شعار قسم مدونات

لقاح كورونا المنتظر.. هل سيفرض جبرا كالحجر المنزلي؟

blogs كورونا

الملاحظ لتسارع الأحداث المتعلقة بكورونا بشقها السياسي وزخمها وتفردها من حيث الأحداث وغزارتها، أنها تدعو الباحثين والمهتمين بالعلوم السياسية إلى إنشاء فرع جديد فيها تحت مسمى علم "الأوبئة السياسي" وذلك لجمع وفرز كل تلك المعطيات والمدخلات المتعددة وتنقيحها لتبيان أبعادها وتأثيراتها على الأشكال والحقول السياسية التي أفرزت لنا تقلبات وصور استثنائية جديدة عما هو مألوف ومعروف لدينا في المشهد السياسي.. ولكن ما يهمنا في هذه التدوينة هو الشق الصحي المتمثل في الجهود المبدولة لإنتاج اللقاح الخاص بفيروس كورونا والأبعاد المتداخلة فيه ومعه والتصريحات الصادرة هنا وهناك وخاصة من منظمة الصحة العالمية بخصوص إنتاجه مرة بالتشاءم حول بطء إنتاجه ومرة أخرى بالتفاءل بقرب انتاجه المتسرب من أخبار هنا وهناك ابتداء من كلام الرئيس الأمريكي حوله وأبحاث عواصم أخرى عليه إلى أبحاث الصين بصدده..

إلا أن ما يستوقف المتابع هو بروز وتداول نغمتين بقوة وثبات في معزوفة التصريحات المتضاربة والمتناقظة معا وهي أن الفيروس مرجح بشدة رجوعه في الخريف المقبل وأنه ظيف ثقيل الظل وجد ليبقى وثانيهما التشكك من أن المصاب بالفيروس الذي شفي منه سيفعل مناعية ذاتية تحميه منه مستقبلا.. ليس المهم عندي في هذا التحليل: الأرقام المالية المهولة من حيث الأرباح عند تسويق وبيع اللقاح في ظل هذا الطلب العالمي المحموم والمستفحل (لربما ستكون أكبر سلعة في التاريخ من حيث اتساع الطلب ومن المحتمل وصول ذلك العدد للمليارات من البشر الساعين للاستفادة من هذا المنتج بعد التهيئة النفسية للقبول به واستعماله بعد أن فتك بنا عداد الأموات المستمر المنهك لنفوسنا وعقولنا).

ولكن ما أريد أن أشير إليه هو هذه السيناريوهات أو الإشكالات المحتملة المطروحة للتساؤل التي ربما سنصادفها عند انتاج اللقاح وتسويقه.. فهذا الوباء قد أنتج مفهوما أنسانيا جديدا وهو إسقاط وإلغاء ذاتية المرض وخصوصيته، فالمرض أصبح شأنا عاما يتدخل فيه متدخلون كثيرون ينزعون عنه ذاتيته وخصوصيته التي كانت منحصرة قبلا بين المرض والمصاب به ولربما الحلقة العائلية الضيقة المرتبطة بالمريض لتتحول الآن في هذه الأزمة إلى شأن عام تتدخل فيه أبعاد متعددة كالأمن العام بمستوياته الصحية والغدائية والاقتصادية وغيرها وما يسمى الصالح العام أيضا.. فيفقد الفرد معه حريته في التعامل مع المرض كشأن داخلي خاص به ليصبح مجرد حلقة واحدة فقط من حلقات حالة المرض بأبعادها ونطاقاتها وإسقاطاتها العامة والخاصة التي تبدأ بالفرد والمحيط والمجتمع وتنتهي بالدولة والعلاقات الدولية بين الدول.

