كثير من عشب الكآبة وقليل من الرقص وقصائد النجاة.. كيف استقبل الشعراء العرب عام 2021؟

الشاعر الليبي مفتاح العلواني و الشاعر العماني المقيم في السويد زاهر الغافري و عبد الرزاق الربيعي (مواقع التواصل)
الشاعر الليبي مفتاح العلواني (يمين) و الشاعر العماني المقيم في السويد زاهر الغافري (وسط) و عبد الرزاق الربيعي (مواقع التواصل)

تحولت صفحات وحسابات الشعراء العرب، على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، إلى حائط مفتوح لاستذكار نجاحات وإخفاقات سنة 2020، غير أن نبرة الحزن طغت على معظم المنشورات حتى أولئك الذين أنشدوا شعرا لم يبتعدوا عن حائط الحزن والانكسار متمنّين أن يكون عام 2021 أخف وطأة على الأقل من سنتهم المنصرمة (سنة جائحة كوفيد-19).

ووجد شعراء وشاعرات مناسبة حلول السنة الميلادية الجديدة 2021 منبرا لسرد نجاحاتهم وإنجازاتهم من الكتب والإصدارات، في حين اكتفى بعضهم الآخر بإعادة نشر نصوص ويوميات كانوا نشروها عشية توديع 2019 واستقبال 2020، حتى تلك التي مرّت عليها سنوات، الأمر الذي يعكس حالة من الانكسار الشديد وتصحّر القرائح الخارجة حديثا من سنة مريرة شهدها العالم من أقصاه إلى أقصاه تحت وطأة وباء كورونا.

لكن شعراء آخرين ذهبوا بعيدا في طقس احتفائي غريب عندما كتب أحدهم أن أهم منجز لعام 2020 هو أنه كان عام الـ"بي دي إف" (PDF)، في إشارة إلى حصيلة الكتب التي تمكّن من تحميلها بصيغة إلكترونية بسبب واحدة من حسنات الجائحة التي دفعت بعدد من دور النشر والمكتبات العالمية إلى ضخّ عدد كبير من إصدارتها مجانا للقرّاء بهذه الصيغة.

المقالح و"أعشاب الكآبة"

الشاعر اليمني عبد العزيز المقالح نشر، عبر صفحته بفيسبوك، نصًا بعنوان "امتنان" داعيا في سياقه إلى التسلح بأمل جديد للاغتسال من شمس الكآبة، فأنشد "شكرا/لأن الصبحَ يمنحنا التفاؤل/في غد أحلى/وأن الضوءَ يمنحنا الأمان/شكرا/لأن الشمس تغسلنا/وتمسح عن وجوه الناس/أعشاب الكآبة/والهوان".

لكن قصيدة المقالح لم تخل من نبرة حزن كتبها بأسلوب موارب، فهو يدعو للتحرر من مشاعر الكآبة وفي الوقت نفسه يثني على "حنان الموت" ولطفه، وقد بات حالة يومية في عالم محترب وموبوء ومباغت بالأهوال والكوارث كل لحظة "شكرا/لأن الموت يدعونا إلى مثواه/يحملنا على أكتافه الخضراء/في غيم الحنان/ شكرا/لأن الرب يدرك ما تخبئه الموائد/والجرائد/ما يخبئه اللسان".

من يعدّ الموتى؟

من ناحيته، بعث الشاعر العماني سيف الرحبي، برسالة جماعية إلى أصدقائه عبر واتساب، ضمّنها مقالة بلغته الشاعرية-السردية المتوّجة بأكاليل الدهشة الجميلة أمام انهيارات العالم وحروبه وأوبئته ومنزلقاته التي تحاصر الروح.

ويأسف الرحبي في سياق تهنئته بالعام الجديد التي اقتطفها من نص طويل عنوانه "حياة على عجل" بقوله "لم يعد في المتناول عدّ وإحصاء الموتى والقتلى، حتى عبر فضاء الأجهزة الإلكترونية، عالية الاستيعاب، والدقة، من فرط ما يتساقطون بفعل الكوارث البشرية والطبيعية والمرضية، في كل مكان وصوب عبر خرائط أرض البشر المصابة جراء ذلك بالخرف والتصدع والدوار".

آلام "بنميمون"

الشاعر المغربي أحمد بنميمون تزامنت نهايات 2020 وبدايات 2021 مع تعرضه لأزمة صحية شديدة، مما جعله ينشد، عبر صفحته في فيسبوك، نصا شعريا موجوعا تتناثر آلامه بقسوة "آخر العام أفجأ نفسي/تساورها شاردات الفكـَر/لا أراجِع أمنية تتوهج في خاطري/لست مندفعا في طلاب وطـر/إنه القهر قاومني/نصله يتغلغل حتى الصميم/فما عاد يطلبني ما أريد وقد صار يبدعني/ما تفقدت رأسي داخل هذا اليباب: أأينعت اليوم؟"، لكنه يجيب شعرا بشيء من الثبات والمقاومة "إن لساني الذي رفَض الميل كالغصن غضًا/ أمام اعتساف الرياح/ تجذّر في الأرض مثل الشجَر".

