بالفيديو- المسحرجي في العراق.. مهنة تراثية وتقليد رمضاني يقاوم الزمن

على إيقاع "سحور، سحور، سحور"، "اصحَ يا صائم، ووحد الدايم"، وعلى أنغام طبل المسحراتي، هكذا تبدو الأجواء خلال أيام شهر رمضان في العاصمة العراقية (بغداد) خصوصا قبيل بزوغ الفجر لتعطي إشارة إلى الصائمين بوقت السحور.

المسحراتي أو ما يعرف باللهجة العراقية "المسحرجي" أو "أبو طبيلة"، شخصية فلكلورية ما زالت تجوب بغداد في ليالي رمضان رغم الحداثة والتطور، وتراجع الأوضاع الأمنية أحيانا، ورغم التطور التكنولوجي؛ إلا أنها ظلت مستمرة في العراق والعديد من الدول الإسلامية الأخرى.

ويستخدم المسحراتي في العراق عدة طرق لإيقاظ الناس، منها الطبل أو الدق على الأبواب أو المناداة أو دق الأجراس، وكانت تستخدم أيضا صافرة تعرف بـ"الجرخجي" في بغداد خلال العقود الماضية.

المسحراتي أيمن محمد (يمين) ورفيقه أثناء إيقاظ الصائمين في أحد الأزقة ببغداد (الجزيرة)

تراث صامد

"هذا التراث سيبقى صامدا، رغم مرور مئات السنين عليه، ونتوارثه من جيل إلى آخر"، هذا ما تحدث به أيمن محمد المسحراتي الشاب الذي يسكن حي الأعظمية (شمال العاصمة بغداد) للجزيرة نت.

محمد اعتبر أن "مهنة المسحراتي موروث بغدادي يتوارث عبر التاريخ، ولا يمكن اندثار هذه المهنة أبدا، على اعتبار أنها مرتبطة بالتاريخ والحضارة في مدينة بغداد القديمة".

وبشأن تفاعل الصائمين مع الأنغام الموسيقية والكلمات المعرفة، يقول محمد إن "أهالي منطقة الأعظمية يتفاعلون بصورة كبيرة جدا مع المسحراتي، وما زالوا يخرجون من البيوت لاستقباله وتزويده ببعض المأكولات".

ويضيف محمد قائلا إن "هناك تعاونا كبيرا من القوات الأمنية المنتشرة في المناطق لتسهيل الحركة ليلا، خصوصا أن بغداد تعيش في هذه الأيام من المساء حتى الصباح حظر تجوال على خليفة انتشار فيروس كورونا".

ويتميز شهر رمضان في العالم الإسلامي بتلك الطقوس الخالدة، التي تضيف نكهة وجمالية خاصة، كما في مهنة "المسحرجي"، وهو رجل متطوع يحمل طبلا، ويجوب الأزقة لغرض إيقاظ الناس الصائمين قبيل الإمساك بساعات قليلة.

ويقول المسحراتي زياد طارق إنه ورث مهنته من ابن عمه، وهو يعمل بها منذ 6 أعوام.  ويوضح في حديثه للجزيرة نت أن "تفشي جائحة كورونا أجبر الصائمين في العراق على عدم الخروج والتفاعل كونهم يخافون من الإصابة بالمرض". ويستطرد بالقول إن "الغاية من العمل في هذه المهنة هو كسب الثواب والأجر من خلال إيقاظ الصائمين النائمين".

الطقوس بدأت بالاختفاء

محمد فؤاد، الذي يسكن منطقة العامرية (غرب العاصمة بغداد)، يقول إن "الطقوس المتعلقة بالمسحراتي تغيرت كثيرا خلال السنوات القليلة الماضية، حيث كانت هذه المهمة تسند إلى أحد رجال المنطقة المعروفين، الذين يستخدمون الطبل وعبارات متداولة ومأثورة تدل على أوقات السحور خلال شهر رمضان المبارك".

