شعار قسم مدونات

مونديال الأمل العربي..

يوسف النصيري سجل هدف المغرب الوحيد
مهاجم المنتخب المغربي يوسف النصيري يحتفل بهدفه في مرمى البرتغال (الفرنسية)

وكأن موازيين العالم تتغير، كأن دوران الكرة الأرضية يكاد يكف ليهدينا أشواطا جديدة في عالم الأحلام.

انتصر المغرب من جديد على البرتغال ضمن سلسلة انتصاراته على أباطرة الكرة الأوروبية والأميركية، وكتب بذلك تاريخا جديدا يكاد لا يُصدق.

صدحت أصوات عالية في سماء العالم إثر هدف أسطوري سجله مغربي قح من فوق سحاب الملعب. هدف لم يدهش الفريق الخصم فقط، بل تركنا جميعا تائهين بين الواقع والحلم.

لكن منذ ذلك الحين بدأت التهديدات تنهال على آمالنا، وصارت فرحتنا مهددة بالانتهاك في كل لحظة ومحاولة أو اقتراب من "مربع العمليات". ومع تتالي هجمات الخصم العنيد كاد اللعب ينحصر في القرب من الشباك المغربية، إلا أن جنود الدفاع كانوا دائما جاهزين لإحباط كل المحاولات. وفي خضم هذا الكرِّ والفر، دخل شيخ البرتغال على طريقة الأبطال، خال نفسه قادرا على تحطيم الإنجاز المغربي العربي في ثوان معدودة، بيد أنه ما لبث أن عاد أدراجه وأسَّر أنيابه أمام زئير أسود بدت مستعدة للقتال حتى مع القوى الشيطانية.

لقد دافع المغاربة الأحرار عن شباك نظيفة بكل ما أوتوا من قوة، لدرجة تجعلك تحسبهم جنودا يثأرون من عدو ظالم، أو آباء كُلِّفوا بحماية صغارهم من موجة عاتية أو صعقة كهربائية أو طوفان مميت.

وطوال المباراة ورغم استمرار القصف، وقف الحارس المغربي ياسين بونو شامخا ممسكا بقفل مرماه متصديا لكل الكرات بعنف لطيف وهيلمان متواضع.

عندما يتوسط بونو الشباك المغربية، فإنه يجعلك ترى المرمى بأبعاد محدودة تذكرك بعوالم الرسوم المتحركة -ككابتن ماجد والهداف وغيرها من المسلسلات الكرتونية- التي كانت تلهم أطفال العرب وتزرع في أفئدتهم الصغيرة معاني الطموح ومشروعية تحقيق المستحيل وإمكانية تحقيق الأمنيات رغم أنف كل المعوقات.

ومن ثم وجب القول إنه مع وصول المنتخب المغربي للمربع الذهبي بشباك نظيفة إلا من هدف يتيم، واعتلائه الصدارة في مجموعة ليست بالهينة وتسجيله لأسرع هدف عربي يكون بذلك قد حطم أرقاما قياسية ظلت ثابتة لسنين طوال، عجاف دون أدنى أمل في التغيير نحو الأفضل أو استبدال عباءة اليأس والدونية برداء الأمل والفخر والعزة العربية.

لم يخلق أسود الأطلس ملحمة تاريخية خالدة فقط، بل بثوا كذلك روح تفاؤل جديدة وجرعة سعادة لم تجد قواميس لغة الضاد تعبيرا دقيقا عنها. كما وجب القول إننا لا نعيش حقا حلما عربيا فقط، بل نعود لأمجاد الماضي ومعاركه، التي انبطح فيها الأعداء وعادوا أدراجهم غير متقبلين لهزيمة نكراء سالت لها الدموع وتغيرت فيها قوى العالم الإسلامي في أيام ومعارك معدودات.

لقد اجتمع العالم العربي المغربي الإسلامي اليوم برمته حول الساحرة المستديرة ليعيد أولا منظومة القيم الدينية والأخلاقية والمجتمعية إلى نصابها وألوانها الحقيقية بعد أن كادت رياح الانحراف ترمي بها إلى بحر انعدام الهوية، وليقتص مرة ثانية من سنين الاحتلال والاستعمار الأوروبي الذي مارس طغيانه وجشعه، بل وحتى عقده النفسية على الشعوب العربية التي لم يكفها تحقيق الاستقلال السياسي في الماضي البعيد، ولكنها ظلت متعطشة لتحقيق تحرر مكتمل ونصرة حقيقية في الحاضر الجميل، لنعيش معا عهد استقلال جديد كتبنا حروفه بالدم والعرق -في الواقع، لا في الأحلام- على أرض قطرية شريفة جعلت الكل يفتخر بإنجازات العرب المسلمين حتى قبل بداية الصافرة الأولى لمباريات كأس العالم.

وبالعودة إلى المغرب الذي لم يذق سكانه وجيرانه طعم النوم على إثر فرحتهم الهستيرية واحتفالاتهم الليلية المضيئة، فهم الآن على أتم الاستعداد لمواجهة منتخب الديكة غير آبهين بحضارته الإشعاعية أو بتاريخه الكروي الباهر.

فنحن اليوم شعب الحلم وشعب المستحيل وشعب الإرادة والعزيمة.

نحن العرب الأفارقة المسلمون الشاكرون العابدون لإله واحد والساجدون أمام قبلة واحدة المطيعون للوالدين، المؤمنون بأن النية أبلغ من العمل، وأنه إذا ما اتحدنا يوما في أمور السياسة والمجتمع كما نفعل اليوم في المحافل الكروية، فإننا حتما سنحقق مستحيلات أخرى ستجعلنا نرى في انهزام الفرق الأوروبية والأميركية مجرد تدريبات أولية للخوض في المعارك الكبرى، بدءا بنصرة القضية الفلسطينية، ووصولا إلى تعميم دين الإسلام في بقاع العالم كافة.

ولم لا، ما دام الحلم مشروعا لن يطاله لا تطبيع، ولا ضريبة، ولا عقاب جائر!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.