"بريد الليل" يوصل هدى بركات إلى البوكر

Omran Abdullah - هدى بركات وروايتها الفائزة، مواقع التواصل - "بريد الليل" يوصل هدى بركات إلى البوكر
هدى بركات وروايتها الفائزة (مواقع التواصل)

لم تصل حكايات أصحاب الرسائل الذين كتبوها وضاعت مثلهم "كمهاجرين أو مهجّرين أو منفيين مشردين يتامى بلدانهم التي كسرتها الأيام فأحالت حياتهم للعبة بازل".

لكن كاتبة "بريد الليل" الروائية اللبنانية هدى بركات وصلت لترشيح القائمة القصيرة للبوكر، قبل أن تعلن لجنة تحكيم الجائزة العالمية للرواية العربية عن فوز روايتها ذات الـ128 صفحة بالجائزة العالمية للرواية العربية 2019 في دورتها الثانية عشرة خلال حفل رسمي أقيم مساء اليوم الثلاثاء في أبو ظبي.

وحصلت بركات التي ولدت عام 1952 في بيروت وتخصصت في الأدب المعاصر وانتقلت إلى فرنسا منذ بداية حياتها، على الجائزة النقدية البالغة قيمتها 50 ألف دولار أميركي، بالإضافة إلى ترجمة روايتها إلى اللغة الإنجليزية، وستصدر النسخة الإنجليزية للرواية الفائزة "بريد الليل" عن دار وانورلد في المملكة المتحدة عام 2020، بحسب موقع جائزة البوكر الرسمي.

واختيرت رواية "بريد الليل" من قبل لجنة التحكيم باعتبارها أفضل عمل روائي نُشر بين يوليو/تموز 2017 ويونيو/حزيران 2018، وجرى اختيارها من بين ست روايات في القائمة القصيرة لكتّاب من الأردن وسوريا والعراق ولبنان ومصر والمغرب.

وتم تكريم الكتّاب الخمسة المرشحين في القائمة القصيرة في الحفل، وهم: كفى الزعبي وشهلا العجيلي وعادل عصمت وإنعام كجه جي ومحمد المعزوز.

وضمت لجنة التحكيم لعام 2019 كلا من شرف الدين ماجدولين (رئيس اللجنة)، وهو أكاديمي وناقد مغربي مختص في الجماليات والسرديات اللفظية والبصرية والدراسات المقارنة، وفوزية أبو خالد، شاعرة وكاتبة وأكاديمية وباحثة سعودية في القضايا الاجتماعية والسياسية، وزليخة أبوريشة، شاعرة وكاتبة عمود وباحثة وناشطة في قضايا المرأة وحقوق الإنسان من الأردن، ولطيف زيتوني، أكاديمي وناقد لبناني مختص بالسرديات، وتشانغ هونغ يي، وهي أكاديمية ومترجمة وباحثة صينية.

بريد لا يصل
تحكي بركات التي علمت في الصحافة والتدريس في روايتها، خمس قصص عبر خمس رسائل لأشخاص مختلفين يتعرف القارئ عليهم عبر هذا البوح المسائي المبثوث في رسائل تشبه حكايات المعذبين أو اعترافات ساعات الليل الأخيرة بما تحمله من سوداوية وظلال قاتمة.

وكتبت الرواية بلغة بسيطة سهلة، فهي لغة رسائل بريدية كتبت بأيدي أناس عاديين هم أبطال القصص، واستخدمت الكاتبة أسلوب السرد المبعثر الذي يعطي إيحاء إضافيا بالتيه والضياع يضاعف تأثير اعترافات الهائمين المغتربين عن ذواتهم.

ويشمل القسم الأول "خلف النافذة" رسائل أولاها من رجل لحبيبته، وأخرى لحبيب قديم غائب ومنتظر، وثالثة من ابن لأمه يحكي لها عن تغيّر أحواله بعد السجن، وشخص شاذ جنسيا منبوذ لأبيه، ورسالة أخت لأخيها، وتترابط الشخصيات في القسم الثاني "في المطار"، بينما يتناول القسم الثالث "موت البوسطجي" أو حكاية ساعي البريد الذي يترك مصائر الرسائل معلقًا ومفتوحا وبلا نهاية.