وأشار فؤاد إلى أن "الطقوس التي كان يتبعها المسحراتي سابقا كانت تكمن أحيانا بطرق أبواب منازل المنطقة في حال لم ير الضوء في هذه البيوت، وفي مرات عدة كان سكان المناطق يدعونه لمقاسمتهم وجبة السحور، أو تزويده بما لذ وطاب من الأطعمة، أما الآن فكل شيء تغير، وبدأ كل شيء يختفي تدريجيا".

ويضيف المواطن البغدادي للجزيرة نت أن "المواطنين الآن باتوا لا يتفاعلون مع المسحراتي رغم مروره يوميا وعلى مدار شهر رمضان أمام منازلهم، خصوصا مع ازدياد وتطور التكنولوجيا، فضبط منبه الهاتف النقال يغني عن أي وسيلة أخرى لمعرفة وقت السحور".

أما المواطن طيف إبراهيم (28 عاما)، فكان له رأي مختلف، مؤكدا أن جيله ما زال يتفاعل مع "المسحرجي"، ويحن إلى المظاهر البغدادية القديمة على اعتبار أن هذه المهنة تعد من التراث البغدادي المتوارث منذ عشرات السنين.

ويرى إبراهيم خلال حديثه للجزيرة نت أن "هذه الشخصية بقيت على قيد الحياة لغاية الآن، وهي مستمرة في العديد من مناطق العاصمة بغداد، على الرغم من التطور العلمي الحاصل في العالم".

ودعا إبراهيم الجهات المعنية إلى "دعم هذه المهنة ومن يزاولها، وإيجاد ضوابط لها لتبقى بغداد محافظة على تراثها في شهر رمضان المبارك".

من جهته، يقول أبو عبدالله -أحد "المسحراتيين" في العاصمة بغداد- إنه يعمل في هذه المهنة منذ سنوات، حيث يقوم بإيقاظ الناس الذين بدورهم يشعرون بالسعادة ويستيقظون لتناول وجبة السحور خلال شهر رمضان المبارك. ويضيف أبو عبدالله في حديث للجزيرة نت أن "هذا الطبل الذي يستخدمه في إيقاظ الصائمين ورثه من والده الذي كان مسحراتيا".

ويستذكر أبو عبدالله قصة والده عندما كان يوقظ الصائمين خلال فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، بالقول إن "جميع الناس كانوا يخرجون من البيوت ليشاهدوا ويسمعوا نقرات الطبل، وهي توقظ الصائمين في ذاك الوقت". وتحدث أبو عبدالله، أن "العمل الذي يقوم به طوعي بدون أي مقابل مادي، ويبدأ وقت العمل عادة من الساعة الواحدة ليلا وحتى أذان الفجر".

متى بدأت؟

ووفق المؤرخين، فإن مهنة "المسحرجي"، ظهرت نحو عام 1300 ميلادي، وحصرت وقتها بالمدن وبعدها انتقلت إلى القرى.

أستاذ التاريخ الإسلامي، علي إبراهيم، قال من جانبه إن "هناك العديد من الروايات التاريخية التي تتحدث عن قدم مهنة المسحراتي في العراق، حيث هناك من يقول إنها بدأت في زمن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، معتمدين على رواية أن بلال الحبشي كان يجوب شوارع وأزقة المدينة المنورة لإيقاظ الناس بصوته الرخيم، في حين تطورت هذه المهنة بعد ذلك في أساليبها وأدخلت الطبول والآلات الموسيقية".

إبراهيم في حديث للجزيرة نت أشار إلى أن "الرواية الأخرى تتحدث عن بدء ظاهرة المسحراتي في العصر العباسي في مصر أولا، ومن ثم انتقلت إلى بغداد"، مشيرا إلى أن "ظاهرة المسحراتي ارتبطت بالشعائر الإسلامية، وهذا ما أبقاها صامدة لغاية الآن رغم مرور مئات السنين، والبغداديون ما زالوا يتفاعلون معها بشكل كبير جدا".

المصدر : الجزيرة