غضب أكاديمي في بريطانيا.. تعديل منهاج التاريخ لطلبة الثانوية البريطانية تماشيا مع الرواية الإسرائيلية

بحسب الباحث المقيم في لندن محمد أمين فإن سعي الاحتلال لتحريف التاريخ هو ترجمة للانتقال من مرحلة الحديث عن تعثر مفاوضات السلام وتحميل الطرف الفلسطيني المسؤولية إلى نسف وجود شريك فلسطيني عبر تجريده من حقوقه التاريخية من خلال تزييف روايته

معركة بيت سوريك شمال غرب القدس قبيل النكبة 1948
معركة بيت سوريك شمال غرب القدس واحدة من أبرز المعارك قبيل النكبة عام 1948 في منطقة تشرف على الطريق بين يافا والقدس (مواقع التواصل الاجتماعي)

معركة شرسة تلك التي تدور رحاها في بريطانيا بين أكاديميين وناشطين فلسطينيين وبين اللوبي المساند لإسرائيل، وذلك على خلفية تغييرات طالت كتبا موجهة للتلاميذ في الصف الثانوي وتتطرق للقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي؛ حيث يقول عدد من الأساتذة إن الكتب باتت تضم معلومات مزورة ولا صلة لها بالتاريخ ولا يمكن تقديمها للتلاميذ في المدارس البريطانية.

وقررت دار النشر "بيرسون" (Pearson) التوقيف المؤقت لكتابين دراسيين تستخدمهما المدارس الثانوية في المملكة المتحدة، بعد أن خلص عدد من الأكاديميين في تقرير لهم إلى أن المعلومات الموجودة في الكتابين هي معطيات مشوهة، مؤكدين فشل الكتابين معا في تقديم وجهة نظر متوازنة للقضية الفلسطينية.

وكشف التقرير أن التعديلات تم إدخالها على الكتابين بعد تدخل وضغط من منظمة "محامون بريطانيون من أجل إسرائيل"، وقد طالت هذه التعديلات النصوص والجداول الزمنية والخرائط والصور الفوتوغرافية، وخلصت نفس الوثيقة إلى أنه "لا يجب تزويد التلاميذ بالدعاية المستترة بدثار العلم".

ويحمل الكتابان عنوان "الصراع في الشرق الأوسط" و"الشرق الأوسط: الصراع والأزمة والتغيير"، وهما من تأليف الكاتبة هيلاري براش، ويتم تقديمهما للتلاميذ في المرحلة الثانوية.

وكشف التقرير -المعدّ من أساتذة مختصين في قضايا الشرق الأوسط والتاريخ واللغة العربية وأعضاء اللجنة البريطانية لجامعات فلسطين- أن هناك مئات التغييرات طالت الكتب المدرسية، بمعدل 3 تغييرات لكل صفحة، مما دفع نقابة اتحاد التعليم الوطني -التي تعتبر النقابة الرئيسية للتعليم في المملكة المتحدة- للتعبير عن قلقها بشأن خلاصات التقرير وبأنها ستدخل على الخط لمعرفة ما الذي حدث بالفعل، وخصوصا أن الكتابين لا يحملان أي إشارة لكون التعديلات قد طالتهما.

معركة شرسة

الأكاديمية الفلسطينية البريطانية غادة الكرمي، وصفت ما يحدث حول هذين الكتابين بأنه "معركة شرسة" بين أكاديميين ومثقفين يناصرون القضية الفلسطينية وينتصرون للرواية الصحيحة للتاريخ وبين اللوبي الإسرائيلي، مؤكدة أن المعركة لم تنته بعد.

وكشفت الأكاديمية الفلسطينية -للجزيرة نت- أنها وعدد آخر من الأساتذة الجامعيين يقومون حاليا بالتواصل مع دار النشر والنقابات؛ وذلك لمنع وصول هذه الكتب للتلاميذ بعد أن طالها التغيير والتحريف، وقالت لقد "أخبرنا الناشر أننا نفهم أن ما حدث هو نتيجة لضغط اللوبي الإسرائيلي، لكن أكدنا على أن هذا الكتاب لا يجب أن يصل للتلاميذ".

ومن خلال التواصل بين الناشر والأكاديميين الفلسطينيين والبريطانيين "اعترف الناشر بلقائه مع منظمة "محامون بريطانيون من أجل إسرائيل" وبأنه أخذ رأي طرف محايد وهو الذي أجرى هذه التعديلات"، وهي المبررات التي لم تقنع الدكتورة غادة الكرمي ولا رفاقها.

