شعار قسم مدونات

طوفان الأقصى.. هل يدشن محورا تركيا إيرانيا جديدا في المنطقة؟!

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي (وكالات)

رغم إلغاء زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لأنقرة والتي كان من المقرر لها الرابع من يناير/كانون الثاني الجاري للقاء نظيره التركي رجب طيب أردوغان، إلا أن أصداء الأحداث الأمنية التي وقعت منذ أيام في توقيت متزامن في إسطنبول وكرمان-إيران وكانت سبباً في تأجيل الزيارة، أثارت تساؤلات لدى المراقبين عن مستقبل علاقات الدولتين من ناحية ومدى إمكانية إعادة ترتيب المحاور الإقليمية في المنطقة من ناحية اخرى.

فالأحداث الأمنية التي وقعت في الأسبوع الأول من يناير/كانون الثاني الجاري بشكلٍ متتابع في تركيا وإيران قد برهنت على أن الدولتين لديهما تحديات أمنية مشتركة ناشئة عن التشابه في المواقف والدعم المستمر لحركات المقاومة في المنطقة حيث قام الكيان الصهيوني بتنفيذ عملية اغتيال أحد قيادات حركة حماس أثناء تواجده بالضاحية الجنوبية في بيروت معقل حزب الله، وفي نفس الوقت وقعت انفجارات بالقرب من قبر قاسم سليماني بإيران أثناء الاحتفال بذكرى اغتياله. كل ذلك تزامن مع تفكيك الاستخبارات التركية شبكة تجسس تابعة للموساد الإسرائيلي في مدينة إسطنبول.

ساعدت المستجدات التي طرأت على المنطقة في الأشهر الماضية على ترسيخ تلك القناعات لدى القيادة السياسية فى الدولتين مع التفكير في نقل مستوى التنسيق إلى مرحلة أعمق وأعلى من مجرد علاقات حسن الجوار.

محور جديد.. كيف؟

ولا شك أن تسارع الأحداث منذ اندلاع معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول العام المنصرم أدى إلى تعزيز قناعة كل من أنقرة وطهران بضرورة فتح صفحة جديدة في العلاقات بينهما والسعي إلى تقريب وجهات النظر بل وإيجاد نوع من الإختراق لحل الخلافات فيما بينهما.

ولقد ساعدت المستجدات التي طرأت على المنطقة في الأشهر الماضية على ترسيخ تلك القناعات لدى القيادة السياسية فى الدولتين مع التفكير في نقل مستوى التنسيق إلى مرحلة أعمق وأعلى من مجرد علاقات حسن الجوار.

وفي هذا الصدد، أشار تقرير منشور على الموقع الإلكتروني لمعهد الشرق الأوسط بواشنطن صدر في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إلى إمكانية تبلور محور تركي إيراني جديد يتحدى جمود الأمر الواقع بالشرق الأوسط والذي ساد لعقود مستغلاً تطورات الأحداث الراهنة في الإقليم.

ورغم أن التقرير تطرق إلى الملفات الشائكة بين الدولتين وعلى رأسها اختلاف موقفيهما في القوقاز وسوريا، إلا أن الواقع يشير إلى أن هناك محاولات جادة من قبل أنقرة وطهران إلى تجاوز هذه الخلافات.

ففي القوقاز، والتي شهدت إعلان إيران رفضها التدخل العسكري لأذربيجان – بمساعدة تركيا – لتحرير كامل إقليم ناغورني قره باغ ورفضها إعادة فتح ممر زنغزور الذي يربط شرق أذربيجان بغربها، وهو ما تضغط تركيا وأذربيجان من أجل إعادة تشغيله، فقد تقدمت إيران ببعض المقترحات لحل هذا الخلاف وعرضت على تركيا وأذربيجان أن يتم فتح ممر بديل موازٍ يمر بأراضيها بديلاً عن ممر زنغزور.