أكثر ما يخيف ويجب التحذير منه هو انسياق الدول إلى تعميم وتبني بروتوكول لقاح للفيروس لمنظمة الصحة العالمية بتسرع وتغليب الرؤية الأمنية للتعاطي معه وذلك بإجبار الناس والمواطنين لتعاطيه وأخده تحت طائلة القانون

فمع الجهود المبدولة للتصدي للوباء وسياسة تفضيل إنتاج اللقاح على إنتاج الدواء أو الأمصال! وهذا بدوره يطرح علامات استفهام مشروعة لكل متابع. لماذا كل الجهود مبدولة لانتاج اللقاح فقط والدعاية فقط له هي الطاغية؟! وهل تدخل الرأسمالية ومنطق الربح في عملية البحث والانتاج من حيث تمويله لمراكز البحث العلمي العامة والخاصة والجامعات هي الدافعة والمحركة للسير في ذلك الاتجاه؟! فهل لأن اللقاح مردوديته أكبر وهوامش ربحه أوسع لأنه يستهدف الحالات المحتملة المستقبلية للمصابين بالفيروس، ومفهوم الاحتمال هذا قد يغطي الملايير من طلبات الشراء من الناس باعتبار كل فرد محتمل إصابته..؟! فيد الرأسمالية ومنطق الربح جلي في مسار الأحداث وسيرورتها وفاعل رئيسي فيها عند من يملكون تقنيات البحث العلمي والإمكانيات الموضوعية للوصول للقاح..

فلماذا لا تركز الجهود على صنع الدواء أو الأمصال للقضاء على الفيروس عند الإصابة به؟! فحالات الإصابة به لم تتعدى نسبة الواحد على آلألفين وكسور من نسبة سكان العالم والمصابين لحد الساعة ثلاث ملايين كحد أقصى أو يزيد مع حصيلة وفاة لم تتجاوز ثلاثمائة ألف.. مع أن ضحايا الالتهاب الرئوي في أمريكا سنويا بغير كورونا كانت أربعين ألفا من العجائز فقط دون صغار السن وهو في المرتبة الخامسة بين كل أسباب الوفاة فيها حسب مؤلف كتاب الصيدلية الخضراء الدكتور جيمس إيه ديوك في صفحة الأعشاب النافعة للإلتهاب الرئوي (ذكر هذه الاحصائية) التي هي الآن تسقط على ضحايا كورونا وتنسب إليها وقس على ذلك أوروبا والغرب بالعموم الذي يغلب عليه طابع الشيخوخة.

ولكن التساؤل الجوهري والأساسي المهم في هذا الطرح هنا الذي سيشكل ما بعده هو: هل عند انتاج اللقاح ستدفع لوبيات المصالح العالمية وخصوصا لوبيات المال والسياسة وتحالفهما الدفع بالحكومات والدول إلى فرض إجراء إجبارية اللقاح على الناس في العالم بتوصيات من منظمة الصحة العالمية أو غيرها مدعومة بقرارات أممية مثلا. فمنظمة الصحة العالمية حسب رأيي طرف غير نزيه من حيث مساعيها في الحفاظ على الصحة العالمية، وتاريخها حافل بالنقاط السوداء والفضائح الصحية التي تًدخّل المال والسياسة فيها جلي بخضوعها وتناغمها مع الشركات العالمية وللدول النافدة في العالم وما اتهام الرئيس الأمريكي لها بمحاباتها للصين مؤخرا بأمر بعيد واتهامات أخرى لها متداولة بتسييس أعمالها إلى عدم فاعليتها في التدخل في الأزمات والمناطق خصوصا في إفريقيا وآسيا وفشلها في مناطق أخرى تواجدت بها.

ما هو عالق في الأذهان من كبريات فضائحها في العهد القريب مما يتذكره غالبا الكثيرون هو فضيحتها في لقاحات إنفلوانزا الخنازير منذ عشر سنين تقريبا الذي سحبته من السوق بعد بيع كميات هائلة منه بعد أن خلف مآسي لأعداد كبيرة ممن استعمله من شلل وعاهات وأمراض عصبية ومناعية وحتى حالات وفاة. وخرجت بعدها المنظمة بعد انتقادات لها وشكاوى باعتذار وسحبت ما تبقى من اللقاح من السوق العالمي بعد حالات كثيرة تأذت من اللقاح، وكان جليا لدى الصحفيين الذين غطوا هذه الفضيحة تغلب منطق الربح والانتهازية في إنتاج اللقاح والتسرع وعدم المهنية في دراسة الآثار الجانبية الخطيرة المحتملة له.

