شعار قسم مدونات

هل نحن على أعتاب حرب عالمية أم أننا نعيشها بالفعل؟

إيران تمتلك صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس حربية بوزن نصف طن ويمكنها الوصول لإسرائيل (أسوشيتد برس)

ما كان بالأمس مجرد تكهنات لخبراء سياسيين أصبح اليوم مخاوف واقعية يتداولها العوام يوميا في مجالسهم الخاصة والعامة. كل المعطيات التي تمهد الطريق لنشوب حرب عالمية ثالثة أصبحت متوفرة بشكل لا تخطئه عين مبصرة. لكن السيناريوهات متعددة، ولا زالت نقطة البداية الفعلية لهذه الحرب تقع خلف ستار التكهنات.

هل يكون سقوط أوكرانيا عسكريا أمام الروس هو الشرارة التي ستشعل فتيل الحرب الشاملة؟ أم أن المواجهات العسكرية المباشرة بين إسرائيل وإيران هي ما كان ينتظره هذا التوتر والاحتشاد السياسي الدولي لينقل الصراع من مرحلة الغليان إلى مرحلة الانفجار؟ أم أنه لا هذا ولا ذاك، بل إن أزمة اجتياح غزة وتداعياتها كانت بالفعل هي البداية الحقيقية  ونحن لم نشعر؟

منذ مدة ليست ببعيدة، وجه الرجل الذي طالب الغرب بتدمير روسيا، أوليكسي دانيلوف، سكرتير مجلس الأمن القومي والدفاع في أوكرانيا، تحذيرا صارخا في منتدى كييف الأمني، مشيرا إلى أن "الحرب العالمية الثالثة قد بدأت بالفعل". هذا التصريح له وزنه في ميزان المنطق السياسي، خاصة إذا ما نظرنا إلى الصراع المستمر منذ 24 فبراير 2022 بين روسيا وأوكرانيا.

في الآونة الأخيرة، تجد روسيا وأوكرانيا نفسيهما عالقتان في صراع طويل الأمد أشبه ما يكون بحرب الخنادق في الحرب العالمية الأولى.

في البداية، توقع الكثير من الخبراء تحقيق نصر سريع لروسيا في هجوم من طراز الحرب الخاطفة ضد أوكرانيا. ومع ذلك، ثبت أن هذه التوقعات لم تكن دقيقة. فقد واجه الجيش الروسي تحديات كبيرة، على غرار ضعف الاستعداد العسكري على مستوى أفراد الجيش، وقلة فاعلية المعدات والتقنية الحربية على عكس ما كان متوقعا. بالإضافة إلى تدني الروح المعنوية والرغبة في القتال لدى الجنود الروس.

ومع تقدم الصراع حتى أواخر ربيع عام 2022، تغيرت التوقعات، حيث رأى البعض أن روسيا سوف تنهار أو تستسلم تحت وقع العقوبات الغربية. وفشل هذا الرهان أيضا، مع أن دروس التاريخ في الأصل تشير إلى أن العقوبات وحدها قد لا تكون كافية لتغيير مسارات الأنظمة. وقد تجلى ذلك تاريخيا في صمود دول مثل كوريا الشمالية وإيران وكوبا تحت العقوبات الصارمة اقتصاديا وسياسيا، فما بالك بروسيا التي تفوق تلك الدول مجتمعة قوة اقتصادية وعتادا عسكريا وحنكة سياسية.

وفي الآونة الأخيرة، تجد روسيا وأوكرانيا نفسيهما عالقتان في صراع طويل الأمد أشبه ما يكون بحرب الخنادق في الحرب العالمية الأولى. ولا يبدو أن أيا من الجانبين قادر على هزيمة الآخر عسكرياً بشكل حاسم، على الرغم من تقدم الروس ميدانيا، وبداية تخلي الغرب عن فكرة دعم أوكرانيا اللا محدود بالمال والسلاح. ومع كل ذلك، لا يستطيع أيا من الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين ولا الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن يتراجع من دون مواجهة أزمة كبيرة في الداخل قد تطيح برأسه.

تفاقم المواجهات بين إيران وإسرائيل عقب استهداف هذه الأخيرة قنصلية إيران في سوريا وقتل ستة من كبار قادتها العسكرين، قد يعجل من اشتباك المحورين الشرقي والغربي

وفي حين أن الطريق إلى الحرب العالمية الثالثة قد تبدو غير واضحة الملامح، إلا أن بعض السيناريوهات من شأنها أن تؤدي إلى تصعيد الصراع بشكل شامل.