من اليمين صلاح فائق و الشاعر العراقي المقيم في المملكة المتحدة عبد الكريم كاصد و الشاعر المغربي أحمد بنميمون - مواقع التواصل
من اليمين صلاح فائق و الشاعر العراقي المقيم في بريطانيا عبد الكريم كاصد و الشاعر المغربي أحمد بنميمون (مواقع التواصل)

جوائز وإصدارات

واكتفى الشاعران، اللبناني شربل داغر والعراقي المقيم في عُمان عبد الرزاق الربيعي، بمشاركة مقالتين نشرتا لهما في الصحافة اللبنانية والعمانية بمناسبة حلول العام الجديد، على صفحتيهما في فيسبوك، لكن داغر في منشور آخر احتفى بفوز كتابه "الخروج من العائلة" بجائزة مكرسة لأدب الرحلات ونصوص اليوميات، أما الربيعي فاحتفى من جهته بصدور طبعة جديدة من أعماله الشعرية عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت بالتعاون مع دار سطور البغدادية.

ومما كتبه شربل داغر، مودّعا سنة الكورونا ومستقبلا العام الطارئ الجديد "كانت للسنة المنقضية أرجل من خشب. سأرميها في جوف المدخنة. هذه السنة، التي لم نعش، لتمض من دون رحمة، مع أنها حرمتنا من مجموع أيامها! لتحترق في المدخنة، من دون أن يشدني لهيب النار الذي يفتنني عادة. لتمض مع قباحاتها..!".

حينما يرقص الشعراء

أما الشاعر العماني المقيم في السويد، زاهر الغافري، فقد احتفى بالعام الجديد رقصا وكأنه يقول لـ2020 الموبوءة والمنعزلة، وداعا رغم أهوالك وجوائحك، هأنذا أرقص وحيدا. ونشر الغافري عبر فيسبوك فيديو قصيرا ظهر فيه وهو يرقص على أنغام موسيقى، وكتب تعليقا سريعا "العجوز عندما يرقص مع النعناع والتوليب الأبيض في رأس السنة".

لكنها ليست المرة الأولى التي ينشر فيها الغافري مقاطع راقصة له، فقد نشر مقاطع مماثلة طوال سنة الكورونا، وكذلك فعل زميله الشاعر اللبناني وديع سعادة، وهما بذلك يواجهان يوميات العزلة الطويلة بالرقص في حين تتواصل فتوحاتهما وإشراقاتهما بوصفهما صوتين مهمين في مسيرة التحديث الشعري "قصيدة النثر العربية" المعاصرة.

ضوء "يقطر من الخناجر"

غير بعيد، احتفى شعراء هنا وهناك بما قالوا عنه إنه "الضوء القادم في 2021″، منهم الشاعر والناقد المغربي عبد اللطيف الوراري، والشاعر والمترجم التونسي جمال الجلاصي. فالوراري كتب "كان عام 2020 تضج شوارعه بعربات الموتى والمرضى والمرتعبين. كنت أراقب ذلك بشيء من الرهبة، ولكن لم أدع شعلة الأمل تسقط من يدي، وإلا لما حافظت على توازني وانضبطت كعادتي لمشروعي في الكتابة تأليفا وتنقيحا في فترة الحجر الصحي وبعدها، ثم انفتح لي باب الجامعة التي بها سيكون لهذا المشروع امتداد وسيرورة أجمل".

أما الجلاصي فقد أعلن بزهو "سأستهل سنة 2021 إن شاء الله بصدور ترجمتي لـ7 مجموعات شعرية كاملة، وهي إسهامي في ترجمة موسوعة الشعر الفرنسي".

من ناحيته، كتب الشاعر المصري أشرف البولاقي قائلا "ماذا بينك وبين ربك يا أبا هند، لتبدأ عام 2021 بغلاف ديوانك الجديد "(يَقطر مِن خناجرِهم جميعًا)؟!، قريبا، عن الهيئة المصرية العامة للكتاب". وسرد أيضا قائمة من 7 عناوين هي حصيلة كل إصداراته السابقة.

