان في اجتماع غير رسمي جرى في بروكسل الأسبوع الماضي، فلابد من تنفيذ هذا الاتفاق على الفور.

وفي الأمد الأبعد، يتعين على قادة أوروبا أن يعملوا معاً لإعادة تصميم الاتحاد النقدي على النحو الذي يجعله داعماً للازدهار المشترك، وليس تأجيج السُخط المتبادل. وهي مهمة شاقة. ولكن من خلال الحس القوي بالهدف المشترك، وتبني نهج موحد، وربما لفتة إيجابية أو اثنتين، يصبح تحقيق هذه المهمة في حكم الممكن.
ـــــــــــــــ
وزير مالية اليونان

المصدر : بروجيكت سينديكيت