شعار قسم مدونات

كيف نفسر الركود الطلابي في جامعاتنا؟

لقطات متنوعة من الوقفة الاحتجاجية للطلاب أمام جامعة السوربون في العاصمة الفرنسية باريس، الإثنين 29 أبريل.
وقفة احتجاجية للطلاب أمام جامعة السوربون في العاصمة الفرنسية باريس لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة (الجزيرة)

يكثر الحديث هذه الأيام عن موجة الاحتجاجات الطلابية التي تتواصل منذ أيام في عشرات الجامعات والمعاهد الأميركية والأوروبية، للمطالبة بوقف حرب الإبادة الجماعية التي تشنها الحكومة الصهيونية على قطاع غزة، ورغم التهديدات والاعتقالات مازالت تلك الاحتجاجات مستمرة، بل إنها تتوسع وتنتقل من جامعة إلى أخرى، مذكرة الطلاب قبل غيرهم بأن عليهم النضال للحفاظ على حرية تعبيرهم، وأن عليهم مواجهة حقيقة حكوماتهم التي تكيل بمكاييل متعددة، وأن نشاطهم المدني ليس فقط موجة عابرة من التعاطف مع مظلومين، بل هو ضرورة لازمة لكبح جماح التردي القيمي والحقوقي الذي تتعرض له بلادهم.

وفي الجانب الآخر هناك من يسأل أين الحراك الطلابي الإسلامي والعربي؟ وهل الطلاب الغربيون أكثر جرأة وشجاعة ووعي من طلابنا؟ لماذا لا نرى مثل هذا العمل المنظم بينهم؟

الطلاب في الجامعات الأميركية والأوروبية ليسوا أكثر جرأة ووعيا من طلابنا في البلاد العربية والإسلامية، والدليل على ذلك ما أثبتته ثورات الربيع العربي، فعندما اندلعت هذه الثورات قبل سنوات كان الطلاب رأس الحربة في الاحتجاجات

ليسوا أكثر جرأة

يذكر تدني وضع الحريات وغياب احترام أساليب التعبير وعدم احترام الحق في التظاهر والاعتصام في معظم الدول الإسلامية مقارنة بمثيلتها في دول الشمال الأوربي وفي أميركا وكندا بأحد الأسباب الكامنة وراء "الركود الطلابي" العربي والإسلامي، لكنه لن يكون كافيا لتفسيره، فالتخوف من الاعتقال أو الضرب أو غيره من أساليب التنكيل المعروفة في كثير من البلاد العربية والإسلامية ليس هو السبب لهذا الركود برأيي، إذ إن الطلاب في الجامعات الأميركية والأوروبية ليسوا أكثر جرأة ووعيا من طلابنا في البلاد العربية والإسلامية، والدليل على ذلك ما أثبتته ثورات الربيع العربي، فعندما اندلعت هذه الثورات قبل سنوات كان الطلاب رأس الحربة في الاحتجاجات والاعتصامات المطالبة بالتغيير، رغم الاعتقال والتنكيل والقتل الذي جابهوه، كما حصل في سورية مثلا، وخاصة في جامعتي حلب ودمشق.

ولو عدنا للتاريخ أكثر، عندما كانت كثير من البلاد العربية والإسلامية محتلة من قبل الاستعمار الغربي، كان طلاب الجامعات ومعهم طلاب الثانويات هم من يقودون المظاهرات والصدامات التي كانت تجري مع المحتلين، الذين لم يكونوا يتورعون عن استخدام أساليب البطش والقمع والتعذيب التي ورثها عنهم حكام تلك البلاد فيما بعد. فلماذا هذا الركود اليوم إذا؟

لا يوجد مؤسسات طلابية حرة قادرة على التحرك، شأنها شأن منظمات المجتمع المدني أو النقابات، التي لا تتمتع بالحرية القادرة على التعبير، فضلا عن قدرتها على قيادة حراك طلابي أو مجتمعي يستطيع التعبير عن مطالبه بحرية ومسؤولية

ركود له أسبابه

من أهم الأسباب التي تحفز النشاط الطلابي الذي يقوم به الطلبة لإحداث تغيير ايجابي في المجتمع، سواء كان يتعلق بالتعليم أم بالمناهج الدراسية أم بالإنفاق على التعليم، وصولا للسياسة، أو الاقتصاد، أو المجتمع أو البيئة أو غيرها من المجالات، ووجود مرجعية تنظيمية تجميعية ترعى الطلاب وتوجههم وتنظم نشاطاتهم وتحركاتهم.

هذه المرجعية قد تكون جمعية أو اتحادا طلابيا، أو غيره من الأشكال التنظيمية التي تكون قادرة على الوصول للأهداف التي يسعى الطلبة لتحقيقها من نشاطاتهم، وتحوز ثقتهم ليكون لها تأثير عليهم، ويكون عندها القدرة على توجيههم. ففي الولايات المتحدة مثلا هناك منظمات وجمعيات طلابية كثيرة تقود نشاطات الطلبة كان بعضها قد تأسس قبل نحو مائة عام أو أكثر.

وكذلك الأمر بالنسبة لأوروبا وكندا، والنشاط الطلابي هناك أصبح راسخا، ولا يمكن تجاهله أو تطويقه، كما يحدث في كثير من بلادنا العربية والإسلامية، التي تكون فيها اتحادات الطلبة غالبا مراقبة ومقيدة، ولا تستطيع التعبير عن مطالب الطلاب، وبالتالي لا تحوز على ثقتهم ولا تستطيع توجيههم، ولعل هذا من أهم أسباب الركود الذي نراه اليوم في كثير من الجامعات العربية والإسلامية.

