شعار قسم مدونات

غزة الجرح النازف..

دمّرت المقاتلات الحربية الإسرائيلية، السبت، منزلا، غرب مدينة غزة، في إحدى غاراتها الجديدة على القطاع. وأفاد مراسل الأناضول أن المقاتلات الإسرائيلية أطلقت عددا من الصواريخ باتجاه منزل يعود لعائلة "شملّخ" الفلسطينية، في حي الشيخ عجلين، غرب مدينة غزة. وتسببت هذه الغارة، بدمار كبير في المنازل المجاورة، دون أن يتم التبليغ عن وقوع إصابات في صفوف المواطنين. ( Ali Jadallah - وكالة الأناضول )
لولا قصف بيت أسرتي في الحرب الأخيرة على غزة، واستشهاد أخي وابنته، لدرست جيدا، ونجحت مثل زميلاتي! (وكالة الأناضول)

قبيل غروب الشمس، وهروبا من البيوت التي لم تفلح المراوح المعلقة في أسقفها في هزيمة حر الصيف اللهيب، يدعمها انقطاع يدوم 6 ساعات أو أكثر يوميا للكهرباء، آثرت الهروب إلى شاطئ البحر، وعادة أفضل الابتعاد قدر المستطاع عن ازدحام المصطافين، فوجدت ضالتي في مكان مرتفع ليس فيه إلا عدة طاولات. كان الهواء عليلا، وأمواج البحر تضرب خد الصخر، فيتناثر رذاذ الموج، ويصافح وجهي المتعطش -حتى- إلى أدنى درجات الشعور بالبرودة.

بعد أقل من ساعة، جلس على الطاولة المجاورة لي -تبعد عني قرابة المترين- 3 فتيات، وكان من الطبيعي أن يحدث ذلك، ولكن من غير الطبيعي أنه كأنهن جلسن معي على الطاولة نفسها، بسبب علو أصواتهن!

الأولى كانت تتحسر على طفولتها التي فقدتها مبكرا؛ إذ تزوجت ابن عمها حينما كان عمرها لم يتجاوز 14 ربيعا! وأخذت تصف حالة الفقر المدقع التي تعيشها، حتى أن زوجها العاطل عن العمل لا يستطيع شراء ملابس المدرسة لبنتهما في الصف الثالث الأساسي! بل إنه طلب منها الاقتراض من أهلها، أو ترتدي ابنتهما المريول المدرسي نفسه الذي لم يتغير منذ عامين! وأن تستخدم الحقيبة المهترئة نفسها، التي رافقتها منذ الصف الأول!

أما الثانية، فهي طالبة رسبت في التوجيهي للعام الثاني، وتقول باكية: لولا قصف بيت أسرتي في الحرب الأخيرة على غزة، واستشهاد أخي وابنته، لدرست جيدا، ونجحت مثل زميلاتي!

أما الثالثة، فهي خريجة قسم التعليم الأساسي منذ 10 أعوام، وتدعو الله أن تتزوج، ولا تريد أن يضيع شبابها بين جدران بيت أهلها، بعدما ملت انتظار الوظيفة، كما هو حال آلاف الخريجين!

لم تطلب الفتيات الثلاث أي مشروب، فكل واحدة منهن كان معها قارورة ماء صغيرة، بل إنهن حتى جادلن صاحب الاستراحة، وارتضى منهن دفع نصف الأجر، مقابل المكوث لساعتين فقط في المكان!

كان موج البحر مع نهاية كل قصة يضرب الصخر بقوة، ثم ينسحب متراجعا بعيدا، وكأنه يشاركني الشعور بالألم واليأس من تغيير حال قطاع غزة، الذي ما زال يعاني منذ 15 عاما الحصار من العدو والصديق، فضلا عن الانقسام والتضييق في العيش و4 حروب! فكان من الطبيعي أن تتكاثر الهموم والمآسي عليه، فتنتشر البطالة، والعنوسة، واليأس من كل شيء! حتّى أنا الهاربة من الحر، عساني أتنسم بعضا من هواء عليل، زادتني الحكايات على طاولة نصف الأجر علة وألما وحرارة!

#الله_غالب

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.