فأكثر ما يخيف ويجب التحذير منه هو انسياق الدول إلى تعميم وتبني بروتوكول لقاح للفيروس لمنظمة الصحة العالمية بتسرع وتغليب الرؤية الأمنية للتعاطي معه وذلك بإجبار الناس والمواطنين لتعاطيه وأخده تحت طائلة القانون والمحاسبة والإلزام تحت عناوين مختلفة كالمصلحة العام والاجراءات الوقائية والإحترازية وغيرها (كما فعلوا في إجبارية الحضر المنزلي مثلا) دون الرجوع إلى حق الفرد في حريته التي تكفل له الموافقة أو الرفض فيما يخص شخصه وكيانه. وأن لا تذهب الدول والحكومات لجعل عملية التلقيح واقعا بسن قوانين أو إنشاء بطاقات جديدة للفرد تحت مسمى بطاقة التطعيم أو التلقيح تكون ملزمة الإدلاء بها وإجبارية عند مزاولة الفرد لنشاط ما أو عند ولوجه لمرفق عمومي أو عند السفر أو التجارة أو الالتحاق بالعمل أو المدرسة أو الجامعة.

فالتسرع في ردات الفعل دون تروي وبحسابات خاطئة غالبا متبناة من أطراف خارجية قد يؤدي إلى الفشل وحرب على الإنسان تنتهك حقوقه وتزيد من أزماته وترفع من مؤشرات التمييز والاقصاء وصعوبة الاندماج لديه. فكم من معلومات كنا نتبعها مند بداية الأزمة كحقائق أظهرت قصرها وعدم نجاعتها فالفيروس إلى الأمس القريب عرفنا أنه قد ينتقل أيضا في الهواء بلا رذاذ حسب تقارير أمريكية ، وما زالت الدراسات تتوالى.. فهذا يدل على أننا مازلنا نمشي في الظلام والمتحول أكبر من الثابت في فهمنا للوباء وطرق التعامل معه.

فالسؤال الختامي الذي يفرض نفسه بشدة فهل سيكون ثمن الرافضين لهذا اللقاح وهو سيناريو غير بعيد هو استمرار الحجر الذي بدأ منزليا ليتحول لحجر اجتماعي يعيق تفاعل الفرد ونشاطه وقبوله في مجموعته وملاحقته بغرامات أو ربما بكونه خارج على القانون وأنه تهديد للجماعة والمجتمع، أو الخيار الثاني القبول بإتيانه والانسياق لقبوله كالآخرين الذين سبقوك بأخده لكي تدخل في جو الجماعة والقطيع البشري والعالم النشط بشقيه الاقتصادي والخدماتي تحث مظلة الحماية والأهلية القانونية لآخد اللقاح وتصنيفات مفاهيمية اجتماعية إيجابية لمتعاطيه بكونه هو مثال للمواطنة الصالحة وروح المسؤولية.. فالله وحده أعلم بما سيترتب عن هذا اللقاح من آثار جانبية على المدى الطويل أو القصير أو ربما مشاكل لدى البعض.. نصبح بعدها ضحية للتسرع والقصور المعتمد في رؤيتنا الضيقة للأمور وضحية أيضا للتخبط الذي شوش علينا حساباتنا في تعاطينا السليم مع الحدث..

وأخيرا أتمنى أن لا يتحقق هذا السيناريو الخاص بإجبارية اللقاح وأن يتحقق الجزء الجيد والمتفائل من التكهنات باعتبار أن الإنسانية تستحق الأحسن وأن العاصفة ستمر بأقل الخسائر وأن العلم الحقيقي الطاهر سينتصر بعد رحمة الله الكريم؛ إلا أن هذه الآمال المحمودة رغم ذلك لا تلغي حقنا في التساؤل والاستفسار وطرح الأسئلة الصعبة بتجرد في هذا الجو الضبابي بعيدا عن العواطف الجياشة أو التفاؤل المزيف الأفلاطوني في عالم يوتوبيا المثالي الخادع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.