شعار قسم مدونات

لا تتعثر بآبار الحياة

خاص بالموقع/ البئر الذي سقط فيها الطفل ريان
البئر الذي سقط فيها الطفل ريان (الجزيرة)

ما أكثر الآبار في حياتنا، هكذا بدأت أرددُ بعد ما استعرضتُ في ذهني قصصَ بعض الآبار التي أعرفها، أدركتُ اليوم أن بعض الآبار تشبهنا؛ فمنها الطيب ومنها السيئ ومنها السارق ومنها المعطي، تعج وسائل التواصل الاجتماعي بالحديث عن الطفل الذي سقط في الجب وكان لا بدَّ من أن يسيل القلم معزيا ومذكراً.

من الآبار التي أنعشتها في مفكرتي

  • بئر زمزم

كثيرةِ هي الآبار في حياتنا ،فمنها معروفٌ وأكثرها مبهم، ليسَ من الضروري أن تتعلق قصص الآبار مع الألم، ففي قصة سيدنا إسماعيل وأمه هاجر في مكة المكرمة كانا وحدهما من غير وجودِ أدنى مقومات الحياة، حيث لا بشر لا شجر ولا شيء سوى صحراء قاحلة، ذلك البئر التي فُجرت تحت قدمي إسماعيل عليه السلام بمعجزة من الله تعالى، بقيت إلى الآن مياههه مباركة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:

إنَّها مبارَكةٌ، وهي طعامُ طُعمٍ، وشِفاءُ سُقمٍ.

  • بئر يوسف عليه السلام

يروي لنا التاريخ عن الآبار التي عرفناها من القرآن الكريم عندما قام أخوة النبي يوسف بإلقائه في الجب، وبعدها مرت قافلةٌ سيارة أخرجوه من الجب، إلى أن ذهب إلى مصر وأصبح عزيزها، نقل الخبر هو شيءٌ بسرعة البرق لا يستطيع أن يصور ما حدث بالتفصيل كما نقلت قصة يوسف عليه السلام:

(وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (10)

هكذا عادة نقل الآلام يصعب شرحها في جملة أو أكثر، فهو أعمق بكثير من مقالة مكتوبة أو مقطع فيديو مصور، لا أتحدث فقط عن ألم السقوط في الجب فحسب، فالآبار كثيرة في الحياة بالمعنى المجازي، بمعنى آخر بئر الاعتقال التعذيب الفقدان والغربة واللجوء الدمار الذي القهر.. إلى آخره.

  • بئر رومة

حينما بدأت المدينة المنورة تزدهر بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم لها وجد المسلمون أن أحد أعذب مياه المدينة بئر تقع في منطقة العقيق الأصغر تسمى بئر رومة، كما وجدوا أن مياه المدينة تجف كلها إلا بئر رومة، لكن الوصول إلى البئر لم يكن سهلاً، إذ كان على من يريد أن يشرب منها أن يدفع لمالكها، وهو أمر لم يكن في متناول كثير من سكان المدينة النبوية آنذاك. حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "من يشتري بئر رومة وله الجنة" دفعت عثمان بن عفان رضي الله عنه للمسارعة بشرائها وجعلها وقفاً عاماً يستطيع الجميع الشرب منه مجاناً.

  • حادثة بئر الطفل ريان

من مِنَا لم يسمع بحادثة الطفل ريان في المغرب، طفلٌ بعمر الزهور قد سقط في غياهب الجب ولم يستطيعوا أن يخرجوه بشكل طبيعي، فاضطروا إلى الحفر في رحم الأرض وضاعفوا الجهود إلى أن استغرق هذا ما يقارب 5 أيام.

أخرج كما يخرجُ الطفل في عملية قيصرية من بطن أمه تماماً، هكذا نشلوه من باطن الأرض.

نجحت عملية ولادته من رحم الأرض ولكن قدر الله سبق الجميع ووافتهُ المنية. ونسأل الله الصبر والسلوان لأهله وذويه، ولأن الإنسانية لا تتجزأ كان لا بد من ذكر الطفل السوري المخطوف فواز القطيفان الذي أرغم على السقوط في جب الخاطفين مجازياً؛ أرأيتم كيف يختصر الخبر مآسينا ببضع كلمات تنتهي.

سبحان الله .. هكذا هي الآبار كأقدار الحياة لا يوجد فيها شيءٌ مستقر.

  • بئر الحياة الذي نعيش فيه 

لم تكن السعادة والمصائب أبداً حكرا على أحد، فالكل مبتلى، من الأنبياء إلى البشر، لنتعلم من حياتنا ولا نجعل بعض الأحداث مجرد خبر مرَّ فحسب، لنقف قليلاً ونتمحص والأهم أن نتعلم.

من يدري لربما تكون أنت الخبر العابر فأعط لنفسك الأهمية بالشعور في الآخرين ليشعر بك أيضاً، والسقوط في البئر ليسَ النهاية، وأحياناً يكون نهاية لبداية جديدة، فاسع دوماً أن يكون الله حسبك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.