تحدثت عن تجربتها الروائية و"دلشاد".. الكاتبة العُمانية بشرى خلفان: أحب مسقط وولعي بها رافق نصوصي منذ البداية

الروائية العُمانية بشرى خلفان
القاصة والروائية والشاعرة بشرى خلفان صدرت لها مجموعات قصصية وروايات ونصوص شعرية (الجزيرة)

حصلت الكاتبة والروائية العمانية بشرى خلفان مؤخرا على جائزة كتارا للرواية العربية في دورتها الثامنة 2022 لفئة الروايات المنشورة، إلى جانب كل من عز الدين جلاوجي ونبيهة العيسى، عن روايتها "دلشاد: سيرة الجوع والعطش".

وهذه الرواية صدرت لأول مرة عن منشورات تكوين عام 2021، ووصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2022.

وهي تحكي، كما يقول عنها الروائي الإريتري حجي جابر، ظاهرياً عن دلشاد، الطفل الذي يكبر مبتور النسب وتتقاذفه الحياة الصعبة في دروب كثيرة، لكنّ دلشاد في العمق لم يكن سوى فاتحة الكلام لحكاية طويلة تستعرض تاريخ مسقط وحاراتها وناسها البلوش والزدجال واللوغان والعرب وهم يتقلّبون بين جوع وشبع ".. مسقط، تكرهها وتحبها، ثم لا تجد بدّاً من الفرار منها. لكني فعلتها، وأنا الآن هنا، على سطح هذا المركب، وفي هذا البحر العظيم، مغموراً بالأزرق الذي لا أرى غيره". لكنّ هذا التاريخ لم يأت نافراً عن جسد الرواية منفّرا عن الانسجام معها، فعقب هضمه استطاعت الروائية إذابته في طبقات النص، فجاء متسقاً سلسلاً في قلب الحكاية وفي نسيجها الداخلي.

و"دلشاد" هي الرواية الثانية للكاتبة بعد "الباغ" كما صدرت لها مجموعات قصصية من بينها: "رفرفة، حبيب رمان، حيث لم يعرفني أحد" بالإضافة إلى نصوص مفتوحة في كتب مثل: "غبار، صائد الفراش الحزين، نصوص شعرية في (مظلة الحب والضحك)، ما الذي ينقصنا لنصبح بيتا؟". ولها مقال أسبوعي ينشر بجريدة عُمان.

هذه الرواية صدرت عن منشورات تكوين 2021 (الجزيرة)

الجزيرة نت أجرت هذا الحوار مع بشرى خلفان، لنقرأ سيرة الجوع ونقترب من مدينة مسقط، ونكشف أسرار الكتابة.

  • سأبدأ باعتراف، عندما علمت أن بشرى خلفان أصدرت رواية شعرت بالخوف من أننا سنفقد قاصة رائعة لأن أكثر من كتب الرواية لم يعد لكتابة القصة حتى وإن كتبها فإنه لا ينشرها

شكرا لك على هذا الإطراء، بالنسبة لي روح القصة القصيرة أقرب لروح الشعر في تدفقها، وبدأت تجربة الكتابة بها، ولسنوات وجدت نفسي فيها، ربما لأنها كانت تلائم المواضيع التي اشتغلت عليها في بداياتي وربما لأنها أقرب إلى روح الشعر التي تسكنني.

ولكن أخشى أنها ما عادت تتواءم مع المواضيع التي أذهب إليها في الرواية، فالذي يشغلني الآن من مواضيع تناسبه الرواية أكثر، من حيث المساحة، أو حتى من حيث إمكانية تداخل الفنون الذي تحتمله الرواية.

أنا أحب القصة القصيرة جدا، وربما عدت لكتابتها من جديد، لكني الآن في مرحلة الرواية، في بدايات المرحلة، في الحقيقة، هناك الكثير لأكتشفه والكثير لأجربه، ثم ربما عدت للقصة القصيرة، وأنا أقول هذا وأنا أعرف أنه سيتحتم علي أن أعود لتدريب نفسي على التكثيف والاختزال، ولكن..

