شعار قسم مدونات

اغتيال شيرين أبو عاقلة.. وإشكالية حماية الصحفيين من وجهة نظر القانون الدولي

رسم عدد من الفنانين التشكيليين في مدينة غزة، الخميس، لوحة جدارية، تكريما للصحفية شيرين أبو عاقلة، مراسلة قناة الجزيرة القطرية، التي قُتلت الأربعاء، في الضفة الغربية. وأشرف على فعالية "رسم الجدارية" الاتحاد العام للهيئات الشبابية في قطاع غزة (أهلي).
جدارية في مدينة غزة تكريما لمراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة (الأناضول)

كان لحادث اغتيال مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال تغطيتها عملية اقتحام مخيم جنين بالضفة الغربية يوم الأربعاء الماضي وقع الصدمة على الكثيرين داخل وخارج عالمنا العربي.

ويطرح هذا الحادث من جديد السؤال حول مدى كفاية الحماية التي توفرها قواعد القانون الدولي للمراسلين الحربيين وللصحفيين العاملين في مناطق الصراعات المسلحة، إن الشيء الذي لا شك فيه هو أن هذه الفئة من الصحفيين باتت تلعب دورا كبيرا في كشف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي قد يرتكبها أحد أطراف الصراع، فأثناء الحرب في يوغسلافيا السابقة في تسعينيات القرن الماضي كان للإعلام الفضل في كشف الكثير من جرائم الحرب التي ارتكبت، وهو الأمر الذي دفع الأمم المتحدة إلى إنشاء المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة في 25 مايو/أيار 1993 والتي استمر عملها حتى عام 2017.

وقد كان الهدف من إنشاء المحكمة هو التحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبت في يوغسلافيا في تلك الفترة ومحاكمة المسؤولين عنها.

وبالتالي، هناك مصلحة عامة في توفير الحماية الكافية لهذه الفئة من الصحفيين كي يتسنى لهم أداء مهامهم في بيئة عمل هي بالفعل محفوفة بالمخاطر، فالصحفيون العاملون في مناطق الصراعات المسلحة أكثر عرضة من غيرهم لمواقف قد تعرض حياتهم للخطر، كما أنهم أكثر عرضة لأن يؤخذوا كرهائن أو أن يتهموا بالتجسس لصالح أحد الأطراف.

ويتضمن القانون الدولي بعض القواعد التي تساهم في توفير هذه الحماية، فإلى جانب قوانين حقوق الإنسان التي تسري بشكل مقيد في وقت الحرب هناك قواعد القانون الدولي الإنساني التي تكون لها الأولوية في التطبيق في زمن الحرب وأثناء الاحتلال.

وفي ما يتعلق بالصحفيين تتضمن معاهدة جنيف الثالثة الموقعة في عام 1949 والخاصة بمعاملة أسرى الحرب والبروتوكول الأول الملحق بمعاهدات جنيف والذي تم التوقيع عليه عام 1977 مادتين أساسيتين ينبغي الإشارة إليهما، وهما المادة 4 (أ) رقم 4 من معاهدة جنيف الثالثة، والمادة 79 من البروتوكول الأول الملحق بالمعاهدات.

فأما المادة 4 (أ) رقم 4 فتنص على أن المراسل الحربي الذي يرافق أحد أطراف الصراع سيحظى بمعاملة أسرى الحرب في حالة وقوعه في الأسر لدى أحد الأطراف، ويتمتع المراسل الحربي من خلال هذا الوضع القانوني بكافة الحقوق التي تكفلها المعاهدة للأسرى، وهذا يعني بالنسبة له أنه طبقا لقواعد القانون الدولي الإنساني ينبغي التعامل معه بشكل يحفظ له كرامته، وأنه لن يتعرض لأي إجراءات انتقامية بسبب مشاركته في تغطية أحداث الحرب، كما أنه لن يجبر على الإدلاء بأي معلومات تخص أحد أطراف القتال.

والثابت هنا هو أن هذه المادة تعالج الأمر في إطار إنساني بحت، ويقتصر أثرها على حماية المراسل الحربي عند وقوعه في الأسر، ولا تقدم له أي حماية إضافية من أخطار الحرب أو حماية لحقه في ممارسة العمل الصحفي، أما المادة 79 من البروتوكول الأول الملحق بمعاهدات جنيف فتنص على أن يعامل الصحفيون العاملون في مناطق الصراع المسلح معاملة الأشخاص المدنيين، وهو ما يعني تمتع الصحفيين بالحماية ذاتها التي يتمتع بها المدنيون في وقت الحرب وزمن الاحتلال، فقواعد القانون الدولي الإنساني تحرم الهجوم في وقت الحرب على المدنيين أو استهداف المنشآت المدنية، وتجعل الاعتداء عليهم جريمة حرب يقدم المسؤولون عنها إلى المحاكمة أمام المحاكم الوطنية أو الدولية.

والثابت هنا أيضا هو أن المادة 79 من البروتوكول الأول الملحق بمعاهدات جنيف مثلها مثل المادة 4 من معاهدة جنيف الثالثة لا تقدم أي حماية خاصة للصحفيين العاملين في مناطق الصراع تتناسب مع حجم المخاطر التي يتعرضون لها أو مع حجم الدور الكبير الذي يقومون به في كشف جرائم الحرب والاحتلال.

وعليه، فإنه ينبغي التفكير من جديد في وسائل إضافية لتوفير حماية كافية لهذه الفئة من الصحفيين، ولما كانت تجربة العقود الماضية قد أثبتت صعوبة التوافق على معاهدة خاصة لحماية الصحفيين فقد يكون أمرا مجديا -حسب رأيي- القيام بإدخال تعديل على المادة 79 من البروتوكول الأول الملحق بمعاهدات جنيف بحيث ينص صراحة على ضرورة حماية الصحفيين ومنع استهدافهم واعتبار الاعتداء عليهم جريمة حرب.

إن اغتيال مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة وإصابة زميلها على السمودي على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي تمّا في ظروف تثير الشك بأن الهجوم كان متعمدا، وهو ما يعني أنه قد يشكل جريمة حرب يعاقب عليها القانون الدولي.

وعلى الرغم من عدم انضمام إسرائيل إلى المحكمة الجنائية الدولية فإن قبول المحكمة عضوية فلسطين في الأول من أبريل/نيسان 2015 يجعل لها ولاية جنائية على الأراضي الفلسطينية، وقد أكدت المحكمة في 5 فبراير/شباط 2021 أنها تتمتع بصلاحيات تجيز لها النظر في الأوضاع بقطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.

ولا شك أن هذا الأمر يفتح باب الأمل في إمكانية قيام المحكمة الجنائية الدولية في التحقيق في قضية مقتل مراسلة الجزيرة، لكن هذه المسألة تتطلب بالضرورة قيام السلطة الفلسطينية بتقديم شكوى رسمية إلى المحكمة، وهو الأمر الذي يبدو أنه سوف يحدث في ضوء ما صرح به الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال مراسم تشييع وتكريم الشهيدة بمقر الرئاسة في رام الله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.