شعار قسم مدونات

أميركا والأسد.. سياسة تغيير سلوك العقرب

جوي هود مساعد وزير الخارجية بالإنابة لشؤون الشرق الأدنى (الجزيرة)

 

فاجأنا مساعد وزير الخارجية الأميركية، جو هود، بتصريحه الواضح الفاضح بأن واشنطن لا تسعى إلى تغيير الأسد وإنما تسعى إلى تغيير سلوكه. المفاجأة لم تكن للسوريين المتابعين للموقف الأميركي منذ البداية الذي في جوهره كان خادمًا مطيعًا للنظام السوري، وإنما المفاجأة بصراحته ووقاحته القادرة على إعلان موقف كهذا بعد كل هذه الجرائم التي ترتكبها عصابة لم ترعوي عن استخدام كل ما تفتقت عنه عقليات القرون الوسطى من قتل وتدمير وسحل واغتصاب وتشريد للملايين وتجارة مخدرات وحشيش واستدعاء لعصابات احتلالية وقوى محتلة عدة لإرغام الشعب الثائر على العودة إلى حظيرتها، لتأتي قوة دولية تدّعي حقوق الإنسان والديمقراطية لتدعم هذه العصابة.

 

لا أدري كيف يمكن تغيير سلوك العقرب، فإن كان من طباعه العض والقرص والقتل، فهل ثمة أمل في تغيير سلوكه ليغدو حملًا؟ سمعنا من قبل عن ترويض الأسود ولكننا نسمع اليوم عن ترويض العقارب والأفاعي والثعابين، فهذا جديد السياسة الأميركية، ما دامت وظيفة هذه العقارب للشعوب وليس للأجنبي، والأغرب أن يتزامن التصريح مع إعلان واشنطن عن نصر عظيم بموافقة المحتل الروسي على التمديد للمعبر الإنساني في باب الهوى عاما آخر، مقابل اشتراطات وتنازلات أميركية لعل أولها تصريح هود المذكور آنفا.

المعابر السورية الأخرى التي تعمل بسيارات السرفيس خارقة لحظر قانون قيصر الذي دوختنا به الإدارة الأميركية فذاك حلال تمامًا، فقد تحول هذا القانون إلى أشبه ما يكون بخط أوباما الأحمر، تلك المعابر اليوم تتكفل بنقل كل ما هو ممنوع في أوقات السلم، فكيف بأوقات الحرب المشنونة على الشعب السوري؟ ليتضمن تهريبًا للعصابات المسلحة الطائفية الإيرانية والروسية واللبنانية والأفغانية والباكستانية، وتهريبًا للحشيش الذي يعدّ الآن المنتوج الأول والأخير لمحور المقاومة والممانعة. مثل هذه المعابر مسموحة ولا حاجة إلى مجلس الأمن الدولي أن يضيع وقته فيها، أما فتح المعابر التي تبقي ملايين المشردين على قيد الحياة فذاك بحاجة إلى مجلس أمن واجتماعات دولية، ولقاء بايدن مع القاتل بوتين الذي وصفه بنفسه قبل اللقاء ليشكره بعد اللقاء؟!

موقف الإدارة الأميركية بحاجة إلى كتب ودراسات معمقة لبحثه، وخذلانه للثورة السورية قائمة تطول وتطول، ففي الوقت الذي حصدت واشنطن مزايا تريدها بتشويه الثورة أمام شريحة واسعة من العالم لكرهها لأميركا، فإنها نجحت في توظيف الحدث السوري في بازار مساوماتها وابتزازاتها الرخيصة إن كان مع الروس أو الإيرانيين، فجعلت سوريا اليوم مجرد صندوق بريد للروس والإيرانيين وربما لغيرهم، مستخفة تمامًا بكل ما تواجهه على مدى عقد كامل.

 

التاريخ لن يتوقف عند تصريح جو هود، كما لم يتوقف عند تصريح أوباما من قبل، ولكن هذه المنطقة عصيّة على الغزاة والمحتلين، فكما رحل من قبل عنها الروم والفرس والتتار، وتكسرت على صخورها قرون كل المحتلين، سيرحل الأغراب وسيبقى الأثر السيئ والتاريخ الأسوأ الذي خلفوه وراءهم، لتتذكره الشعوب وتتناقله الأجيال.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.