وأما ما يتعلق بالملف السوري، فإن الخلافات التركية الإيرانية فيه أصبحت أقل تعقيداً في الآونة الأخيرة، فما يعني إيران بصورة رئيسية هو ضمان بقائها في سوريا من خلال الحفاظ على نظام بشار الأسد، ليستمر التواصل الجغرافي بينها وبين حزب الله عبر الأراضي السورية.

أما تركيا فلم يعد من أولوياتها إسقاط نظام الأسد، وما يهمها هو تأمين حدودها الجنوبية مع سوريا والعراق وإنشاء مناطق عازلة خالية من حزب العمال الكردستاني والمنظمات الكردية الأخرى المعادية لها. كما ترغب في تأمين الشمال السوري حتى تتمكن من استخدامه لإعادة توطين اللاجئين السوريين المتواجدين على أراضيها، ومن ثم تخفيف ضغط المعارضة الداخلية وتحقيق مكاسب انتخابية داخلية.

جاءت تصريحات الرئيس التركي في أعقاب طوفان الأقصى وبدء القصف الصهيوني الهمجي على قطاع غزة، واضحة لا تقبل اللبس، فقد أكد أن حركة حماس ليست "إرهابية" وإنما هي حركة تحرر وطني، كما وصف الهجمات الصهيونية على المدنيين بالنازية.

عوامل التقارب

ولعل من أهم العوامل المؤهلة لتقارب تركي إيراني وترميم العلاقات فيما بينهما نحو تشكيل محور جديد، هو الموقف الإيجابي والعلاقات القوية التي تربطهما بحركات المقاومة في الشرق الأوسط بشكلٍ عام وبحركة المقاومة الإسلامية "حماس" على وجه الخصوص.

فلا يخفى على أحد الدعم المالي والعسكري الذي تقدمه إيران لحركة حماس وما يربط بينهما من علاقات أصبحت بحكم الأمر الواقع "تاريخية". أما تركيا، وبالأخص حزب العدالة والتنمية الحاكم، فمنذ وصوله إلى السلطة ارتبط برموز حركة حماس وداعميها من الفلسطينيين والعرب ووفر لهم ملاذاً آمناً على الأراضي التركية وقدم لهم غطاءً سياسياً ودبلوماسياً مستمرا حتى اللحظة.

وقد جاءت تصريحات الرئيس التركي في أعقاب طوفان الأقصى وبدء القصف الصهيوني الهمجي على قطاع غزة، واضحة لا تقبل اللبس، فقد أكد أن حركة حماس ليست "إرهابية" وإنما هي حركة تحرر وطني، كما وصف الهجمات الصهيونية على المدنيين بالنازية.

وبالرغم من أن هذه التصريحات يصفها البعض بأنها لا تعدو كونها عبارات خطابية مستهلكة، إلا أن تداعياتها السلبية على العلاقات التركية الغربية والأميركية على وجه الخصوص، المتوترة أساسا، تكشف أنها تصريحات مسؤولة، وأن صاحبها على استعداد لتحمل النتائج.

محوراً تركياً إيرانياً جديداً يمكنه أن يحقق توازناً بل وقد يطرح نفسه كبديل يملأ الفراغ الإستراتيجي المتصاعد في الشرق الأوسط الناتج أيضاً عن تراجع المحور الذي أرادت الولايات المتحدة أن تكلف دولة الكيان بقيادته بالنيابة عنها لحفظ الاستقرار في المنطقة.

تركيا وإيران.. وطوفان الأقصى

وقد جاء تطور سير المعارك في غزة لتضيف إلى عوامل التقارب التركي الإيراني، خاصة في ضوء الانتصارات التي تحققها المقاومة الفلسطينية بعد التدخل البري الإسرائيلي. تلك الانتصارات التي عرّت أسطورة الجيش الصهيوني الذي لا يقهر، وكشفت مدى الضعف والترهل الذي أصاب منظوماته الأمنية والعسكرية مع تهاوي مزاعمه الأخلاقية.

