أحمد فؤاد نجم.. شاعر مصري لم تمنعه السجون من هجاء الحكام

الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم في تظاهرة يتفتح في الحرية" بالدوحة
أحمد فؤاد نجم خلال إلقائه قصائده بالعاصمة القطرية الدوحة (الجزيرة-أرشيف)

وكأنه ولد ليكون ثوريا ومتمردا، فبدايات الرجل مع هذه الحياة لا تشي مطلقا بما سيحققه فيها لاحقا، حيث تحوّل من طفل يتيم لم ينل شيئا كثيرا من الرعاية ونال قليلا من التعليم وعانى الكثير من الفقر والعوز، ليصبح أحد أشهر شعراء مصر والعرب في القرن العشرين.

إنه أحمد فؤاد نجم الذي توفي في مثل هذا اليوم الموافق الثالث من ديسمبر/كانون الأول 2013 عن عمر يناهز 84 عاما، وترك مئات القصائد التي فاقت شهرتها حدود بلده مصر، وتغنى بها كثير من العرب بوصفها رمزا للثورة والتمرد.

ولد يوم 23 ديسمبر/كانون الأول 1929 بإحدى قرى محافظة الشرقية في دلتا مصر لأم غير متعلمة وأب يعمل ضابط شرطة، لكن القدر لم يمهل الأب كثيرا حيث غادر الدنيا وترك الصغير يتيما ليضطر إلى الانتقال إلى منزل خاله، ومنه إلى ملجأ للأيام وهو في عمر السابعة ليبقى فيه 10 سنوات كاملة.

خرج الشاب من ملجأ الأيتام لا يملك مالا ولا شهادة دراسية، فلم يكن أمامه إلا أن يقوم بما يتيسر من عمل مهما كان بسيطا، فجال بالعديد من المهن حيث عمل راعيا وبائعا وعامل بناء وخياطا، وكانت معظم هذه الأعمال في معسكرات الجيش الإنجليزي الذي كان يحتل مصر في ذلك الوقت.

وتوالت الأحداث العاصفة في حياة نجم بعد خروجه من دار الأيتام عام 1945، حيث علم نفسه القراءة والكتابة، وخرج مع آلاف العمال في مظاهرات ضد الاحتلال البريطاني، كما عمل بهيئة السكك الحديدية، ثم موزعا في هيئة البريد، وهو ما يطلق عليه بالعامية المصرية "بوسطجي".

في سن الثلاثين بدأ عهده مع السجون، حيث اتهم بالاختلاس، وهو ما دفع به إلى السجن ليقضي فيه 3 سنوات، كانت الزيارة الأولى والوحيدة للسجن بتهمة جنائية، قبل أن يصبح لاحقا زائرا معتادا للسجون ولكن لأسباب سياسية مباشرة.

وفي السجن كانت بداية نجم مع الشعر، ومن داخله اشترك في مسابقة شعرية وفاز بها، وعنه كان ديوانه الأول "صور من الحياة والسجن"، ليبدو السجن وكأنه محور حياة الشاعر المشاغب.

بالتعرف على المغني الضرير الشيخ إمام، بدأت المرحلة الأكثر ثراء في حياة نجم وشعره، فإذا كان استخدامه للغة العامية في شعره يجعلها أقرب إلى الناس، فما بالك إذا خرجت إليهم مصحوبة بصوت معبر وألحان شجية ورفيق يشاركه الرسالة في محاربة الظلم وتعرية الاستبداد.

كان اللافت في أشعار نجم اهتمامها بالنقد السياسي والاجتماعي الذي لم يخل من حدة في كثير من الأحيان، ورغم أنه كان بشكل عام مولعا بالرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، فإن ذلك لم يمنعه من انتقاد الكثير من قرارات السلطة ومواقفها وهزائمها.

ولأنه كان مزعجا لأهل السلطة في معظم الأحيان، فقد أصبح ضيفا دائما على السجون سواء في عهد الرئيس جمال عبد الناصر أو خليفته أنور السادات، لكن المثير أنه لم يرضخ، بل إنه كتب في سجون النظام أغلب قصائده ضد النظام!

ورغم مرات السجن العديدة، فإن لسان نجم ظل حادا بل سليطا، وطال في قصيدة شهيرة حتى المطربة الشهيرة أم كلثوم رغم ما كان لها من جماهيرية ونفوذ في ذلك الوقت، كما انتقد سياسات ورؤساء دول غربية، لكنه تعاطف في المقابل مع رموز المقاومة والثورة والتمرد في مختلف أنحاء العالم.

رغم أنه وصف جمال عبد الناصر بأنه "أمير الفقراء المصريين"، فإنه أوسعه نقدا خصوصا بعد الهزيمة أمام إسرائيل في "نكسة" 1967، كما سخر من انسحاب الجيش المصري أمام نظيره الإسرائيلي، وكذلك من شعارات المرحلة الناصرية التي خلت من المضمون، ليدخل السجن ويظل به حتى وفاة عبد الناصر.

وكان الرئيس التالي أنور السادات أكثر حظا في نيل سهام النقد من الشاعر الشعبي، خصوصا ما يتعلق بسياسات الانفتاح الاقتصادي وكذلك الاتجاه لتدعيم العلاقات مع الولايات المتحدة، كما انتقد الرئيس حسني مبارك خصوصا بعدما تردد عن اعتزامه توريث الحكم لابنه جمال.

ورغم أن البعض اعتبره عدو الرؤساء في مصر، فإنه ردّ مؤكدا أنه لم يناصب الرؤساء العداء وإنما هم من ناصبوا الشعب العداء، على حد قوله، وأن قصائده "تنتقد الأحداث والتصرفات والانحرافات، وهذا النقد يدعم السلطة ولا يقوضها".

والمثير أنه رثى عبد الناصر وقال في حديث تلفزيوني قبل وفاته إنه كان يحبه رغم أنه قال في الحديث نفسه إن عبد الناصر كان يمتلك "جرأة الجاهل".

 

 

 

كان نجم مهموما بالفوارق الطبقية، وانتقد في العديد من أشعاره انتشار الفساد وإثراء قلة من الشعب على حساب عموم المصريين، وكان أبرزها قصيدة "يعيش أهل بلدي" التي أبرز فيها التناقض الحاد بين طبقتين: أثرياء تتزايد ثرواتهم، وفقراء تتضاعف معاناتهم.

أطلق نجم على نفسه لقب "الفاجومي"، وشرح معنى هذا اللقب قائلا إنه يستخدم في العامية المصرية للدلالة على الشخص المندفع الذي يقول ما يريد بسهولة ودون خوف.

وقال عنه الشاعر الفرنسي لويس أراغون "إن فيه قوة تسقط الأسوار"، في حين أطلق عليه الناقد الأدبي علي الراعي لقب "الشاعر البندقية"، أما الرئيس الراحل أنور السادات فوصفه بـ"الشاعر البذيء".

 

المصدر : الجزيرة