مهرجان بيت الزبير للموسيقى الصوفية بعُمان.. تجربة روحية تنحاز للقيم الجمالية

مهرجان بيت الزبير للموسيقا الصوفية بسلطنة عمان...انحياز للقيم الجمالية العليا واقترابٌ من تجارب السماع الصوفي
فرقة موسيقية في مهرجان بيت الزبير للموسيقى الصوفية بسلطنة عمان (الجزيرة)

منحازا للقيم الجمالية العليا وباحثا عن الحمولة الإيقاعية المضمرة في نصوص المتصوفة، جاء بيت الزبير بأحد أهم المهرجانات المعنية بالموسيقى في سلطنة عمان، فعبر مهرجان بيت الزبير للموسيقى الصوفية (23-25 يناير/كانون الثاني الجاري) اقترب الجمهور من تجارب السماع الصوفي المختلفة في هذا المجال الروحي وبقصائد شعراء كبار، مثل ابن الفارض، ورابعة العدوية، والشيخ جاعد الخروصي، وبأداء فردي تارة وجماعي تارة أخرى.

الدورة الثانية

في دورته الأولى التي نظمها بيت الزبير عام 2018، استضاف مهرجان الموسيقى الصوفية فرق "سالار عقيلي" من جمهورية إيران، و"الزاوية" العمانية، و"فريد أياز" من باكستان، و"ابن عربي" من المغرب، وشكل بذلك تظاهرة كانت الأولى من نوعها في سلطنة عمان.

*** للاستخدام الداخلي *** حمد موسى الشحي رئيس فرقة الزاوية للإنشاد العرفاني
محمد عبد الكريم الشحي مدير عام بيت الزبير (الجزيرة)

وفي حديث للجزيرة نت، يقول مدير عام بيت الزبير الدكتور محمد عبد الكريم الشحي "تكمن أهمية مهرجان بيت الزبير للموسيقى الصوفية في تعريف المهتمين والجمهور بالمنجز الموسيقي العربي والإنساني، خاصة في المجال الروحي والمحتوى العرفاني. وعلى الجانب الآخر هو فرصة لنا للتعريف بتراثنا ومنجزنا وشعرائنا ونصوصنا ذات المحتوى الروحي؛ ففرقة الزاوية للإنشاد العرفاني مثلا تشارك بنصوص للعمانيين أبي مسلم البهلاني والشيخ جاعد الخروصي".

وأضاف "يحسب لبيت الزبير تنظيمه هذا المهرجان؛ لأن المشهد الثقافي لدينا بحاجة لهذه الأنشطة النوعية والمختلفة، والموسيقى الصوفية تسعى عادة لترسيخ قيم المحبة والجمال والصفاء الروحي، وهنا تكمن الإجابة عن سؤال: لماذا الموسيقى الصوفية؟ ففضلا عن كونها لغة عابرة للحدود اللغوية والجغرافية وحتى الزمنية، فإنها في منحاها الصوفي تخلق سموا روحيا تتجاوب معه كل الانتماءات والتوجهات دينية كانت أو فنية".

مهرجان بيت الزبير للموسيقا الصوفية بسلطنة عمان...انحياز للقيم الجمالية العليا واقترابٌ من تجارب السماع الصوفي
جانب من فعاليات مهرجان بيت الزبير للموسيقى الصوفية بسلطنة عمان (الجزيرة)

وأردف "نرجو أن نوفق في تجربتنا في هذا الشأن، لا سيما أننا نشهد حاليا الدورة الثانية بعد دورة أولى ناجحة عام 2018 استقطبت جمهورا عريضا من المهتمين والمتطلعين لهذا النوع المغاير من الفعاليات الثقافية".

فرقة الزاوية وتجسيد الفن الروحي

تضم الفنون العمانية الشعبية فنونا روحية دينية عُدّت صوفية أو ذات نزعة صوفية، لما تزخر به من معان دينية وتوسل بالنبي والأولياء، ومنها فن المولد النبوي، و"المالد"، والتسبيح، وتوديع رمضان، والشرح، والحضرة. وكذلك الحال في الأنماط الموسيقية التقليدية العمانية ذات الصبغة الصوفية.

مهرجان بيت الزبير للموسيقا الصوفية بسلطنة عمان...انحياز للقيم الجمالية العليا واقترابٌ من تجارب السماع الصوفي
رقص صوفي تراثي في مهرجان بيت الزبير للموسيقى الصوفية بسلطنة عمان (الجزيرة)

وتواصل الفرقة العمانية الشابة الزاوية للإنشاد العرفاني مشاركتها الثانية في المهرجان، كتجسيد من الحضور العماني في هذا الفن الروحي بالقصائد والألحان العمانية وممارسيها من العمانيين.

وتركز فرقة الزاوية للإنشاد على المضمون العرفاني في القصائد الصوفية، مع عدم إهمال المضامين الأخرى في النماذج الشعرية الصوفية المتنوعة.

وفي الحديث عن المشاركة الثانية للفرقة العمانية في المهرجان، وتحقيقها الوصول إلى شرائح مجتمعية أكثر، والفرصة التي وفرها لها مهرجان الموسيقى الصوفية؛ قال رئيس الفرقة حمد موسى البلوشي للجزيرة نت "تعددت مشاركاتنا المحلية والدولية في المهرجانات والأمسيات الإنشادية الروحية، مما أسهم في إكساب الفرقة جمهورا أوسع وأكثر تنوعا من حيث الفئة العمرية والتوجهات الدينية والثقافية والفنية".

