شعار قسم مدونات

العناية الربانية بالأنثى وميراثها

الكاتبة: حفظ الله تعالى حق النساء في الميراث بأن لهن نصيبا من تركة الميت (غيتي إيميجز)

رن جرس المنزل حيث كانت امرأة غريبة في ملبسها الذي يكشف الكثير من جسدها وما كان مغطى فقد كان ضيقا يكاد يتمزق ويشتكي من هذا الضيق، ورائحتها المعطرة يكاد كل من في العمارة يشمونها حتى وهم داخل بيوتهم.

سرعان ما فتحت نور باب المنزل حتى رأت هذه المرأة التي قالت لها "أنا من مؤسسة تحرر المرأة، جئت لأحمل لك دعوة حضور لإحدى الندوات التي ستعيد لك حقك ومجدك وجمالك، وستكون هنالك وجبة غداء فاخرة الطعم".

أخذت نور بطاقة الدعوة، ورغم أنها أغلقت الباب بعد ذلك فإن تلك الكلمات فتحت في عقلها الرغبة في تلبية الدعوة، وبالفعل ذهبت حيث المكان الذي توجد فيه العديد من النساء غريبات الملبس واللهجة والكلمات، فأخذت مديرة المؤسسة تردد بصوت يكاد يخرق طبلة الأذن "لقد جاء موعد التحرر وإعادة حقك أيتها المرأة المظلومة، فلا ظلم بعد ذلك، فمالك حقك، وسوف نساعدك في الحصول عليه عبر تطوير ذاتك بحيث تكونين متساوية مع الرجل بكل شيء، خاصة الميراث، كفى صمتا، فكيف يأخذ الرجل ضعف نصيبك من الميراث وأنت الأم والأخت والزوجة والبنت والجدة، أنت ليس نصف المجتمع، بل المجتمع كله".

جاء موعد التحرر وإعادة حقك أيتها المرأة المظلومة، فلا ظلم بعد ذلك، فمالك حقك، وسوف نساعدك في الحصول عليه عبر تطوير ذاتك بحيث تكونين متساوية مع الرجل بكل شيء، خاصة الميراث

والكثير من الكلمات -التي ابتغت من خلالها أن تخرج بها المرأة المسلمة من ثوب الحياء والعفة إلى ثوب ممزق- ذات رائحة كريهة، وبعد مغادرة نور المكان بعد وجبة غداء فاخرة في الطعم وحلوة بالمذاق إلا أنها سامة في الحيلة والمكر والتوابل الحارقة التي جهزت بهتانا وظلما لمحاولة حرف المرأة المسلمة ليس في ثوبها، بل في فكرها، ورغم رحيلها عن المكان فإن كلمات تلك المرأة الغريبة لا زالت ترن في مسامعها "كفى صمتا، فكيف يأخذ الرجل ضعف نصيب المرأة في الميراث؟!".

وأخذت تلك الكلمات الشيطانية تلعب على أوتار عقلها وفكرها، وفي هذه اللحظة كان صوت المذياع يعلو بآيات من سورة النساء بقوله تعالى {يوصيكم الله في أولادكم}، حيث ذكر بعد ذلك تفسيرها بأن الله -سبحانه وتعالى- يأمركم ويعهد إليكم بالعدل في شأن ميراث أولادكم، والأولاد ليست للذكور فقط كما يظن البعض، إنما تعني الذكور والإناث.

كلمة "العدل" أخذت تعيد اليقظة إلى عقلها، فالله -عز وجل- تولى قسمة المواريث بنفسه وفرض الفرائض على ما علمه من الحكمة بشرعه العادل وكتابه المبين، فقسم حيث توجد المصلحة وتتوفر المنفعة، وفي ذلك حماية للورثة من ضياع الحقوق، فلم يترك الأمر للبشر في ذلك، خاصة أن النفس تميل إلى حب المال والرغبة في الحصول عليه.

وفي قوله تعالى {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر ۚ نصيبا مفروضا}، أي أنه كما للرجال نصيب من تركة الميت كذلك للنساء نصيب من التركة سواء كان هذا المال قليلا أو كثيرا، وبذلك الجميع فيه سواء، أي يستوون في أصل الوراثة وإن تفاوتوا في قدرها.

