شعار قسم مدونات

مساحة على الجدار

Nagwan Lithy - لا تخلو الصحف المطبوعة من مساحة للكلمات المتقاطعة (تواصل اجتماعي)  - بعيداً عن الشطرنج..٥ ألعاب تجعلك حاد الذكاء
الصحافة الورقية بدأت منذ الستينيات تواجه تحديات بسبب المنافسة مع الإعلام الجديد (الجزيرة)

ما هي فرص أن يكتب شاب مثلي في مقتبل حياته المهنية مقالاً يطالعه العشرات حول العالم في صحيفة ورقية مطبوعة، دون أن يصطدم بحائط من التحديات والمعوقات التي تجعل الأمر شبه مستحيل؟ وكيف يمكن لكاتب مبتدئ أن يجد لنفسه مساحة صغيرة في جدار يجاوره فيها كتاب كبار؟

تعتبر الصحف المطبوعة من أقدم أشكال الصحافة، ولكنها تواجه تحديات يمكن أن تهدد وجودها، ومما لا شك فيه أن الجميع يدرك أنها تعاني من أزمة حقيقية في الإنتاج والتوزيع. وبالطبع، أثر ذلك على اقتصاديات الصحف الورقية، وتحولت مع مرور الوقت من منصات ينتظرها الكبار والصغار الثامنة صباحاً ليمر بها بائع الجرائد ويرميها على أبواب المنازل، ليبدأ كلُ من يمسك بها السفر على أرخص خطوط طيران جوية للذهاب معك في رحلة مدتها بضع ساعات لمعرفة ما يدور في العالم.

وقد أصبح كثير من هذه الصحف إلى أداة دعاية في كثير من الأحيان أكثر منها أداة إعلام، لكن ما هي أسباب هذا التحول؟ وهل يمكن في المستقبل أن تنهض وتعود الصحافة الورقية إلى مكانتها مرة أخرى؟

وتمتد هذه الأزمة لعقود طويلة، حيث بدأت الصحافة الورقية منذ الستينيات تواجه تحديات بسبب المنافسة مع الإعلام الجديد حينها: الراديو والتليفزيون، مما أدى في النهاية إلى تراجع أرقام توزيعها. وجاءت شبكة الويب، والتقنيات الرقمية، لكي تكون الضربة القاضية لها، تاركة أسئلة حول أسباب اختفاء الصحافة المطبوعة، والعلاقة التي تربط بينها وبين نظيرتها الرقمية، نظرا للانتشار الواسع في التكنولوجيا الحديثة ووسائل الإعلام.

البطء في التغطية

من أهم أسباب اختفاء الصحافة المطبوعة البطء الشديد لوصول الحدث للمتلقي، حيث إنه في حال توفر خبر عاجل في الثانية ظهرًا، يبدأ هذا الخبر في الدخول بمراحل كثيرة أولها الحصول على معلومات للحدث وعرضها على أحد المشرفين ومن ثَم العثور لها على مكان بالجريدة، ثم البدء في كتابتها بشكل صحفي، ومن ثَم البدء في طباعتها وتوريدها للمخازن للبدء في إرسالها لمنافذ البيع في الثامنة صباح اليوم التالي، مما يؤدي إلى تحول الخبر العاجل إلى خبر أرشيفي.

سهولة التحكم في سياستها التحريرية

هل تعد الصحف الورقية الآن في مجتمعنا العربي منصات للكتابة الحرة دون خطوط حمراء أو سقف للحريات؟ الجواب بكل تأكيد لا، فما زالت السلطة -أي سلطة- وأصحاب النفوذ هي المتحكم الرئيس في الصحافة الورقية. ولكن يبدو من الواقع الذي نعيشه الآن أن أصحاب النفوذ قد فازوا في هذه المعركة، حيث يتم استخدامها في إخضاع الشعوب وحرمانها من المعرفة، لأن المتحكمين فيها يدركون خطورة هذا الأمر على وجودهم من الأساس. وعلى عكس المنوط بها، أصبحت الصحف الورقية أداة في يد أصحاب النفوذ يحركونها كيفما شاؤوا.

المسموع أوسع انتشارًا من المقروء

يميل أغلب الناس حاليا إلى الاستماع أكثر من القراءة، في حالة الصحافة الورقية أو حتى الرقمية، ويظهر ذلك بشكل ملحوظ على نسب مشاهدات المقالات الصحفية أو الاستماع لها، وترك إرهاق العين بالقراءة في الضوء الخافت أو حتى الضوء الساطع، لذلك كان الاستماع للمقالات أو الأخبار في ساعات العمل أفضل طريقة لسهولة وصول المادة للمتلقي، لكنها بالمقابل لديها آثار جانبية، حيث قللت تركيز المتلقي واستيعابه للمادة.

التكلفة الكبيرة

عند الرغبة في إصدار صحيفة مطبوعة يحتاج صاحب الجريدة لتكاليف مالية ضخمة للحصول على تراخيص كثيرة وسجل ضريبي ومقر، والكثير من الموظفين، فضلا عن تذبذب أسعار الأدوات يومًا بعد يوم، بينما في المقابل لا تحتاج الصحافة الرقمية إلا إلى اختيار باقة إنترنت فقط، والبدء بجمع فريق عمل متفرق من أنحاء العالم دون الحاجة لمقر أو الحصول على تراخيص كثيرة.

توفير المساحة للمبتدئين

نقطة أخرى تمثل فجوة كبيرة في الصحافة الورقية هي التحديات الكثيرة التي يجدها الكاتب المبتدئ لوصول قلمه للجمهور، حيث تتكون الجريدة الورقية من أبواب كثيرة مع صفحات محدودة، لذلك من الصعب على الكتاب المبتدئين الحصول على مساحة لهم لإيصال إبداعهم للجمهور. لكن بالمقابل هذه المشكلة في الصحافة الرقمية لا وجود لها، حيث توجد منصات مجانية للجميع لكتابة ما يريده كل مبدع، دون البحث عن "واسطة" أو دفع مبلغ مالي لكي يبدأ في نشر مقالاته.

الحديث عن اختفاء الصحافة الورقية أسبابه كثيرة جدا، حيث يوجد العديد من الأسباب القوية لوصف هذا التحول من شخص يجلس على باب منزله في السابعة صباحًا ينتظر فيها رأي المحلل السياسي الشهير في أهم الأحداث التي وصلت له متأخرة أصلاً، لشخص يكتب رأيه على منصات التواصل الاجتماعي في هذه الأحداث وهو على سريره بعد الظهيرة، وهذا تحول كبير للغاية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.