شعار قسم مدونات

كورونا.. "فرصة القرن" التي قد لا تتكرّر!

blogs كورونا

لا يعني وصف جائحة كورونا بالفرصة أننا لا نحزن على مُصاب الإنسانية الجلل، ولكنّها طبائع الأشياء التي تجعل من الآلام الكبرى مراجعاتٍ، ومخاضٍ، وتغييرات؛ قد يستثمرها البعض، ويُضيّعها الكثيرون، وهذا على المستوى الفردي، والجمعي. في هذه المدونة يجري التركيز على الجوانب السياسية، والتي يُمثّل كورنا لها فرصة كبرى إن حَسُن التقاطها، ولم تَفت تحت تأثير العجز والأماني.

أمّا أنها فرصة القرن التي قد يصب تكرارها؛ فلأنها مسّت مساحات وقطاعات شاملة، وتركت في اجتياحها آثاراً يصعُب محوها في أمدٍ قصير. جغرافياً، فقد أحاطت بالبسيطة تقريبا، وطالت بأثرها المجتمعات، والدول، وهزّت أركان الاقتصاد، حتى أثارت جدلا حول جدوى النظام الدولي القائم، ومستقبل نظام عالميٍّ قادم. ما سبق يجعل من كورونا فرصة على الصعيد الشعبي، والرسمي، وهكذا آثار لا تنجم إلا عن حروب كبرى، أو أحداث عظام مثّلت لحظات فاصلة في تاريخ البشرية.

هناك قطاعات مختلفة تمثّل لها ظلالُ الجائحة فرصة عليها أن تتفيأ بها، وإلا أصابتها غُصة تضييع الفرص. الشعوب المقهورة والمظلومة في طليعة مَنْ عليه أن يُراجع كيانه ومكانته بُعيد انتهاء الجائحة، لأن هذا الفيروس أظهر جليأ ضعف جلّادي الشعوب، وبؤس الأنظمة الفاسدة، التي أضاعت أموال الشعب على أدوات القمع، بدل إنفاقها على ما يَمُدّ شرايين الحياة، مثل القطاع الصحي.

لعلّه من العبث أن نُخيِّر أنفسنا بين نظام "غربي ديمقراطي"، وآخر "شمولي ديكتاتوري صيني"، بل نحن في حاجة لنظام أقرب للعدل، وأبعد عن استغلال الشعوب

من الواضح أن الضائقة الاقتصادية ستنخر مزيداً في عظم الفقراء، ودول العالم ستنشغل في معالجة أثقال كورونا، وهذه فرصة للشعوب العربية حتى تُكمل ربيعها، الذي حاولت وَأْده قوى الطغيان، ودول الثورة المضادة، ففي حالة هذا الانشغال العالمي، فإن الشعوب قد تهتدي كرّة أخرة لمسار الثورة، ومثال الانتصارات الأخيرة في ليبيا شاهدة في هذا السياق.

الدول الصاعدة هي الأخرى أمام فرصة لملأ فراغ عالمي قد تتركه الدول الكبرى؛ بسبب انشغالها في لعق جراح كورونا. الدول الكبرى -وفي طليعتها أمريكا- قد تضررت صورتها بسبب ضعفها في مواجهة الجائحة، وعدم قدرتها على مدّ حبال النجاة لشعوب العالم، وهذا يعني تخلٍّ عن أعباء القيادة العالمية، وهذا يقود لفراغ في أقاليم العالم المختلفة. فعلى الدول الصاعدة والمتوسطة أن تثبّت أقدامها في أرضها، وإقليمها، وذلك عبر تقديم نموذجها الناجح في التعامل مع الأزمة، وتقديم المساعدات للدول الأخرى، والسير باتجاه استقلال كامل في إرادتها عن الدول العظمى. لعلّ تركيا وَعت هذا الأمر جيدا، وقد تكون أمام لحظة فارقة إذا اختارت مساراتها السليمة، وهذا يمتد على باقي الدول الصاعدة.

ما ذكرناه سابقا يتعلّق بخلخلة هزّت فسيفساء النظام الدولي، وهذا يقود للحديث عن فرصة كبرى في تغيير شكل النظام العالمي ومضمونه. في حديث عن الفرص، فلعلّه من العبث أن نُخيِّر أنفسنا بين نظام "غربي ديمقراطي"، وآخر "شمولي ديكتاتوري صيني"، بل نحن في حاجة لنظام أقرب للعدل، وأبعد عن استغلال الشعوب. لعلّ هكذا سعي يَنبني عبر تعاون من دول صاعدة تعمل على هزّة تُضعف سيطرة الكبار، وتُجبرهم بنماذجها، وإرادة شعبية عالمية، ويساعدهم كورنا في ذلك؛ من أجل إصلاح شامل في المنظومة الدولية، والمؤسسات العالمية؛ فبعد كلّ حدث جلل إمكانيات التغيير الكبير. ولا ننسى أن شعوبا تسكن في الدول الكبرى قد اهتزت ثقتها بأنظمتها، وهذه الدول هي راعية النظام الحالي، ويُمكن لهذه الأجواء أن تشكل ضغطاّ إضافيا نحو تشكيل نظام عالمي أفضل.

لعلّ حال بعض الشعوب العربية والإسلامية في إجراء مفاضلة بين الصين وأمريكا، كحال الحكمة القائلة؛ بأن عبدا سُئل لو أنّك أوتيت مالا طائلا ما أنت صانعٌ به، والعجيب أنه قال: إني سأختار سيّدا لي أفضل من هذا، وللأسف لم يخطر بباله الحرية. وليس أسوأ حالا من ذاك العبد، إلا الذي يعتقد بأن كورونا جاءت لإنقاذه من الطغاة، بينما هو جالسٌ على أريكته ينتظر الخلاص. إنما كورنا فرصة كبرى للتغيير، ويستثمرها مَن يسعى، ويعمل، ويقدم نموذجه الأفضل للبشرية، فبذلك تكون هذه الجائحة عاملا مساعدا للتغيير، ولكنّ الإنسان هو محرّك التغيير وقائده. إننا أمام فرصة كبرى، ولكنّها ليست من نصيب القاعدين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.