تدرك تركيا وإيران أنه سيترتب على تلك الهزيمة العسكرية للكيان الصهيوني حتماً نتائج سياسية داخلية وإقليمية أهمها تشظي المحور المضاد الذي تتزعمه حكومة الكيان في المنطقة والذي يضم مجموعة الدول العربية الموقعة والداعمة لاتفاقيات أبراهام، وهو المحور الذي طالما سعت الولايات المتحدة بكل قوتها إلى أن تسوق له وتمكنه من قيادة المنطقة.

لذا، فإن محوراً تركياً إيرانياً جديداً يمكنه أن يحقق توازناً بل وقد يطرح نفسه كبديل يملأ الفراغ الإستراتيجي المتصاعد في الشرق الأوسط الناتج أيضاً عن تراجع المحور الذي أرادت الولايات المتحدة أن تكلف دولة الكيان بقيادته بالنيابة عنها لحفظ الاستقرار في المنطقة.

وقد أشار التقرير المذكور، إلى أن النخب الحاكمة ممثلة في حزب العدالة والتنمية في تركيا والطبقة السياسية الحاكمة في إيران لديها تصور مشترك مؤداه أن الإدارة الأميركية في السنوات الأخيرة صارت تفتقر تماماً إلى العقل الإستراتيجي القادر على استيعاب المتغيرات التي طرأت على الواقع الإقليمي والدولي، وأن الرموز والزعامات السياسية في واشنطن أصبحت منفصلة تماماً بل وعاجزة عن فهم هذا الواقع الجديد في الاقليم والعالم.

وبالفعل، فإن من أهم المتغيرات التي صاحبت معركة طوفان الأقصى، تنامي القلق لدى كل من تركيا وإيران من عودة الولايات المتحدة إلى المنطقة وقيامها بتحريك العديد من قطعها البحرية التقليدية والنووية في شرق المتوسط، وهو ما حدث بالفعل.

وقد نظرت كل من أنقرة وطهران إلى التحرك الأميركي على أنه محاولة غير مفهومة ومتخبطة لإعادة التموضع العسكري في المنطقة بشكل مفاجئ وغير متسق مع الإستراتيجية الجديدة التي كانت قد أعلنتها وزارة الدفاع الأميركية والمتمحورة حول احتواء الصين عالمياً وتقليل الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط.

ولا شك أن الدولتين تدركان أن التركز العسكري الغربى في المنطقة والمصحوب بدعمٍ أميركي غير مشروط للكيان الصهيوني من شأنه أن يؤدي بالضرورة إلى تقويض المساعي لإيجاد حل سياسي لإنهاء الأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة، إضافة إلى ذلك فإنه يمنح الضوء الأخضر لحكومة الكيان للاستمرار في ارتكاب أعمال الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل من جهة ولا يلجم محاولاته لتوسيع جبهات الحرب من جهة أخرى.

وعلى ذلك، فإنه يبدو واضحا حالة التماهي في الدور الذي يراه المحور التركي الإيراني لنفسه والمتسق مع رؤية صناع القرار في الدولتين، فكلاهما يعتقد بأن العديد من التغيرات طرأت على موازين القوى في العالم، وأن النظام الدولي يدير ظهره الآن لمفهوم القطب الأوحد الأميركي المسيطر الذي ساد منذ تسعينيات القرن الماضي، وأصبح بالإمكان في ظل تلك التحولات العالمية تشكيل محور تركي إيراني مؤهل للعب دور أكبر على الأقل في مجاله الإقليمي الحيوي، في ظل  نظام دولي جديد ناشئ متعدد الأقطاب وشرق أوسط يفتقد إلى قوة إقليمية فاعلة وقادرة على ضبط إيقاع حركته بعد أن تآكلت أغلب مكوناته العضوية وأقطابه التقليدية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.