وبهذا، حفظ الله تعالى حق النساء في الميراث بأن لهن نصيبا من تركة الميت، ونسف ظلم الجاهلية التي كانت تحرم النساء والأولاد من الميراث، وكان الرجال الذين يشاركون في القتال هم من لهم الحق فقط في الحصول على هذا المال، وبهذا يضيع حق النساء والأطفال، فجاء الإسلام العظيم ليبطل أفعال الجاهلية في الاستيلاء على حق المرأة والأطفال.

صدح صوت التلاوة لقوله تعالى {يوصيكم الله في أولادكم ۖ للذكر مثل حظ الأنثيين} أي أن نصيب الابن من الميراث مثل نصيب البنتين، وهذه القسمة ترجع إلى قسمة الله -عز وجل- العادلة، فقسم حيث توجد المصلحة وتتوفر المنفعة

اقتربت نور أكثر باهتمام أكبر وهي تسمع الآيات وتفسيرها، وكانت تريد أن تزيل الظلام من عقلها والأفكار الملوثة التي سمعتها من "المرأة الغريبة" وهي تردد "أنت مظلومة، أخذ الرجل حقك بضعف المال"، وقبل أن تسترسل في أفكارها حتى جاء صوت التلاوة لقوله تعالى {يوصيكم الله في أولادكم ۖ للذكر مثل حظ الأنثيين} أي أن نصيب الابن من الميراث مثل نصيب البنتين، وهذه القسمة ترجع إلى قسمة الله -عز وجل- العادلة، فقسم حيث توجد المصلحة وتتوفر المنفعة.

علامات الحيرة لا زالت واضحة على ملامح نور، فهي لم تفهم بعد، فسرعان ما سمعت الشيخ يقول سوف أبسط المسألة إذا مات الأب وترك 3 آلاف دولار وورثه ابنه وابنته فقط في هذه الحالة يكون للابن ألفا دولار وللابنة ألف، الابن هو الذي سوف يتولى الاهتمام بأخته ونفقتها، وحينما يتزوج سيدفع مهرا لعروسه، وغيرها من الأمور المالية التي يقع عليه حق النفقة مثل الإنفاق على الزوجة والأولاد وغير ذلك، وبالتالي سوف ينفق ما معه من مال، أي أكثر من نصيبه كذلك من الميراث.

بينما الابنة التي ورثت أقل من شقيقها فهي محتفظة بألف دولار يتولى شقيقها النفقة عليها، وحينما تتزوج يدفع لها مهرا وستكون نفقتها على زوجها، وهذا من رحمة الله -عز وجل- بالأنثى، فهي محفوظة بالرعاية والنفقة إن كانت ابنه أو أختا أو زوجة أو أما أو جدة، أي في كل مراحل عمرها، وحفظ لها نصيبها من الميراث في كل أحوالها، هذا الأمر سرعان ما جعل نور تبتسم، فقد استنار عقلها بالفهم، حيث أخذت نفسا عميقا أتبعته بزفير للأفكار الملوثة التي حاولت المرأة الغريبة في ملبسها وكلامها أن تزرعها في عقلها.

وليس ذلك فحسب يا نور، فهناك حالات ترث به الأنثى بنفس مقدار ميراث الذكر حيث يقول الله تعالى {وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس ۚ فإن كانوا أكثر من ذٰلك فهم شركاء في الثلث ۚ من بعد وصية يوصىٰ بها أو دين غير مضار ۚ وصية من الله ۗ والله عليم حليم}، وهذا يدل على عناية الله -سبحانه وتعالى- بالمرأة في كل حقوقها، فقد شرع نصيبها من التركة بنفسه حتى لا تظلم ويُأكل حقها بالباطل.

ورحم الله تعالى قارئا دعا لي ولوالدي -رحمهما الله تعالى- بالعفو والمغفرة {والله غالب علىٰ أمره ولٰكن أكثر الناس لا يعلمون} (يوسف:21).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.