على سبيل المثال، قد يؤدي انهيار الخطوط الأمامية الروسية أو الهزيمة المفاجئة لأوكرانيا، إلى اتخاذ إجراءات جذرية، بما في ذلك تدخل مباشر من دول أخرى -مثل بيلاروسيا- في الحرب، أو حتى  نشر واستخدام الأسلحة النووية بشكل محدود. بالإضافة إلى ذلك، فإن الحوادث غير المقصودة، مثل إسقاط طائرة تابعة لحلف شمال الأطلسي أو الضربات الصاروخية العرضية التي قد تسقط على أراضي بولاندا، يمكن أن تؤدي إلى انزلاق الناتو إلى الصراع.

وعلى الجانب الآخر، تفاقم المواجهات بين إيران وإسرائيل عقب استهداف هذه الأخيرة قنصلية إيران في سوريا وقتل ستة من كبار قادتها العسكرين، قد يعجل من اشتباك المحورين الشرقي والغربي. خصوصا بعد تحول المواجهات من "حروب الوكالة والظل"، إلى "الردع المباشر" واستهداف المواقع على أراضي البلدين.

إيران أظهرت بشكل علني تحولها عسكريا من سياسة "الصبر الاستراتيجي" إلى سياسة "الردع المباشر"، بعد شن هجومها الأول تاريخيا على إسرائيل فجر الأحد 13 ابريل 2024 بأكثر من 350 صاروخا ومسيرة انتحارية، والتي وإن لم تخلف خسائر عسكرية أو مدنية تذكر، إلا أنها سجلت نقطة سياسية مهمة تحسب لإيران، قد تغير من معادلة الصراع السياسي في المنطقة.

في حال استمرار سلسلة الهجوم والرد، والرد على الرد بين الدولتين، سيحتم ذلك -لا محال- على الولايات المتحدة أن تنخرط بشكل مباشر في العمليات لحماية إسرائيل، وحماية مصالحها في المنطقة. وفي المقابل ستضطر روسيا إلى أن تقف إلى جانب حليفتها إيران، وهذه عقيدة استراتيجية سياسية تفخر روسيا بوتن بالالتزام بها منذ بداية سيطرت الرجل على المشهد السياسي في موسكو.

هناك سيناريوهات أخرى محتملة لخفض التوتر القائم؛ تقع كلها في ملعب الولايات المتحدة إما عن طريق تدارك الإدارة الحالية للوضع الكارثي الذي يقبل عليه العالم، والتحرك باتجاه فرض وقف إطلاق النار في غزة، ومنع إدارة نتنياهو من مواصلة مغامراتها المتطرفة سياسيا وعسكريا في المنطقة

إن تورط دول أخرى، سواء بشكل مباشر أو من خلال مقاتلين بالوكالة، سيزيد من تعقيد الأوضاع على كل الأصعدة. وفي حين أن بعض الدول، مثل بيلاروسيا وكوريا الشمالية وإيران وربما بعض الدول اللاتينية، من المرجح أن تصطف إلى جانب محور روسيا ضد الغرب، إلا أن دولا أخرى يمكن أن تنجذب أيضا إلى دائرة الصراع بسبب اعتبارات جيوسياسية، أو حماية لمصالحها، مثل كوريا الجنوبية وبعض دول الخليج وتركيا.

أما موقف الصين، وهو الموقف الأهم حاليا، رغم حياده ظاهريا، قد يتغير إذاما أدركت بيجين وجود فرصة لتعزيز مصالحها الخاصة، واكتساب النفوذ في نزاعاتها مع واشنطن بشأن تايوان.

ولحسن الحظ، هناك سيناريوهات أخرى محتملة لخفض التوتر القائم؛ تقع كلها في ملعب الولايات المتحدة إما عن طريق تدارك الإدارة الحالية للوضع الكارثي الذي يقبل عليه العالم، والتحرك باتجاه فرض وقف إطلاق النار في غزة، ومنع إدارة نتنياهو من مواصلة مغامراتها المتطرفة سياسيا وعسكريا في المنطقة، ومن جهة أخرى فتح قنوات للحوار المباشر مع الكريملن وقبول تنازل أوكرانيا عن القرم وإقليم الدونباس وتنحي زلنسكي مقابل وقف تمدد الروس نحو كييف.

أو أن يحبس العالم أنفاسه إلى أن تأتي الانتخابات الأمريكية المقبلة بالرئيس السابق دونالد ترامب إلى الرئاسة حيث من المؤكد أن تتغير الديناميكيات الحالية، مما قد يؤدي إلى وقف العمليات العسكرية واللجوء إلى الحلول الدبلوماسية.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.