  • ذكرتِ المرحلة العمرية وكيف تؤثر على الكتابة، ككاتبة هل تخافين من التقدم في السن؟

نعم كنت أخاف مثل أي إنسان من فكرة المرض والتقدم في السن، فذلك ليس أمرا جيدا على صحتي الجسدية، ونعم أخاف تداعي الجسد، أخاف فقدان القدرة على الحركة، أخاف ضعف البصر، لكن أكثر ما أخافه فقدان الفضول والدهشة.

وهذا الخوف جديد نسبيا، وأعاقني لمدة قصيرة من الزمن، لكني تجاوزته، وتصالحت مع طبيعة الأشياء والحياة، لا أحب أن أفكر في الزمن كوحش يطاردني، ولا أحب أن يكون الخوف دافعي للكتابة.

ويجب أن يكون هناك ما هو أقوى من الخوف، ربما الحب، حب الحياة، حب الأدب، حب الكتابة، وحب التحدي، ذلك الذي بيني وبين نفسي.

  • شيء آخر تخافين منه متعلق بالكتابة؟

أخاف أن أقع في فخ النمطية والتكرار، أن أكرر نفسي وأفكاري، وتموت لغتي من فرط إعادة الاستخدام، فتصبح غير صالحة للعبة النص، لغة فاقدة لحساسيتها وقدرتها التواصلية المثلى، لغة قاحلة، بور، لا ينبت منها المعنى.

وأخاف أن أفقد حساسيتي وانتباهي للتفاصيل، داخل الإنسان وخارجه، أخاف على إدراكي لذلك الخيط الدقيق الذي يفصل بين الكثير والقليل، في اللغة وفي التفاصيل وفي محاولة المعنى.

وأخاف أن أفقد شغفي، أن تضمر روحي، أن أكتفي.

  • لا أعرف إن كان القراء شعروا بذلك، ولكنني كلما قرأت لكِ، أشعر أنك تخرجين من الكتاب وأنسى أنك أنتِ من قام بكتابته..

هذا خبر جيد، عندما كنت صغيرة كان يتهيأ لي أن الكتب تكتب نفسها، وأنا أحب هذه الفكرة.

  • وهل كان هذا هدفك في الكتب التي قدمتيها؟

أشعر بالامتنان تجاه الكتاب الذين منحونا كتابة رائعة واستطاعوا في نفس الوقت التخلي عنها لصالحنا، لصالح المتعة ولذة المعرفة، أولئك الذين أدركوا مبكرا أن الكتاب ملك لقارئه، الذين انتصروا لمتعة لحظة الكتابة وتركوا النص المكتمل لمتعة القارئ، ممتنة للذين تخلوا عن نرجسيتهم أو أجادوا إيهامنا بذلك، فمنحونا المتعة الخالدة، وجعلونا نظن أن الكتاب يكتب نفسه، وأن النص والحكاية أقوى من الصور الشخصية على الغلاف الأخير.

وأشعر بالامتنان للكتاب الذين خلعوا عنهم أصواتهم وحرروا شخصيات رواياتهم من وجهات نظرهم الخاصة وآرائهم، أو على الأقل أجادوا تمويه ذلك وانتصروا للخيال، فحضروا وما حضروا.

وأتمنى أن أصل إلى تلك المرحلة فعلا.

إطالة التفكير قد تكون خدعة نمارسها على أنفسنا بغرض التسويف.. وفي "دلشاد" عرفت لذة فقدان السيطرة، فتمردت بعض الشخصيات، التي لم تعجبها مصائرها، فرضخت.

  •  كيف تبدئين بكتابة رواية؟

كنت أعتمد على وضع خرائط الكتابة بشكل كبير، أعرف البداية والنهاية وسير الأحداث، أفكر كثيرا في كل شخصية، وأخّلقها على الورق، أضع خطا زمنيا وأتلاعب به.