*** للاستخدام الداخلي ***محمد عبد الكريم الشحي مدير عام بيت الزبير (مرتدي الثوب الأسود)
رئيس فرقة الزاوية للإنشاد العرفاني حمد موسى البلوشي (الجزيرة)

وأضاف البلوشي "مزجنا الموروث العماني الموسيقي والشعري مع الموروث العربي عموما، وقدمنا نموذجًا فنيا مطورا يجمع بين التقليدي والحديث ويتغنى بكلام كبار شعراء التصوف الإسلامي العمانيين وغير العمانيين، ويجمع بين الموسيقى الكلاسيكية والموسيقى الحديثة وبألحان جديدة خاصة بالفرقة".

وقال "ما يميز مشاركتنا الثانية في مهرجان بيت الزبير للموسيقى الصوفية هو الأعمال والأناشيد الجديدة، التي نقدم بعضها للمرة الأولى، فضلا عن إضافة آلات وعازفين؛ مما يضفي على الأداء الصوتي الكورالي جوًّا موسيقيا أجمل، خاصة آلات التخت الشرقي، حيث إنها متناغمة مع الأجواء الموسيقية الدينية الروحية".

مهرجان بيت الزبير للموسيقا الصوفية بسلطنة عمان...انحياز للقيم الجمالية العليا واقترابٌ من تجارب السماع الصوفي
عزف على عود في مهرجان بيت الزبير للموسيقى الصوفية بسلطنة عمان (الجزيرة)

ويقول البلوشي إن أهمية مهرجان بيت الزبير للموسيقى الصوفية تكمن بالنسبة لهم في تعريف المهتمين والجمهور بالمنجز الموسيقي العربي والإنساني، خاصة في المجال الروحي والمحتوى العرفاني، "وعلى الجانب الآخر هو فرصة للتعريف بتراثنا ومنجزنا وشعرائنا ونصوصنا ذات المحتوى الروحي، فنحن مثلا نشارك بنصوص لأبي مسلم والبهلاني والشيخ جاعد الخروصي، مع ثلة من مشايخ العرفان في التاريخ العربي".

تجربة روحية

وفي إجابته عن سؤال: ما الذي يحتاجه مشروع فرقة الزاوية؟ أكد حمد موسى أن الفرقة تسعى لنقل تجربتها الموسيقية الروحية إلى مختلف الثقافات والمكونات الإنسانية وبشكل أكثر عمقًا لأن رسالتها إنسانية روحانية بحتة، متجردة من التمذهبات والتصنيفات، لأنها رسالة تمجد الإنسان، وتعلي شأنه وتسمو بروحه، ولا شك أن للإعلام ووسائله المتعددة دورًا مهمًّا في نقل تجربتنا إلى العالمية، مع توفر الإمكانات المادية الكافية.

وأردف "لذلك نأمل في قادم الأيام أن تتبنى بعض المؤسسات الرسمية المعنية فرقة الزاوية ودعمها إعلاميا وماديا لتمثل السلطنة في مختلف المحافل الدولية لنقل رسالة الحب والسلام التي طالما كانت عمان رائدة في نشرها منذ مئات السنين".

مهرجان بيت الزبير للموسيقا الصوفية بسلطنة عمان...انحياز للقيم الجمالية العليا واقترابٌ من تجارب السماع الصوفي
أداء موسيقى صوفية في المهرجان الذي أقيم في سلطنة عُمان (الجزيرة)

ولأول مرة أدت فرقة الزاوية مشاركتها هذه المرة بصحبة الفنان التنزاني مؤدي الابتهالات المعروف يحيى بيقهي، صاحب الخامة الصوتية المذهلة، وعن الإضافة التي حققتها مشاركة بيهقي للفرقة العمانية، قال موسى للجزيرة نت "مشاركة الفنان يحيى بيهقي مع فرقة الزاوية -خاصة في أداء المواويل والابتهالات المصاحبة للأناشيد- أضفت جوًّا روحانيا رائعا لاقى استحسانا وتفاعلا من الجمهور؛ فالفنان بيهقي يمتلك خامة ومساحة صوتية مميزة وأداء رائع أكسبه جمهورا واسعا. وبالنسبة لنا (فرقة الزاوية) كانت مشاركته معنا تجربة رائعة بالفعل".

وشاركت في الليلة الأولى من المهرجان فرقة الشيخ حامد داود للإنشاد والتراث من سوريا، وعرضت الفرقة الموسيقى الصوفية مصحوبة برقصة الدراويش المستوحاة من أحد تقاليد الثقافة الإسلامية، وترتبط أعمال الفرقة بشكل أساسي بالشعراء الصوفيين، خاصة المستوحاة من الشاعر الصوفي جلال الدين الرومي.

في حين قدمت فرقة الحضرة للإنشاد الصوفي من مصر إنشادا دينيا لمدائح نبوية وقصائد في الحب الإلهي إلى جانب مجلس للذكر الجماعي.

المصدر : الجزيرة