البرشاويات.. زخات شهابية من مخلفات "سويفت تتل"

CORFE CASTLE, UNITED KINGDOM - AUGUST 12: A Perseid Meteor flashes across the night sky above Corfe Castle on August 12, 2016 in Corfe Castle, United Kingdom. The Perseids meteor shower occurs every year when the Earth passes through the cloud of debris left by Comet Swift-Tuttle, and appear to radiate from the constellation Perseus in the north eastern sky. (Photo by Dan Kitwood/Getty Images)
البرشاويات هي زخات شهابية من بقايا حطام ورماد خلفها مذنب "سويفت تتل" (غيتي)

البرشاويات هي عبارة عن زخات كثيفة من الشهب التي تتقاطع مع مدار الأرض ابتداء من منتصف يوليو/تموز وحتى أواخر أغسطس/آب بسرعة تصل إلى ستين كيلومترا في الثانية (أو 220 ألف كم/ساعة) وهي سرعة عظيمة تفوق سرعة دوران الأرض حول الشمس مرتين.

إنها في الواقع مجرد حبيبات تراب ضئيلة كانت تسبح في السماء فكنستها الأرض بجاذبيتها أو بسبب التقائهما وجها لوجه. ويمكن رؤيتها بالعين المجردة، ويشترط لذلك أمران، سماء صافية معتمة بعيدة عن التلوث الضوئي الذي تسببه أنوار المدن، واستمرارية النظر إلى السماء، ذلك لأن الشهاب لا يعطي إشارة حين يدخل لا باتجاهه ولا بتوقيته، كما أنه لا يمكث لامعا سوى جزء من الثانية فقط، فمن كان بصره في السماء رآه وإلا فقد فاته الشهاب وعليه أن ينتظر مرور آخر.

التسمية
جرت العادة على تسمية زخات الشهب حسب الكوكبة النجمية القريبة منها، وتبعا لذلك سميت شهب البرشاويات بهذا الاسم نظرا لجهة ظهورها، حيث تظهر من جهة كوكبة نجوم "حامل رأس الغول"، وهو ما جعل البعض يطلق عليها اسم "الغوليات"، ولكن "البرشاويات" هو الاسم الأشهر والأكثر تداولا، نسبة إلى كوكبة برشاوس، وهي صورة إغريقية تجسد الرجل الذي يحمل رأس الغول.

وتعد البرشاويات أشهر الزخات الشهابية الدورية، كونها تنشط في فصل الصيف بالنسبة لسكان النصف الشمالي من الكرة الأرضية، ولكونها زخة شمالية بامتياز، إذ لا يراها سكان النصف الجنوبي من الأرض.

والشهب هي تلك الخيوط الضوئية التي تتركها الحبيبات الترابية السابحة في الفضاء والمتخلفة عن ذيل المذنب بعد رحيله، وذلك حين تدخل الغلاف الجوي للأرض فتحترق. علميا تقوم بتأيين ذرات الأكسجين والنيتروجين وتتسبب في توهجهما.

تشكلها وفترة نشاطها
لم تدخل هذه الشهب الغلاف الجوي صدفة، بل هي بقايا حطام ورماد خلفها مذنب "سويفت تتل" الذي يدور حول الشمس مرة كل 133 عاما، وكان آخر زيارة له عام 1992، حيث خلف وراءه آلاف الأطنان من المادة الغبارية والترابية التي شكلت خلفه ذيلا طويلا امتد ملايين الكيلومترات، ثم تركه وابتعد إلى ما وراء مدار كوكب نبتون.

هذه المخلفات الترابية على قلة كثافتها فإنها تنتشر سابحة في الفضاء ليشكل التقاؤها مع الأرض ما يعرف بزخة شهب البرشاويات.

وكلما اقتربت الأرض من مركز المدار الذي سلكه المذنب وخلف فيه أكبر كمية من الفضلات، فإن عدد الشهب التي تدخل الغلاف الجوي يرتفع شيئا فشيئا إلى أن تعبر الأرض منطقة الإشعاع فتحدث ذروة الزخة الشهابية ولبضع ساعات فقط، وتزداد أعداد الشهب المرئية إلى نحو ثمانين شهابا في الساعة الواحدة.