ولكني الآن أفكر أن إطالة التفكير، قد تكون خدعة نمارسها على أنفسنا بغرض التسويف.

وأحيانا تصير إطالة التفكير فخا، لأننا نظن أننا إذا استغرقنا في التفكير أكثر، فإن هذا يعني أننا أحطنا بكل شيء، وأننا مسيطرون بشكل كلي ومطلق على السرد، لكن وقت الكتابة فإن واحدا من أجمل ما قد يحدث هو أن يفقد الكاتب السيطرة.

وفي "دلشاد" عرفت لذة فقدان السيطرة، فتمردت بعض الشخصيات، التي لم تعجبها مصائرها، فرضخت.

  • لماذا استخدمتِ تقنية تعدد الأصوات في "دلشاد"؟

  • حتى أعطي كل شخصية صوتها، تلك فترة جوع، ويظن البعض أن الكل في الجوع سواء، لكن في ذلك سلب فرادة التجربة الإنسانية الشخصية والحميمية مع الجوع، سلب تاريخي لفرادة تجربة الفقير الجائع إذ إنه غالبا ما يتم تجاهله والقذف به إلى عماء الهامش.
  • هناك العديد من المجتمعات الآسيوية التي عاش بعض أبنائها في منطقة الخليج واحتكوا بالثقافة العربية، لماذا اخترتِ البلوش في "دلشاد"؟

لم يكن اختياري للبلوش قادما من خارج النص أو الفكرة، بل من داخل المكان نفسه وبحكم طبيعة الثقافات الممتزجة فيه، فأنا نشأت في ذلك المكان الذي وصفته في الرواية، وعارفة بمحيطه وتداخلاته، لذا كان اختيار البلوش طبيعيا للغاية لتمثيل مسقط، إلى جانب جيرانهم من عرب وبحارنة وهنود.

وأما في مطرح فقد ظهر اللواتيا إلى جانب البلوش، وهذا أيضا بحكم التوزع الديموغرافي للأعراق في مسقط ومطرح.

غلاف كتاب حبيب رمان للروائية العُمانية بشرى خلفان
مجموعة قصصية للأديبة العُمانية (الجزيرة)
  • حكايات النساء، وبخاصة الكبار منهن، والبحث في المكتبة والأرشيف طريقتان للعمل على تطوير خلفية الرواية، اشرحي لنا بعض أسرار الكتابة؟

لا أسرار هناك، فالبحث جزء أصيل من أجل كتابة رواية تتسم بملمح تاريخي أو غيره، وهذا البحث قد يكون مكتبيا أو ميدانيا، وقد قمت بالنوعين، فلجأت للأرشيف في المكتبة البريطانية وفي مكتبة الدراسات العمانية بجامعة السلطان قابوس، واطلعت على صور تلك المرحلة من خلال أرشيف الصور الموجودة في بعض الجامعات الأوروبية، واستعنت بالخرائط الجوية لمسقط ومطرح وبالمدونات التاريخية، كما حرصت على اللقاءات الميدانية مع النساء اللاتي عرفن شيئا عن تلك المرحلة، خاصة البلوشيات، فعلاقة الإنسان بثقافته المُؤسِسَة علاقة روحية ونفسية، وهذا ما لا يوجد في الكتب أو الأراشيف.