ورسمت الصور في الرواية بعناية، فكل قصة تكاد ترتبط بغيرها برابط خفي، وغلب على لغة الرواية الفصحى رغم القليل من العامية المبثوث في الرسائل التي تضج بالشكوى والوحشة والندم أو اللامبالاة.

ويتناول مضمون الرسائل حروب الشرق الأوسط والقتل والجهل المنتشر، وتتعرض الرواية بالنقد للحكومات العربية والنقمة على رجال الدين والمجتمعات الشرقية، وتشرح كيف تحوّل كتاب الرسائل للإدمان والبغاء والدعارة وحتى الشذوذ الجنسي، وتتناول كذلك في القسم الثاني حياة المرسل إليهم.

وتعرضت الرواية لانتقادات من بعض القراء بسبب "نقمتها" المبالغ فيها على رجال الدين وحتى الأديان نفسها، وتناولت بعض التعليقات الناقدة كذلك ما اعتبروها "مبالغة في تصوير الجنس والعهر والشذوذ".

لكل حكاية وجه آخر لا نعرفه
تبدو الرواية الفائزة مزيجا من الآلام والأحزان والأنين والفقر الذي عاناه كتّاب الرسائل، وتعالج المشاعر الإنسانية والسقوط والأقنعة وحتى البشاعة الإنسانية التي قد ينكرها أصحابها لكنها لا تلبث أن تتلاعب بهم، كما تتلاعب الرسائل وتنتقل من شخصية لأخرى.

ويكاد اليقين يختفي في أحداث الرواية، فالقاتل قد لا يكون مجرما ولا المومس عاهرة، إنه الشك يضفي بظلاله وتضيع معه الحدود والمعايير وحتى الأماكن والأزمنة.

وأبطال الرواية بعضهم عاشوا حروبا أهلية وأحداثا عنيفة ودمارا وخسارات وخوفا وخيبات كبرى، وأثمر ذلك المزيج شكا يغلف الرواية المبعثرة، ويحولهم ليصبحوا أشخاصا آخرين، ويكتبوا رسائل تكاد تكون من غرباء إلى غرباء آخرين!

وحتى الفرحة المتوقعة في نجاح ساعي البريد في تسليم الرسائل، قضى عليها ضياع العناوين ودمار الشوارع، "فحين تنتهي الحرب سوف يبحثون طويلا عن أسماء الشوارع وربما يعطونها أسماء جديدة بحسب من ينتصر".

وأصدرت بركات ست روايات منها "حجر الضحك" (1990) و"أهل الهوى" (1993) و"حارث المياه" (2000)، ولها أيضا مسرحيتان ومجموعة قصصية وكتاب يوميات، ومُنحَت وسامان رفيعان من الجمهورية الفرنسية ومنحت أيضا جائزة نجيب محفوظ لعام 2000 من الجامعة الأميركية في القاهرة.

وكانت بركات قد قالت في حوارها مع موقع جائزة البوكر قبل فوزها بالجائزة إن ما دفعها لصياغة الرواية بشكلها الأخير كان "مشاهد المهاجرين الهاربين من بلدانهم في قوارب الموت، ونظرة العالم إليهم ككتلة غير مرغوب فيها أو كفيروس يهدد الحضارة".

وأضافت بركات أن "هذا لا يعني أني أريد للبلدان الغربية أن تشرع الحدود أو النظر إلى هؤلاء كملائكة. أردت فقط الإنصات إلى حيوات تهيم في صحراء هذا العالم. آمل أن تكون هذه الرواية قد أسمعت بهذا القدر أو ذاك أصوات حيوات هشة يتم إصدار الأحكام عليها دون فهمها أو استفتاء ما أوصلها إلى ما صارت إليه".

وتبدو الرواية الفائزة بالبوكر ببساطتها ومباشرتها وكأنها تدفع القارئ لأن يكتب رسالته أو اعترافه الخاص أيضا، ولعله قد يكتبه مثل هؤلاء الضائعين من كتاب الرسائل الضائعة، من يدري؟

المصدر : الجزيرة