شعار قسم مدونات

طوفان الأقصى.. الهزيمة النفسية من العجز إلى الإنجاز

جانب من المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في جباليا بغزة (الأناضول)

المتأمل في المشهد العربي والإسلامي يقف حائرا بين مشهدين متناقضين، أولهما مشهد ذلك الشعب المحاصر 17 عاما، بيد أنه يملك عزيمة قوية وإرادة صلبة، ومشهد آخر بين شعوب تسرح وتمرح في النعم بيد أنه تسلطت عليها الهزيمة النفسية، فسلبتها العزيمة والإرادة، وسربلتها بالخزي والعار.

يدعو هذان الموقفان المتناقضان إلى التأمل لمعرفة مواطن الخلل كي تستفيق الأمة من ثباتها، وتخرج من غياهب الخنوع والخضوع.

انطلق الشعب من عقيدة نقية راسخة إلى العمل والميدان، حمل السلاح في يديه والإيمان في قلبه، فشعر بهوان الدنيا مقارنة بسمو الآخرة، فابتغي النصر أو الشهادة.

إن العزيمة التي يملكها الشعب الفلسطيني هي عزيمة المؤمن المرابط، الذي آمن حقا وصدقا بوعد الله تعالى [وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون] (النور: 55).

ذلك الشعب الذي أيقن بأن تحقيق النصر يأتي بإعداد ما يستطيع وما يملك واستغلال المتاح تنفيذا لأمر الله تعالى: [وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون] (الأنفال: 60).

انطلق الشعب من عقيدة نقية راسخة إلى العمل والميدان، حمل السلاح في يديه والإيمان في قلبه، فشعر بهوان الدنيا مقارنة بسمو الآخرة، فابتغي النصر أو الشهادة.

هذا، بينما المشهد الآخر مشهد الهزيمة النفسية للشعوب القابعة التي رضيت بالتلقي بدلا من العمل والإنجاز، في هذا المشهد نجد المرء يسرح ويمرح بين وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات وقد ملأه الحزن والغم على ما يشاهد، وبدلا من أن يترجم هذا الحزن والغم إلى غضب حقيقي يكون بمثابة بركان يزلزل أركان المحتل والطغيان، كظم غيظه فأحبط وأحبط، وربما هذا يفسر لنا استعاذة النبي صلى الله عليه وسلم من الهم والحزن مقرونا بالعجز والكسل، فإن الهم والحزن هما النتيجة الحتمية للتكاسل والشعور بالعجز، فقد ورد عنه أنه قال: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل" (رواه البخاري).

إن الأمة لن تنهض من كبوتها إلا بالخروج من الهزيمة النفسية التي لا يمكن التغلب عليها إلا بالعمل والإنجاز والاهتداء بقوله عليه الصلوات والسلام "استعن بالله ولا تعجز"

ومن ثم ينبغي أن يعلم المسلم أنه في مواجهة طوفان الرسائل السلبية التي يتلقاها والمرسلة إليه قصدا أو عرضا مطالب بالعمل على قدر ما يستطيع [لا يكلف الله نفسا إلا وسعها] (البقرة: 286] وأنه مأمور بالجهاد بما يملك ويستطيع سواء أبالمال؟ أم بالنفس؟ أم باللسان؟ وذلك مصداقا لحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم" (رواه أبو داود وغيره) علما بأن الجهاد هو المبالغة واستفراغ ما في الوسع والطاقة من قول أو فعل، [وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم] (الحج: 78).

بالتالي فإن الخنوع والشعور بالعجز ناتج من تجاهل المسئولية الفردية والدور الذي ينبغي أن يقوم به الفرد من استفراغ وسعه وبذل جهده في الميدان الذي يحسنه ويمكن به أن يسهم في النصر، فإن جاهد بماله فإنه ينبغي أن ينفق بأقصى ما يمكن أن ينفق نصرة للمرابطين، وإن جاهد بلسانه وقلمه فينبغي ألا يجف حبره وألا يتوقف مداده في صد الباطل ونشر الحق ورفع الوعي وبث الأمل "فرب مبلغ أوعى من سامع" (رواه البخاري).

وعليه فإن الأمة لن تنهض من كبوتها إلا بالخروج من الهزيمة النفسية التي لا يمكن التغلب عليها إلا بالعمل والإنجاز والاهتداء بقوله عليه الصلوات والسلام "استعن بالله ولا تعجز" (رواه مسلم).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.