وحذرت الكاتبة الفلسطينية من خطورة وصول الكتابين لأيدي التلاميذ؛ "لأنه منحاز للرواية الإسرائيلية ويقدم معلومات خاطئة"، مقدمة أمثلة على هذا التحيز؛ حيث "تم حذف كل الكلمات التي تتحدث عن الكفاح ضد الانتداب البريطاني وضد العصابات الصهيونية وحذف كلمات مثل الفدائي والمقاوم وتعويضها بكلمات من قبيل الإرهاب والعمليات الإرهابية، كما أن المجازر المعروفة التي ارتكبها الاحتلال لم يعد اسمها مجازر بل مجرد عمليات أو أعمال قتالية".

وتُقر الدكتورة غادة الكرمي بأن ما يحدث حاليا هو معركة وعي؛ "لأن الكتاب يتحدث بلغة عادية دون سب أو شتم أو عنف، لكنه يمرر رسائل وخطابا مؤيدا لإسرائيل، وهنا خطورة الدعاية للاحتلال من باب الكتب وتقديمها للتلاميذ الذين قد يتقبلون هذه المعلومات وتتكون لديهم صورة مغلوطة حول الذي حدث ويحدث في فلسطين.

صراع الروايات

يضع محمد أمين -رئيس منتدى التفكير العربي في لندن- ما يحدث في سياق صراع الروايات، أي أن اللوبي الصهيوني يعمل على طمس الرواية التاريخية الحقيقية وتقديم روايته للأحداث، مؤكدا أن المنتدى الذي يشرف عليه يرصد عمل اللوبي الصهيوني "على كافة المستويات لتغيير الرواية للصراع والظهور كضحية، وأنا لست متفاجئا من أن تصل أذرعه للتعليم في بريطانيا والتي نعلم أن كتب التاريخ فيها يتم إقرارها عبر اختيار ناشرين أكفاء، وغير مستبعد أن يكون الناشر الذي اعتمدت كتبه قد خضع لضغوط من أجل إجراء تعديلات على تلك الكتب".

ويعضد الباحث والإعلامي الفلسطيني فرضية تعرض الناشر لضغوط من هذا اللوبي، بما نشرته صحيفة "الإندبندنت" (Independent) البريطانية التي كشفت أنه "تحت الضغط أجرى ناشر كتب تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي تعديلا في منهاج التاريخ لطلبة الثانوية في بريطانيا وأدخل تحسينات لتفضيل الرواية الإسرائيلية على الرواية الفلسطينية".

ويقول أمين -للجزيرة نت- إن سعي الاحتلال لتحريف التاريخ هو ترجمة للانتقال من "مرحلة الحديث عن تعثر مفاوضات السلام وتحميل الطرف الفلسطيني المسؤولية؛ إلى نسف وجود شريك فلسطيني، وذلك عبر تجريده من حقوقه التاريخية من خلال تزييف روايته، ومحاولة إقناع الرأي العام الدولي بأن تحول إسرائيل لدولة يهودية هو طبيعي وليس فعلا عنصريا، لأنه -وفقا لإسرائيل- لا يوجد أصلا حق فلسطيني".

وقدم الباحث مثالا على هذا الإنكار والتزييف، وهو ما تمارسه الدبلوماسية الإسرائيلية في بريطانيا بخصوص عنصرية إسرائيل في منعها لقاحات كورونا عن الفلسطينيين، حيث زيفت السفيرة الإسرائيلية -التي ظهرت ضيفة في البرنامج الشهير "نيوز نايت" (Newsnight) على قناة "بي بي سي2" (BBC2)- الرواية الموثّقة بمنع إسرائيل اللقاحات عن الشعب الفلسطيني، لتدعي أن إسرائيل لا تميز في إعطاء اللقاح بين الفلسطينيين والإسرائيليين، محمّلة الفلسطينيين أنفسهم مسؤولية عدم تحصلهم على اللقاح.

من جهته، اعتبر زياد العالول المتحدث باسم المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج أن الاحتلال لا يدّخر أي جهد لتلميع صفحته في الغرب؛ "لمسح جرائمه في الأرض المحتلة، وليس هذا فحسب، بل تزييف الحقائق والتاريخ، في محاولة لتثبيت شرعية منقوصة رغم مرور أكثر من 70 عاما على تأسيس دولة الاحتلال".

وأكد العالول -للجزيرة نت- أن "إسرائيل لا تستطيع أن تلغي أنها دولة محتلة وأنها تركب الجرائم بحق الشعب الفلسطيني وأنها لا تلتزم بالقانون الدولي وأنها دولة عنصرية".

المصدر : الجزيرة