شعار قسم مدونات

في اليوم العالمي للحرية.. كيف تقنع العبيد بأنهم أحرار؟

يوم الحرية العالمي يحيي حدثا مهما وهو سقوط جدار برلين عام 1989 (غيتي)

يحيي العالم في التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام اليوم العالمي للحرية للاحتفال بذكرى سقوط جدار برلين عام 1989، ورغم أن الكثيرين حول العالم يحتفلون به فإن حرية الإنسان ما زالت مهددة.

في الكثير من المجتمعات يمتلك الفرد قدرا كبيرا من الحرية، إذ يستطيع ممارسة توجهاته ومعتقداته بلا خوف ولا حساب ولا عقاب، ومع انعدام السلاسل التي تقيد حرية الأفراد ما زال البعض يحتفظ بهذه السلاسل ولكنها أكثر قساوة وقوة من تلك التي كانت تستخدم قبل مئات السنين، سلاسل الأمس يمكن لأي قوة خارجية أن تحطمها ولكن أساور اليوم لا يستطيع أي غريب الوصول إليها أو حتى مشاهدتها والشعور بها على الرغم من قلة سماكتها وصلابتها.

الخوف أكبر عدو للحرية (غيتي)

ما هي الحرية؟

الحرية هي التحرر من القيود التي تكبل طاقات الإنسان وإنتاجه، سواء كانت قيودا مادية أو معنوية، فهي تشمل التخلص من العبودية لشخص أو جماعة أو للذات، والتخلص من الضغوط المفروضة على شخص ما لتنفيذ غرض ما.

وحرية الشعب هي سيادته على نفسه، وحرية التجول والتعبير والاعتقاد هي حق الإنسان في اختيار ما يريد وفقا لاقتناعه واعتقاده، وتعتمد الحرية على 3 مكونات رئيسية: من يتمتع بالحرية؟ وعلامَ تنطوي صلاحيات حريته؟ وما القوى التي تحد منها؟

الحرية في الإسلام

الحرية في الإسلام هي التحرر من الأهواء ومن تسلط البعض على البعض الآخر، وفي سورة الأعراف الآية 157 يحدد القرآن مهام النبي محمد -عليه الصلاة السلام- في أنه {يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرّم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم}، فالدين جاء لكسر الأغلال التي تكبل النفوس والعقول والأجساد وتفرض استعباد الإنسان لأخيه الإنسان.

دعا الإسلام إلى الحرية والتحرير، ولم يخطئ القول المنظّران في الإسلام المعاصر أبو الأعلى المودودي وسيد قطب، إذ عرّفا الإسلام بأنه ثورة تحررية شاملة تنطلق من أعماق النفس والعقل والإرادة لتمتد إلى كل ركن من أركان الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

Happy young businesswoman إمرأة تمارس رياضة التأمل Woman meditation exercises gettyimages-1174240738
الحرية الفردية تعزز قيم الفرد (غيتي)

الحرية الفردية

وفي العصر الحديث تتمثل الحرية الفردية في 3 مستويات من النشاط: حرية الفكر والرأي، وحرية السياسة وتكوين الجمعيات، وحرية العمل والمبادرة الاقتصادية، ويعود أصل الحرية الفردية الطبيعي والأخلاقي إلى قدرة الشخص على السيادة الفردية وتملّك الشخص لنفسه.

قال الكاتب والناشط الألماني رودولف روكر إن "الحرية ليست مفهوما فلسفيا مجردا، ولكن هي الإمكانية المحددة بقدرة كل إنسان على التطور بشكل كامل في القوى والقدرات والمواهب التي وهبتها له الطبيعة وجعلتها متاحة لجميع أفراد المجتمع".

الحرية الفردية الخالية من الإدراك وتعزيز القيم الأساسية الأخرى للإنسان ككائن اجتماعي والتي تتمثل في التآخي والتضامن بين أفراد المجتمع الواحد تؤدي إلى إفقار البعد الأخلاقي للأنشطة وللسلوكيات الفردية والجماعية، وأيضا قد تؤدي إلى اشتداد الظلم وعدم المساواة الاجتماعية.

فك القيود

وعلى الرغم من الاختلاف في التعبير عن مفهوم الحرية فإن جوهرها واحد، وهو أن الحرية فك القيود والتخلص من السلاسل التي تحد من حركة الإنسان وتشل تفكيره وتسيطر على قرارته وأفعاله وتجعله يشعر دائما بأنه منبوذ لا مكان له وسط البشر ولا قيمة له بينهم.

المقيد بالسلاسل الوهمية يرى نفسه دائما بصورة محدودة وفقا لمعايير وضعتها بعض فئات المجتمع، قوانين وقيود رسختها هذه الفئات عبر سنوات طوال، وكل من يخالف معاييرها يصنف أقل منها لأنه لا ينتمي إلى مجموعتها التي تعد -حسب مبادئها- الأفضل على الإطلاق.

تغيرت الأجيال واختلفت الأمم وظهرت القوانين والأنظمة التي تدعو إلى الحرية وإعطاء المكبلين حقوقهم وحريتهم إلا أنهم ما زالوا يشعرون بالمشاعر نفسها تجاه الآخرين ويشعرون بالدونية، سألت ناشطة حقوقية أخذت على عاتقها مهمة تحرير العبيد قبل عشرات السنين: ما هي أصعب مهمة واجهتك في مسيرتك؟ فكانت إجابتها أن تقنع العبيد أنهم أحرار.

سوق العبيد
سوق الرقيق (مواقع التواصل)

سوق العبيد

أصعب عبودية هي التي يصنعها الفرد لنفسه، فيضع ذاته داخل قالب من المعتقدات والقيم الزائفة التي يعتقد أنه ينال من خلالها قبول ورضا الآخرين، قيود يصعب أن يراها أي شخص ولكنها قاسية تجعل منه أمعة يتنازل بكل رضا عن حقوقه ولا يطالب بعزته ظنا منه أن مطالبته بما يريد ستجعلهم يرفضونه ويعيش وحيدا.

قيود اليوم هي أكثر ألما، فعندما تكون عبدا للمظاهر الخادعة والمستويات الاجتماعية الزائفة والبهرجة الكاذبة لا يستطيع أحد أن يحررك من هذه العبودية، تكون سلعة سهلة يتم بيعها وشراؤها في أكبر المزادات التي تشبه في مضمونها سوق الرقيق.

الخوف هو أكبر عدو للحرية، لذلك لا بد أن تبدأ الحرية من خلال تشكيل الفرد وعيه وفهمه معانيها، لأن الحرية عملية تكامل ذاتي يبدأ من تمحيص الإنسان ورؤيته للواقع عبر مرآة عقله، وبذلك يتصاعد نموه الفكري والعقلي بأهمية فعله وحريته، أما محاولة حماية الإنسان عند كل خطوة من تجارب قد تضره فهذا ليس بمستحيل فقط ولكنه خطر أيضا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.