"اسمي هاجر".. ختام ثلاثية الاغتراب في بلاد الشام

الروائي والكاتب السوري محمود عمر خيتي مؤلف سلسلة الثلاثية الشامية (الجزيرة)

إسطنبول- "إن حب الناس البسطاء والفقراء والمظلومين ومد يد العون لهم، ومقارعة الاستعمار بذكاء وحكمة وشجاعة؛ خلاصة ما كانت عليه المحامية هاجر التي دافعت عن الأبرياء داخل المحكمة وخارجها". هكذا وصف الكاتب والروائي السوري محمود عمر خيتي شخصية بطلة روايته الثالثة والأخيرة من سلسلة "الثلاثية الشامية"، التي حملت عنوان "اسمي هاجر.. من أجل دمشق من أجل أبي".

تعود الرواية بقارئها إلى الحياة في سوريا عام 1922 عبر تجسيد شعري ونثري يقدم فصولا من حياة المحامية هاجر حسام الشهيد الحسني، وهي شاعرة وكاتبة ومترجمة سورية والدها بطل حكايات الثلاثية الشامية المولود لأب سوري وأم فلسطينية.

ولدت هاجر في القدس عام 1876 وتوفيت في دمشق عام 1959، وعرفت بنضالها ضد الاستعمار الفرنسي لسوريا وبنشاطها الخيري والاجتماعي والإنساني، وكأن في سيرتها "شبه الحقيقية" -كما يصفها مؤلف الرواية- ربطا مقدسا بين حلقات التاريخ ومساحات الجغرافيا في بلاد الشام.

تظهر الرواية كثيرا من جوانب الحكمة والشجاعة والإرادة في شخصية هاجر وفي سلوكها، إنها فتاة كبيرة -كما يقول عنها خيتي- فقد كانت في 46 من العمر يوم كتب عنها الرواية، وهي تتصف بالذكاء والثقافة وبإتقانها اللغات التركية والفرنسية والإنجليزية، فتراها تكتب بهذه اللغات وتترجم منها وإليها، وهي إلى ذلك شاعرة رقيقة وكاتبة قصص، وتعنى بالكتابة للأطفال خاصة.

ظلت مقالات هاجر الجريئة في الصحف الدمشقية التي كانت تخاطب فيها الجمهور وتبين له حقيقة الاستعمار واستغلاله للوطن تقلق إدارة الانتداب الفرنسي في دمشق، وظلت هاجر تقارع الكولونيل برنار (اسم مستعار) الحاكم العسكري الفرنسي لدمشق وتجادله وتتحداه.

ووفقا لخيتي فقد دفعت هاجر ثمن كلماتها فواجهت متاعب كبيرة، بينها الاعتقال والتعذيب والملاحقة، لكنها صبرت واستمرت في نضالها وعملها الوطني، وقادت مجموعة من الفتيات والنساء من خلال جمعية أنشأتها لنهضة النساء وتعليم الأميات ومساعدة الفقيرات.

عواقب في القدس

تمضي الرواية -الواقعة في 113 ألف كلمة، وهي الأطول في السلسلة الثلاثية- في شرح دور هاجر ونضالها ومقارعتها الاستعمار الفرنسي قبل أن تستجيب لأمر والدتها المسنة التي تصر في فصول الرواية الأخيرة على زيارة قبر الوالد الدكتور حسام بالقرب من المسجد الأقصى، فتسافر الأم وابنتها إلى القدس في القطار.

في القدس، بدأت هاجر مسيرة نضال جديدة حين كلفها مؤلف الرواية بمهمة البحث عن قاتل أبيها وطريقة قتله، ونجحت في ذلك وعرفت هوية الجهة الخطيرة التي تقف وراء مقتل والدها وبعض معارفه الذين يدافعون عن أوطانهم.

