السينما المغاربية.. حيوية ملفتة لجيل يتألق
نزار الفراوي-وجدة
فعلى هامش المهرجان المغاربي للفيلم الذي تحتضنه مدينة وجدة بشرق المغرب، من 9 إلى 13 أبريل/ نيسان الحالي، أبدى سينمائيون مشاركون بالمهرجان، تفاؤلهم بمستقبل الإنتاج السينمائي في المغرب العربي، في ظل دينامية الأصوات الجديدة التي تقدم مشاريع تتسم بالتنوع والجرأة والتجديد، لكنهم شددوا على ضرورة تعبئة أقوى للموارد من قبل الدولة من أجل جعل السينما ركنا من أركان المشروع الثقافي والتنموي الوطني.
وفي حديثه للجزيرة نت يرى الناقد والمخرج السينمائي المغربي عبد الإله الجوهري أن هناك أسماء قوية تقدم أفلاما تثير الاهتمام سواء على الصعيد المحلي أو في المحافل السينمائية الدولية، مع تفاوت في القيمة الفنية واختلاف طبيعي في المرجعيات والتيارات.
ومن زاوية تاريخية، يرى الجوهري أن الريادة الإقليمية انتقلت من السينما الجزائرية التي أثمرت تجارب قوية في الستينيات والسبعينيات توجت بفوز المخرج الأخضر حامينا بالسعفة الذهبية لـمهرجان كان عام 1975، إلى التونسية في الثمانينيات بجيل مثله نوري بوزيد وفريد بوغدير وغيرهما، لتصل إلى السينما المغربية التي أصبحت تتصدر المشهد منذ حوالي 15 عاما، بحيوية ملفتة على مستوى الكم والكيف.
وجود تماثلات في بعض المواضيع لا يكفي -حسب الجوهري- للحديث عن خصوصية تطبع أفلام المغرب العربي، فهناك اختلاف كبير في التجارب التي تطورت في كنف هواجس فرضها التاريخ القُطري الخاص لكل بلد منذ الاستقلال.
خدمة ثقافية
وكنموذج للدينامية السينمائية المغاربية، يلاحظ المخرج التونسي المخضرم خالد غربال أن إنتاج السينما التونسية خلال السنوات الأخيرة سجل تطورا كميا، مع بروز لافت لثلة من المخرجين والمخرجات يحملون رؤية جديدة وشغفا قويا بصنع أعمال تمثل نبض زمنهم، ومحاولة التعبير عن أنفسهم بحرص أكبر على التميز. ليست كل التجارب ذات جودة، يقول غربال، لكنه يلاحظ حيوية مطمئنة على مستقبل السينما في بلاده، خصوصا بالنسبة لموجة الأفلام الوثائقية.
في بلاد تعيش وضعية انتقالية هشة، يشدد غربال على أهمية وجود إرادة سياسية لجعل السينما خدمة عمومية تقدم الثقافة، مبرزا ضرورة ضخ استثمارات قوية في البنيات الأساسية، وخصوصا قاعات العروض المجهزة ذات الجاذبية الكبيرة.
ويرى غربال أن التربية على الصورة وتنمية ثقافة المشاهدة رهان لا يقل أهمية عن باقي حلقات النهوض بالقطاع، من منطلق أن السينما خصوصا والثقافة عموما، تقدم في نظره أجوبة قوية عن المشاكل والاضطرابات التي تواجهها تونس والمجتمعات المغاربية عموما.
نموذج لجيل جديد
من جانبه، ينطلق الناقد السينمائي الجزائري نبيل حاجي من أن التحولات السياسية في العالم العربي حررت الشباب من الطرق التقليدية للإنتاج وعززت رصيد السينما المغاربية من حيث تعدد أشكالها وخصوبة مضامينها مقارنة مع باقي تجارب السينما العربية التي ظلت حبيسة قوالب معينة. وما تتويجات السينما المغاربية في المهرجانات الدولية، في نظره، إلا تكريس للنفس الجديد الذي تعيشه المنطقة على مستوى الحراك الثقافي والفني.
ويعتبر نبيل حاجي أن الطفرة الرقمية حققت ديمقراطية الصورة فساعدت الشباب على خوض تجاربهم خارج شروط الإنتاج الثقيلة، مما أفرز جيلا شابا مجددا في المقترحات البصرية والبحث في "تيمات" جديدة.
ويسجل حاجي بارتياح بدايات عمل مغاربي مشترك في هذا الميدان من خلال شراكات تتنامى تسمح بتنقل الفنانين بين الأعمال السينمائية في المنطقة، وجاءت المهرجانات المغاربية، على غرار مهرجان وجدة للفيلم المغاربي، لتعزز هذا التفاعل، وهي عناصر تسمح، على حد قوله، بتوقع إمكانية الاستفادة من التبادل الخلاق بين الطاقات الإبداعية في المنطقة وتشجيع التنافس المحفز على التميز.
وتتقاطع آراء السينمائيين المغاربيين الثلاثة عند التأكيد على ضرورة دور نشط للدولة في توفير بنيات المشاهدة وإنماء الثقافة السينمائية وتطوير الدعم العام للإنتاج، وعلى تعبئة مستمرة لمهنيي السينما من أجل تحصين المكتسبات التي راكمها القطاع فضلا عن توسيع مناخ الحرية لتحرير الطاقات الإبداعية في فن يعد مرآة لتطور المجتمع ومساراته وأعطابه، ويمثل الرهان عليه قاعدة صلبة لإذكاء ثقافة الانتماء المشترك إلى المغرب العربي.