العالم لم يهتم كثيرا بترجمة النتاج العربي الأدبي بسبب غياب الروافع الطبيعية، المؤمنة بأهمية النتاج الأدبي في منطقة الخليج، والتي تسعى لتجويد المنتج ومن ثم تقديمه إلى العالم، وهذا لا يتم إلا بتوسيع مساحة التداول المعرفي والفلسفي وضمان حرية التعبير

  • تاريخ عريق وحكايات مذهلة تمتلئ بها منطقة الجزيرة العربية، لماذا لم تتحول لروايات عالمية إلا في حالات محدودة؟

لقد ترجمنا آداب العالم إلى العربية، وقرأنا أعمال العالم بلغاتها الأصلية أو مترجمة إلى الإنجليزية والفرنسية، ومن خلالها أصبحنا أكثر إدراكا للعالم، لكن العالم لم يهتم كثيرا بترجمة النتاج العربي الأدبي، فهل لهذا علاقة بنظرية الغالب والمغلوب؟ جزئيا نعم، لكن أظن أن السبب الأكبر هو غياب الروافع الطبيعية، المؤمنة بأهمية النتاج الأدبي في منطقة الخليج، والتي تسعى لتجويد المنتج ومن ثم تقديمه إلى العالم، وهذا لا يتم إلا أولا بتوسيع مساحة التداول المعرفي والفلسفي، وضمان حرية التعبير.

ثم يأتي دور المشروع القومي للترجمة، المعني بترجمة الأعمال المنتخبة، بالتعاون مع مؤسسات ثقافية ودور نشر عالمية ذات مواصفات عالية، وتحتل مساحة محترمة في سوق النشر العالمي.

علينا أن نتعرف على جراحنا ونعترف بها ونفحصها جيدا، حتى نستطيع أن نفهم مؤسسات الشخصية العربية أو الخليجية، ومن بعدها سنفهم الأفعال وردود الأفعال، والتيارات الفكرية الماضوية والتقدمية، ثم بعدها ربما استطعنا تجاوزها روحيا وعاطفيا وننجو من ارتهاننا لها

  • سيرة الجوع موضوع روائي جديد نسبيا على الساحة العربية، لماذا اخترتِ هذه القضية المؤلمة التي تشتمل على جروح يصعب أن تندمل؟

لأنها لم تندمل في الحقيقة، الشفاء يحتاج إلى المعرفة، علينا أن نتعرف على جراحنا ونعترف بها ونفحصها جيدا، حتى نستطيع أن نفهم مؤسسات الشخصية العربية أو الخليجية، ومن بعدها سنفهم الأفعال وردود الأفعال، والتيارات الفكرية الماضوية والتقدمية، ثم بعدها ربما استطعنا تجاوزها روحيا وعاطفيا وننجو من ارتهاننا لها.

  • إلى أي مدى كان صعبا أن تروي شخصيات "دلشاد" القصة كل على حدة دون أن يحدث تكرار؟

هناك من يقول إن مشكلة تعدد الأصوات في "دلشاد" هي التكرار، ولكن هؤلاء انقسموا، هناك من يقول إن ما تكرر لم يضف على الحدث أكثر من 25%، وهناك من يقول إن التكرار سبب تباطؤ حركة السرد، لكن لا أظن أن أحدا قال إنه شعر بالملل، ولا أظن أن تباطؤ الحركة مثلبة، بل أحيانا يكون ميزة إن أدت الغرض منها.

وفي سباق التتابع حتى نحافظ على سرعة الجري يسلم العداء العصا لمن بعده، وهما يركضان جنبا إلى جنب لبعض الوقت، فيبطأ صاحب العصا ويسرع من يليه ليستلمها منه، وهذا الوقت المشترك للجري المتحاذي يسمح للقارئ في ظني أن يلتقط الخيط، ويبقى السرد متدفقا.

وهنا كانت الفكرة من استخدام هذه التقنية في "دلشاد". هناك تعدد في الزوايا الداخلية للنظر وللزوايا خارجية، مع ضمان استمرارية تدفق السرد من خلال تخلق الأحداث والمضي بها من شخصية إلى أخرى.