"مات قلبي في حقل أبي المحروق"

حضر الشعر أيضا ممتزجا مع ألوان الأمل وأضواء ليلة الميلاد في صور ونصوص ومنشورات واستذكارات لسنة مضت، وتخطيط لمنجز عام جديد بدأ وما زالت مضامينه ممهورة بغموض غير واضح تماما، لما خلّفته سنة 2020 من أحزان ومناحات وقوافل جنائزية، وانهيارات اقتصادية، وعزلة دفعت كثيرين إلى التعبير عن ضيقهم وانهيارهم بصيغ وأشكال كتابية وتعبيرية وإبداعية شتى.

ثمة شعراء أصرّوا أن تأتي تهنئاتهم على فيسبوك شعرا خالصا، وذهب آخرون إلى الفكاهة والسخرية تعبيرا عن كلمة وداع تليق بسنة عاصفة ومرعبة ممتلئة بالطقوس الجنائزية، ومعارك الساسة، وندوب الحرب وجراحاتها وفداحاتها في أكثر من بلد عربي.

وفي هذا السياق نثرت الشاعرة السورية المقيمة في اللاذقية، ريتا الحكيم، مقاطع شعرية عدة مسكونة بلغة الحزن ودافقة بمشاعر الوهن الإنساني أمام حصاد الحرب المستمر والمريع في بلدها سوريا، فكتبت على فيسبوك "لأبوابنا المغلقة في وجهِ الحياة/نبض يشي بأنفاسنا المكتومةِ/خلف مقابضِها". وفي مقطع آخر تقول "أنا ابنة سنواتِ القحط/ماتَ قلبي في حقل أبي المحروقِ/وغرقت ذاكرتي في بحر من دموع أمي". لتتذكر النازحين في الخيام المشرعة أبوابها لبرد الشتاء القارس داخل سوريا وخارجها أيضا "إخوتنا في الخيام.. سامحونا، واغفروا لنا عجزنا وقلة حيلتنا.. آمين".

من اليمين عبد اللطيف الوراري و الشاعر العراقي ميثم عبد الجبار و شربل داغر (مواقع التواصل)
من اليمين الأدباء العرب: عبد اللطيف الوراري و الشاعر العراقي ميثم عبد الجبار و شربل داغر (مواقع التواصل)

ثمة شعراء رحلوا بسبب كورونا، مثل الشاعر اليمني حسن أحمد اللوزي، والشاعر السوري خالد جميل الصدقة، والشاعر المغربي حكيم عنكر الذي غادر المشهد الشعري العربي قبل أيام، وآخرون ماتوا سنة 2020 بأسباب صحية أخرى مثل الشاعرين المترجمين المصريين محمد عيد إبراهيم (الذي لفظ أنفاسه يوم 5 يناير/كانون الثاني)، ورفعت سلام (الذي ألمّ به مرض عضال واضعا حدا لحياته يوم 6 ديسمبر/كانون الأول).

لكن شعراء آخرين كتبت لهم السلامة ليخرجوا على الأصدقاء في فيسبوك بمنشورات تعلن انتصارهم على الوباء وتكتب يومياته وآلامه واختناقاته وعذاباته التي أفلتوا من قبضتها، مثل الشاعر والمترجم العراقي المقيم في إسبانيا عبد الهادي سعدون، والشاعرة الفلسطينية منال دراغمة، والشاعر العراقي حسام محمد علي الذي أصيب مرتين بالكورونا وتعافى.

"كاصد" يعبر النهر

الشاعر والمترجم العراقي المقيم في المملكة المتحدة، عبد الكريم كاصد، استحضر ما يفعله المهرّبون عبر الأنهار والجغرافيا الوعرة أو نقضاؤهم الهاربون من خطر ما لا سبيل لمقاومته، عندما كتب مستقبلا 2021 بقوله "أيها العام سأعبر صوبك متنكرا، كما يعبر المهرّبون أو الهاربون، ولن ألتفت إلى الخلف، لأرى المخفر القديم بجدرانه الحائلة، ومخبريه السريين، وكمامات حراسه وهم يصطلون بنار ترجف في البرد. سأعبر حتى لو قادني العبور صوب صحاراك البعيدة الموحشة، عندئذ سأجعل من نفسي خيمة أسكنها مخاطبا نجوما لم يحجبها دخان بعد، تراها نجومك أنت؟".

وأردف كاصد شعرا "مع الماء سِرنا/وكان على ضفة النهر سرب خنازير/حمراء/كانت ثعالب/- لا../لا تطلق النار!/لكنه../أطلقَ النار/صحت:/- لماذا؟/فجأة/في الظلام/تبرق أسنان بيض/بشرة صافية/وجهٌ يضحك/ فجأةً/في الظلام/أراني أضحك وقد استيقظت (الوجه ترى كان لمن؟)".