فلا يوجد مؤسسات طلابية حرة قادرة على التحرك، شأنها شأن منظمات المجتمع المدني أو النقابات، التي لا تتمتع بالحرية القادرة على التعبير، فضلا عن قدرتها على قيادة حراك طلابي أو مجتمعي يستطيع التعبير عن مطالبه بحرية ومسؤولية. عدا عن أن كثيرا من الحكومات في البلاد العربية والإسلامية ترفض الانتخاب الحر، وتتدخل في تحديد من سيمثل الطلاب، ومن سيتحدث باسمهم، وتتدخل في تحديد برامجهم ونشاطاتهم.

بل إن بعض المنظمات والاتحادات الطلابية جيرتها بعض الحكومات لخدمة مصالحها، وللترويج لها، حتى تحولت لواجهة خاوية لا روح فيها. ومع غياب النصوص القانونية التي تنظم العمل الطلابي وتفتح الآفاق أمامه للعمل المؤثّر، وتضمن في الوقت نفسه الحصانة النقابية للطلبة الذين يتصدون للعمل في الشأن العام، بات من العبث الحديث عن نشاط طلابي فاعل في جامعاتنا، مما أدى لتمييع العمل الطلابي، وأوجد أجساما طلابية اسمية بدون فعل حقيقي.

جانب آخر، قد يكون مفيدا في تفسير الركود الطلابي في جامعاتنا العربية والإسلامية، وهو غياب ثقافة الاعتراف بالآخر، أو غياب ثقافة التعامل مع التنوع والاختلاف، فالمجتمع الطلابي عادة هو مجتمع متنوع وفيه اختلافات كثيرة ومذاهب فكرية عديدة، فالجامعة عادة تكون محضن الأفكار، والشباب واندفاعهم يجعل من بعض طرق التعبير عن هذه الأفكار محل خلاف وتصادم وتشرذم إن لم يكن هناك مناخ يرسخ الحق بالتعبير، ويؤصل أساليبه ويصونها، وفي كثير من الجامعات العربية والإسلامية يغيب الإيمان بالتعددية، وينزوي الاعتراف بالاختلاف، ونجد السلطات، سواء التابعة للحكومة أو سلطات الجامعة نفسها، التي لا تعترف بالتنوع، لا تعمل على إدارة الاختلافات، ولا تؤمن مقتضيات التعددية، ولا ترسخها  في المجتمع الطلابي، الذي يتحول عادة إلى نموذج للقمع وإسكات الأصوات الداعية لحرية التعبير، رغم أنه من المفترض أن يكون حامل لواء التداول وحرية الفكر والرأي.

الشباب هم مادة النضال، وهم درع الأمة، وبناة مستقبلها، فإذا كانوا منظمين وقادرين على التعبير عن أنفسهم، فإنهم سيكونون قادرين على الكفاح من أجل القضايا العادلة أينما كانت، وإلا فإنهم سيصمتون، لكن بالتأكيد ليس للأبد

تاريخ يحتاج وصلا بالحاضر

في تاريخ بعض البلاد العربية والإسلامية كان التنظيم الطلابي له أثره الكبير في تحفيز النشاط الطلابي وتأطيره وتوجيهه لما فيه خير المجتمع والأمة، ومن الأمثلة على ذلك جمعية الشبان المسلمين التي أسسها مجموعة من الطلبة ردا على موجة الإلحاد التي كانت تهدد البلاد العربية والإسلامية عامة ومصر خاصة، بعد انهيار السلطنة العثمانية وشيوع الأفكار التغريبية.

وقد أعلن في الصحف عن تأسيس الجمعية عقب انتخاب مجلس إدارتها في غرّة جمادى الآخرة 1346هـ/ 25 نوفمبر 1927م. وكان معظم المنتسبين إليها من طلبة الجامعة المصرية في كلياتها المختلفة، ثم صار للجمعية فروع منتشرة في كثير من البلاد العربية والإسلامية، منها فرعها في فلسطين الذي أنشئ عام 1928م والذي لعب دورا مهما في الحركة الوطنية الفلسطينية.

وقد نمت الجمعية نموا سريعا، وأنشأت فروعا في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وزاد أعضاؤها على المليون، وكان لها نشاطات وتطلعات كبيرة سجلتها كتب التاريخ.

وفي ثلاثينيات القرن الماضي، وتحديدا عام 1934، عندما كانت الجزائر محتلة من قبل الفرنسيين، تأسست جمعية الطلبة الجزائريين الدارسين في جامعة الزيتونة بتونس، والتي عرفت بـ "جمعية الطلبة الزيتونيين الجزائريين"، وقد نشطت بتمرين الطلاب وإعدادهم ليكونوا الساعين إلى مقاومة الاستعمار الفرنسي، ومقاومة تخريبه، وايقاظ الأمة من غفوتها، والمكافحين للضلالات المنتشرة بين الناس، والباعثين للنهضة المرجوة، والمذكرين بتاريخ الأمة وهويتها.

وأخيرا، فإن الشباب هم مادة النضال، وهم درع الأمة، وبناة مستقبلها، فإذا كانوا منظمين وقادرين على التعبير عن أنفسهم، فإنهم سيكونون قادرين على الكفاح من أجل القضايا العادلة أينما كانت، وإلا فإنهم سيصمتون، لكن بالتأكيد ليس للأبد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.