ولنأخذ مثلا مشهد "دلشاد" عندما دفن زوجته، شخصيتان حكتا المشهد، وأي قارئ حذق يمكن أن يفهم الفرق بين ما يحكيه عيسى وما يحكيه دلشاد. عيسى يحكي بصفته أخ لدلشاد وهناك مسافة نفسية ما بين عيسى ونورجيهان المتوفاة، مشاعر عيسى كانت تجاه دلشاد وليس تجاه نورجيهان، بينما مشاعر دلشاد كانت تجاه نورجيهان وصغيرته. الناس تعتقد أن الإضافة هي إضافة حركة، ولكن الإضافة هنا هي إضافة عاطفية، والإضافة العاطفية قد تكون 25% على مساحة السرد، ولكن ليس المساحة بل المعنى.

وطبعا احتاج الأمر إلى الكثير من المراجعات، والكثير من الدقة، وإعمال أداة الحذف حتى لا أحتفظ إلا بما يحتاجه النص.

  • العلاقة التي تحتفظين بها مع قرائك. هل تخافين منهم بعد أن حققتِ مقروئية عالية؟

أحبهم، لكن القراء مخيفون، وعلاقتي بهم يسومها الكثير من التناقض، إذ إني متى ما فكرت فيهم كثيرا عجزت عن الكتابة، لذا فغيابهم لحظة الكتابة أمر لا بد منه.

ونحن الكتاب نريد أن نقيم وشيجة بين القارئ والنص، نطمع في أن يمعن التفكير فيما يتلقاه، أمبرتو إيكو يقول "أنت لا تكتب لنفسك إلا قائمة المشتريات" ويؤكد على الدور التبادلي بين الكاتب والقارئ في عملية الإنتاج والتلقي، في الحضور والغياب.

ولا أعرف إن كان هناك كاتب يكتب ولا يتمثل قارئا ضمنيا أو متخيلا؟ ونحن نكتب لا طمعا في مرضاته بل في تلك النظرة في العينين، الدهشة أو الاستحسان أو حتى الإنكار والاستنكار.

وفي ظني لا (يوجد) كاتب يكتب لنفسه، لكن هناك فرق بين كاتب يتملق قراءه وكاتب يحترم نفسه ويحترمهم.

ولا أنكر أني خفت من القراء بعد "دلشاد" وأن الخوف لازمني مدة من الوقت، فلم أكتب بعد "دلشاد" أي نص إبداعي، ولكني أيضا في سبيل التشافي، وهذا حسن، أليس كذلك؟

  • هل توقعتِ النجاح الذي حققته "دلشاد"؟

لم أكن أعرف ما إذا كانت "دلشاد" ستنجح أم لا، ولكن ما كنت أعرفه أني بذلت ما أستطيع من جهد لأجل أن أكتب كتابة جيدة، مع ذلك لم أكن واثقة من نجاحها، ويقال إنها نجحت على عدة مستويات من التلقي، وهذا يسعدني.

  • هل تقرئين ما يكتب عنك؟ هل تجدينه أمرا صحيا؟

نعم يحدث أحيانا أن أقرأ ما يكتب عني، ويعتمد هذا على قوتي النفسية في حينها، فإن كنت في مرحلة توازن قد يكون صحيا أن نقرأ ونتبصر ونتعلم، لكن إن كانت طاقتي النفسية في طور من أطوار الضعف، فإن هذا أمر مدمر جدا، ولكن أحيانا ولأن النفس تعمل بشكل غير متوقع أحيانا، فإن بعض الكتابات التي تستفزني توقظني من سبات الراحة وتجعلني أبدأ في العمل من جديد.

  • برأيك ما العوامل القادرة على منح أدب محلي انتشارا عالميا؟

فكرة أن المحلية تؤدي إلى العالمية وإن بدت كلاشيهية إلا أنها لا تجانب الصواب، كما في حال نجيب محفوظ وأورهان باموق وآخرين تكلموا عن قضاياهم وعن قضايا مجتمعاتهم، وكيف صوروا القاهرة وإسطنبول وبيروت وطنجة.