وكما كانت عليه حال الانتداب الفرنسي في الشام، بدأ الاستعمار البريطاني في فلسطين هاجر التي أخذت تتعرض لتهديدات من عصابة سرية انتهت بمحاولة اغتيالها على يد قاتل مجهول في القدس، فأصيبت إصابة بليغة كادت تودي بحياتها.

وبعد وفاة والدتها التي أحزنتها وعمقت جراحها إثر تعرضها للاغتيال، وكذلك بعد تلقيها رسالة من صديقتها في دمشق؛ قررت هاجر العودة إلى الشام لمتابعة نضالها ضد الاستعمار الفرنسي، ولنجدة صديقتها ونصرة الضعفاء والأبرياء، ومساعدة أستاذها المحامي في القضايا الشائكة في المحاكم.

الثلاثية الشامية

حطت هاجر الرحال من جديد في دمشق في الفصل 42 الذي اختتمت به الرواية، بعدما استغرقت كتابتها عامين كاملين، ويقول خيتي إنه حاول خلالهما بناء الصلة بين الماضي والحاضر والمستقبل الذي يقوم به القراء بدور الأبطال الحقيقيين بعد انتهاء دور المؤلف وصدور الرواية التي تم توقيعها في المعرض الدولي السادس للكتاب العربي في إسطنبول.

وقال خيتي للجزيرة نت إن الثلاثية الشامية 3 روايات تاريخية اجتماعية بوليسية تسرد سيرة طبيب دمشقي الأب مقدسي الأم عاش في القرن 19 وتوفي في أوائل القرن العشرين، وهو في تدوينه لسيرته يسرد التفاصيل الحياتية المهمة لنفسه ولعائلته وأصدقائه ومجتمعه.

صوّر الروائي السوري في السلسلة التفاصيل المتعلقة بوالد حسام الضابط الشهيد ووالدته المقدسية الفاضلة، وصولا إلى أبنائه وأحفاده، مع تخصيص مساحة كبيرة في الروايات الثلاث لتصوير الأعمال الإنسانية العظيمة التي قام بها الدكتور حسام سامي الشهيد الحسني بطل الثلاثية الأول، ومن بعده ابنته هاجر، التي سارت على طريق والدها ولقيت مثله كثيرًا من المعاناة.

وتحاول هذه الثلاثية تقديم سيرة سردية مفصلة للدكتور حسام وابنته هاجر، ولعائلتين كبيرتين، ولكثير من الأصدقاء والأعداء والطيبين والأشرار، وتعرف القراء بأحوال دمشق والقدس وبيروت ويافا وكثير من بلاد الشام، إضافة إلى التعريف بالأستانة (إسطنبول) ومالطا وباريس في ذلك العصر الذي نجهل عنه أكثر مما نعلم.

ويقول خيتي إن السلسلة المتكونة من 3 روايات كبيرة تشكل في مجموعها نحو 293 ألف كلمة بأسلوب السيرة الذاتية، أو مذكرات الحوادث اليومية، وتصور أدق تفاصيل الزمان والمكان والمشاعر والألوان والصراعات بين الخير والشر.

عمار عبد الخالق صاحب دار إتقان للنشر والتوزيع التي نشرت رواية "اسمي هاجر" (الجزيرة)

أما عمار عبد الخالق صاحب دار الإتقان للنشر والتوزيع في إسطنبول التي نشرت السلسلة فأشار إلى أن قيمة الرواية والسلسلة تكمن في كونها تسلط الضوء على فترة زمنية غابت تفاصيلها عن أبناء الجيل المعاصر، موضحا أن الرواية توثق بطريقة أدبية مرحلة نهاية حقبة الدولة العثمانية وبدء عصور الاحتلال في بلاد الشام.

ووصف عبد الخالق للجزيرة نت إقبال الشباب العربي في تركيا على قراءة السلسلة والرواية التي تم إصدار طبعتها الثانية بأنه أكثر من جيد، موضحا أن الحركة الثقافية والأدبية العربية باتت تلقى عودة قوية من القراء الشباب العرب بعد سنين من الجفاء.

المصدر : الجزيرة