2021 متسكعا مع "صلاح فائق"

"في السنة الجديدة لن أقومَ بأي مجهود في أي مجال. سأسترخي، أنام جيدا، أطبخ وأغني. أسافر، أتسكع، أزور البحر وأبناءه من أنهار وجداول، أزور متاحف، حيث آثار أجدادي، وأيضا مكتبات كبرى، يرافقني كلبي، لا أقرا فيها، وإنما لأتخيلَ وأضطجع في غرفها وحدائقها". هكذا يخطط الشاعر الكردي العراقي المقيم في المملكة المتحدة، صلاح فائق، في مقطع شعري متخيل ليومياته في 2021، لكنه خيال الشاعر يطير به في الأرجاء.

ونشير إلى أن صفحة صلاح فائق على فيسبوك تكاد تكون ندوة شعرية مفتوحة، فهو ينشر على مدار الساعة، ويكتب بلا توقف، ولقصيدة النثر التي يشتغل عليها مذاق العنب المتموه في تقطيعة موسيقى من أعالي الجبال القريبة أو البعيدة من مدينته الأم "كركوك". وتأتي هذه المقاطع المتخيلة لنزهة افتراضية وبحرية في آن، في وقت كتب فيه فائق، في منشورات لم يجف حبرها مفيدا بأنه في الحي الذي يقطن فيه ببريطانيا بات مجددا تحت وطأة العزل الاحترازي الذي فرضته السلطات في البلاد بعد أن استأنف "كوفيد-19" معاركه، على نحو محموم ومرعب هناك.

وبلغته الشعرية الفارقة المتكئة على التقاط تفاصيل اليومي، والمحلّقة في فضاءات جديرة بالنجومية يكمل فائق نصه الشعري مستدركا "أما صفحتي وشعري فأتركهما ليهتم بهما صلاح فائق/صديقي القديم/أثق بقدراته/مزاجه/وأمانته/وقد وافق على القيام/بهذه/المهمة الكئيبة".

عام الـpdf

الشاعر العراقي ميثم عبد الجبار تشبّث بالتدخين بعد أن قرر الإقلاع عنه، يقول في مقطع قصير جدا "في وداع 2020/كان بودّي أن يتحقق حلم ترك التدخين/كورونا عدلت المفهوم من الإقلاع إلى التشبّث".

الشاعر التونسي رضا العبيدي انتهز مناسبة عيد رأس السنة ليكتب جادّا ومتهكّما وذاهبا في أفق أبعد "لقد كان 2020 عاما مليئا بالـPDF..". وفي منشور آخر كتب "هذه السنة جاءنا بابا نويل بكمامة". ومقتبسا لجلال الدين الرومي "هذا العالم غارق في الآلام والمآسي من رأسه إلى قدميه، وﻻ أمل له في الشفاء إﻻ بيد الحب".‎

مرحبا كوفيد 20

"كأن العام أبيض أكثر من اللازم/لا أكثر من أغنية/وكأس شاي/ومذياع يتمتم/أما نحن لم نفق من حربنا بعد/وويل لنا من العام الجديد/المذياع وحده/يقول:/ كل عام وأنت بخير/وقادة الحرب يبتسمون". بهذه الكلمات عانق الشاعر اليمني المقيم في المغرب، رئيس تحرير مجلة "نصوص من خارج اللغة"، أحمد الفلاحي، التباشير الأولى للعام الجديد، وثمة جرح يماني في السياق "حرب مستمرة للعام السادس ومآلات بائسة وفي المقابل: الساسة يبتسمون كعادتهم، أمام ثكنة من الأشلاء التي تطايرت والدماء التي سفكت في أتون الحرب".

أما الشاعرة السورية أسماء كريدي فكتبت بدورها "كان عاما مليئا بالأوجاع/ألم في العظام/ألم في ساقي أمي/ألم قديم أحيته حكاية عابرة/وألم هذهِ البلاد/التي تجلِدنا/وتبكي في الوقتِ ذاته".

من جهته، كتب الشاعر الليبي مفتاح العلواني بأسلوب ساخر مرحّبا بما أطلق عليه "كوفيد-20" فقال "مرحبا كوفيد 20.. الحقيقة أنا خجول جدا منك.. كنت أودّ الترحيب بك أيام كنت مجرد كوفيد 19 يافعا تركض في شوارع البلاد.. لكنك تعرف حقًا أنني انشغلت عنك بالبحث عن قفازات وكمامات وكحول كان قد اختفى فجأة.. حيث كنا خائفين جدا حينها.. نواسي بعضنا بكلمات صبر وتفاؤل نستعملها قبل أن تأتي في أمور مؤرقة لهذه البلاد أيضا دون جدوى".

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي