لومبارديا وفينتو الإيطاليان.. على خطى الانفصال

صورة لـمنطقتا لومبارديا والبندقية الإيطاليتان
تمثل منطقتا لومبارديّا (يمين) وفينتو (يسار) الرئة التي يتنفس بها الاقتصاد الإيطالي (غيتي)
إقليمان إيطاليان يقعان في الشمال والشمال الشرقي من البلاد، ويمثلان الرئة التي يتنفس بها الاقتصاد الإيطالي. نظما في أكتوبر/تشرين الأول 2017 استفتاء للمطالبة بمزيد من الحكم الذاتي والصلاحيات، وذلك بعد أيام فقط من الاستفتاء على الانفصال الذي نظم في إقليم كتالونيا الإسباني.

إقليم لومبارِديا: يقع في شمال البلاد، وهو من أكبر وأهم الأقاليم الإيطالية، وتبلغ مساحته 23,861 كيلومترا، ويقطنه نحو عشرة ملايين ساكن، مما يعني أنه من أكثر الأقاليم الإيطالية كثافة بالسكان وغنى بالموارد والثروات؛ وتمثل عاصمته "ميلانو" مركزا ماليا وصناعيا بارزا في إيطاليا، وربما في أنحاء أوروبا.

إقليم فينتو: من أهم الأقاليم الإيطالية العشرين، يقطنه نحو خمسة ملايين نسمة، وتبلغ مساحته أكثر من 18 ألف كيلومتر مربع، وتُعدّ عاصمته البندقية (فينيسيا) مدينة ذات إرث حضاري وتاريخي عريق ممتد لأكثر من ألف عام. وتحولت مكانة الإقليم الاقتصادية والثقافية والتاريخية إلى ورقة ضغط بيد الداعين إلى انفصاله أو توسيع حكمه الذاتي، حيث يعدون باسترجاع حضارة جمهورية البندقية التي امتدت من أوائل القرن السابع حتى أواخر القرن الثامن عشر.

وقد ظهرت رغبة فينتو في الاستقلال عن روما خلال عام 2014، عندما نظم الإقليم استفتاء لم يُعتَرف به رسميا، صوت فيه مليون من سكان المنطقة بـ"نعم" لصالح الانفصال عن باقي الأراضي الإيطالية التي تم توحيدها قبل أكثر من 150 عاما، لكنها لا تزال تنقسم إلى جزأين هما: المناطق الشمالية والتي تعد من بين أغنى المناطق في أوروبا، والمناطق الجنوبية الأقل ازدهارا.

ويرى الكثير من أهالي شمال إيطاليا أن الثقل الصناعي لوطنهم يقع في شماله، ولذلك يعتقدون أنهم يدفعون الضرائب للحكومة المركزية في روما أكثر من تمتعهم بخدماتها. وبعبارة أخرى يرون أن الشمال الإيطالي أصبح مصدرا أو معطيا أكثر من كونه مستوردا أو مستفيدا، وقد أدت مثل هذه الأحوال إلى ظهور بعض الأصوات الداعية للاستقلال وإيجاد دولة جديدة في شمال إيطاليا.

الاستفتاء
ينظم هذا الاستفتاء التشاوري بمبادرة من رئيسي منطقتي "لومبارديا" روبرتو ماروني، و"فينتو" لوكا تسايا، العضوين في رابطة الشمال اليمينية المتطرفة.

وبحسب صحيفة "لاريبوبليكا" الإيطالية، يجري الاستفتاء في شمال إيطاليا في إطار دستوري وقانوني، ذلك لأن الدستور الإيطالي يمنح الجهات الإيطالية حرية المطالبة بحكم ذاتي، وإدارة محلية أكثر تحررا من الإدارة المركزية المباشرة.

وقال أستاذ القانون الدستوري في جامعة لويس بإيطاليا يكولا لوبو -لوكالة فرانس برس- إن عمليتي التصويت في المنطقتين تجريان في إطار الدستور الذي ينص على إمكانية أن يمنح البرلمان هذه الأشكال من الحكم الذاتي للمناطق التي تتقدم بطلب للحصول عليها.

وتطالب المنطقتان روما بمزيد من الصلاحيات على صعيد البنى التحتية والصحة والتربية، وبسلطات محصورة بالدولة أيضا على صعيدي الأمن والهجرة، وهما موضوعان بالغا الأهمية في نظر رابطة الشمال، لكنهما يتطلبان تعديلا للدستور.

وقد حددت حكومة إقليم لومبارديا برئاسة روبرتو ماروني 23 قطاعا تريد السيطرة عليها، بما في ذلك تلك المتعلقة بالأمن والهجرة والتعليم والبحث العلمي وحماية البيئة.

وتطمح المنطقتان أيضا إلى الحصول على مزيد من الموارد، من خلال استعادة حوالي نصف رصيد الضرائب الراهن (الفارق بين ما يدفعه السكان من ضرائب ورسوم وما يتلقونه من نفقات عامة). وقد بلغ هذا الرصيد 45 مليار يورو للومبارديا، و15.5 مليار يورو لفينتو، في مقابل ثمانية مليارات لإقليم كتالونيا الإسباني.

ويعد فينتو (خمسة ملايين نسمة) ولومبارديا (عشرة ملايين نسمة) من أغنى الأقاليم في إيطاليا، إذ يسهمان وحدهما بـ30% من إجمالي الناتج المحلي.

ويكلف دين الإقليمين الدولة الإيطالية 73 يوروا للفرد الواحد في لومبارديا و219 يوروا في فينتو، في مقابل 407 يوروات للمتوسط الوطني. والأمر نفسه ينطبق على كلفة المواطن التي تتحملها الدولة، إذ تبلغ 2447 يوروا في لومبارديا، و2853 في فينتو، في مقابل 3658 في المتوسط.

لذلك يؤكد ماروني (رئيس حكومة إقليم لومبارديا) وتسايا (رئيس إقليم فينتو) على ضرورة مكافأة منطقتيهما "الفاضلتين".

وقال لوبو -أستاذ القانون الدستوري- إن الاستفتاء يجرى في إطار من "الانقسام بين الشمال والجنوب، مع فكرة أن روما هي مكان الحكم الفاسد والمركزي".

وأضاف أن لومبارديا وفينتو "متاخمتان أيضا لمناطق تتمتع أصلا بوضع خاص وبمزيد من الاستقلال المالي، مثل ترينتينو ألتو أديجي".

ويحظى الاستفتاء -الذي تدافع عنه رابطة الشمال- بدعم حزب "إلى الأمام إيطاليا" بزعامة سيلفيو برلوسكوني (يمين وسط)، وحركة الخمس نجوم (شعبوية)، وهيئات أرباب العمل والنقابات.

ودعت أحزاب يسارية -مثل الحزب الشيوعي- إلى الامتناع عن التصويت، منتقدة "تبذير المال العام" و"الاستفتاء المهزلة". ولم يصدر الحزب الديمقراطي الحاكم (يسار الوسط) تعليمات لناخبيه، لكن عددا كبيرا من مسؤوليه -ولا سيما رئيس بلدية ميلانو- صرحوا بأنهم سيصوتون بـ"نعم".

ودأب ماروني على القول إن الاستفتاء يجري "في إطار الوحدة الوطنية"، ويهدف إلى "إصلاح العلاقات بين الحكومة المركزية والحكومات المناطقية"، مع حلم "أوروبا المناطق".

وعرفت رابطة الشمال بتوجهاتها الاستقلالية خصوصا في الفترة من 1996 إلى 2000، ثم تحولت لاحقا إلى التركيز على معاداة اعتماد اليورو والهجرة، على غرار الجبهة الوطنية الفرنسية.

وفي 23 أكتوبر/تشرين الأول 2017، صوت إقليما لومبارديا وفينتو بأغلبية ساحقة لصالح مزيد من الحكم الذاتي، في استفتاءين غير ملزمين لروما.

ففي فينتو صوت 98% من الناخبين لصالح المزيد من الحكم الذاتي، وقُدرت مشاركة الناخبين بحوالي 59%. أما في لومبارديا -حيث لا يلزم النصاب القانوني- فقد بلغت نسبة المشاركة حوالي 40%، وقال زعيم الإقليم إن ما يقدر بـ95% صوتوا بـ"نعم".

المصدر : وكالات