وبالعادة، فإن الراصد المتيقظ الذي يرصد هذه الشهب في ليلة برية صحراوية صافية يغيب فيها القمر الذي تؤثر إضاءته على عتمة السماء وكذلك الغيوم التي تعيق الرؤية، فإنه سيرى سبعين شهابا في الساعة الواحدة.

تأثيراتها على الأرض
ولأن الشهب تحترق بدخولها أعالي طبقات الغلاف الجوي على ارتفاعات بين 70 و110 كيلومترات، فإنه لا يصل إلى الأرض منها سوى رماد لا ندركه، ولكن ثمة شهب كبيرة نسبيا يبلغ حجمها حجم حبة الحمص أو يزيد إذا دخلت الغلاف الجوي واحترقت فيه أشعلت خلفها لهيبا ساطعا له ألوان تعكس العناصر المكونة لهذا الشهاب، وهذه هي الكرات النارية، وسجل هواة الفلك في العالم كرات نارية سطعت في السماء كالبرق فألقت للأشياء على الأرض ظلالا.

ويكون أثر الكرات النارية واضحا في شدة سطوعها أو ألوانها وربما تشظيها في طريق دخولها الغلاف الجوي، لكنها تظل تصنف ضمن فئة الشهب لأنها تتلاشى في الغلاف الجوي.

أما لو وصل منها شيء وارتطم بالأرض، فإنه حينها يسمى نيزكا. والنيزك ربما يكون حجرا أو قطعة معدن أو خليطا منهما، وربما يكون صغيرا أو بحجم صخرة، وربما كان بحجم جبل أيضا.

وبالطبع فإن الأثر الذي سيخلفه ذلك النيزك سيكون تبعا لحجمه، فالفوهات النيزكية المشهورة على سطح الأرض كفوهة أريزونا بالصحراء الأميركية وفوهة يوتوكان في أميركا اللاتينية وفوهة الوبر في الربع الخالي وفوهة وقف الصوان في صحراء الأردن وغيرها، كلها ارتطمت نيازكها بسطح الأرض قبل ملايين أو عشرات الملايين من السنين، عدا فوهة الوبر التي لا يزيد عمرها على 350 عاما ولا يزيد قطرها عن 11 مترا فقط مقارنة بفوهة أريزونا مثلا التي قطرها 1200 متر.

وللنيازك أحجام مختلفة، فمنها الحصى والحجارة والصخور والجلاميد الكبيرة، وهي الشكل الوحيد من الكسف السماوية التي تشكل خطرا حقيقيا على حياة الإنسان لو كانت تتساقط مثل الشهب، لكنها ليست كذلك إلا في حالات نادرة سجلت في التاريخ، ومن بين أهم هذه التسجيلات التاريخية ما ورد في القرآن الكريم من عذاب قوم لوط الذين سقطت عليهم حجارة من سجيل التي هي نيازك مشتعلة.

كما سجل عام 2013 سقوط نيزك في روسيا، الذي لم يصب أحدا بأذى مباشر، بل صنع حفرة في مستنقع جليدي بقطر عشرين مترا. وفي سيبيريا عام 1908 سقط نيزك ضخم فوق غابات طويلة الأشجار، لكنه انفجر قبل أن يبلغ سطح الأرض، مما أدى إلى رصف الأشجار كالعيدان الملقاة على الأرض، ولم تسجل أي إصابات كذلك آنذاك.

وليست البرشاويات الزخة الشهابية الوحيدة، بل إن ثمة زخات شهابية دورية أخرى شهيرة يرصدها هواة الفلك، ويكتبون في شهبها تقارير علمية يرفعونها إلى منظمة الشهب الدولية وإلى الجمعيات الشهابية المتخصصة في حساب مدارات المذنبات، ومنها زخة شهب الدلويات في الخامس من مايو/أيار، والأسديات في 17 نوفمبر/تشرين الثاني، والتوأميات في 14 ديسمبر/كانون الأول، وزخات أخرى كثيرة.

المصدر : الجزيرة