  • لكن من يترجم؟ وما المعايير؟ هل هناك معايير فعلا؟ أما إنها سنعتمد على الجهود الشخصية والعلاقات والحظوظ؟

ربما علينا أن ننتبه إلى أن استخدام لفظة "العالمية" تعني أوروبا وأميركا، وأننا نعني في الأغلب المتحدثين بالإنجليزية والفرنسية، ثم تأتي بعدها اللغات الأخرى، فنحن عندما نتكلم عن العالمية نتحدث عن نوبل والبوكر، وليس عن جائزة في الصين، فمدخل الترجمة هو اللغة الإنجليزية في الغالب، ولكن من يترجم إلى الإنجليزية؟! وهل تعني الترجمة تحقق المقروئية في اللغات المترجم إليها؟ وما الذي يريد القارئ الغربي أن يعرفه عن هذا الجزء من العالم؟ هل يدفعه الفضول أم أنه يرغب في تعزيز رؤيته الاستشراقية؟ أسئلة كثيرة وعلى أحد ما أن يقوم بواجب التعامل معها.

  • هل تشعرين أن عليك أن تتوقفي عن الكتابة يوما ما؟

السؤال هنا: هل سأتوقف بإرادتي أم رغما عني؟ هل التوقف رغبة هنا أم انعدام قدرة؟ هل سأتوقف لأنه لم يعد لدي ما أضيفه، ونفدت قصصي وحكاياتي؟

وهذا ما لا أفكر به ولا أريد أن أفكر فيه، لكن من يدري.

  • قلت إنك عندما كنت صغيرة لم تحلمي بأن تصبحي كاتبة، فبم كنت تحلمين؟

الحلم الذي أردته وتشبثت به هو أن أكون أما، وأن يكون لدي أسرة، لم أكن أحلم بأن أصبح كاتبة، أحببت فكرة التدريس، وفي فترة ما حلمت أن أكون طبيبة، كانت أحلامي متغيرة، لكني لم أحلم بأن أصبح كاتبة، لكني صرت أما وكاتبة، ولا أظن أني أريد أكثر من ذلك.

ما فعلته أنني أعدت اكتشاف مدينتي ورغبت بأن يعيش الناس التجربة، ولكن بما تقتضيه فنيات الرواية.

  • ما رأيك بمن يقول إن "دلشاد" محاولة لتدوين وتأريخ جزء من مسقط؟

لا أستطيع الاعتراض على هذا، ولا أعتقد أن إثباته أو نفيه سيزيد أو يقلل من قيمة "دلشاد" الفنية شيئا، وأنا أحب مسقط، وولعي بها رافق نصوصي منذ البداية، فظهرت في واحد من أوائل نصوصي القصصية "خيط" ثم تجلت بوضوح أكبر في كتابي/نصي الطويل "غبار" ثم "الباغ" فـ "دلشاد".

ومسقط مكان طفولتي وذاكرتي، فكيف يمكن تحييد عاطفتي والقول إنني أكتب عنها فقط للتوثيق التاريخي؟ أنا أكتبها من ولع حقيقي بالمكان، أما فكرة التوثيق وبشكل ما، فمتمثلة في كل ما نكتبه.

ولعب دور الموثق أو المؤرخ للمكان صعب، كما أن هناك فرقا كبيرا بين المؤرخ والفنان، فنحن نشتغل على اللغة والتخييل، وليس على الوثائق وإن أمدتنا بالمعلومات، لكننا لا نؤرخ ونقول إنها مرجعية، فإذا أردت كقارئ أو باحث أن تنظر لها كمرجعية فهذا خيارك، ولا أظنه خيارا حسنا، لكن أنا لم أكتبها لتعتبر مرجعية. ما فعلته أنني أعدت اكتشاف مدينتي ورغبت بأن يعيش الناس التجربة، ولكن بما تقتضيه فنيات الرواية.

المصدر : الجزيرة