شعار قسم مدونات

لماذا يشعر اللبناني أن عليه اتخاذ موقف من كل شيء؟!

Azerbaijan army take control of of some highlands

"بكل عرس يجب أن يكون لهم قرص"، مثل لايجد قوماً ينطبق عليهم أكثر على اللبنانيين. فالمصائب والكوارث والأزمات والمشاكل والانهيارات والانفجارات والمعارك والاشتباكات وتفسّخ البنى التحتية، وفساد السلطة، والتلوّث، وانتشار فيروس كورونا، والانهيار الاقتصادي والنقدي، كل ذلك لايحول دون أن يحشر المواطن اللبناني أنفه بكل ما يجري على هذه الأرض.

 

آخر فصول الحشرية اللبنانية غير المفهومة هي إهمال اللبنانيين كل مآسيهم ومعاناتهم ومصائبهم والتفرّغ للتنظير على التوتر الطارئ الحاصل في بقعة جغرافية تبعد عنهم آلاف الكيلو مترات عنهم، في منطقة القوقاز بين أذربيجان وأرمينيا. أكاد أقسم بالله أنه قبل اندلاع المواجهات العسكرية، كانت الغالبية الساحقة من اللبنانيين لايعرفون أين تقع أذربيجان على الخريطة، ولم يسبق لهم أن سمعوا بإقليم ناغورني قرة باخ. لكن مجرد أن حصلت التوترات بين البلدين، شمّر اللبنانيون عن سواعدهم الفكرية، وحرصوا على اقتناء جريدة أو جريدتيْن، أو تصفح موقع إلكتروني أو موقعيْن، أو قراءة خبر أو خبرْين، أو مقال أو مقاليْن، وبدأوا مشوارهم في التنظير والتحليل وإبداء الرأي والمشورة والتأمّل إزاء الأزمة المستجدة في القوقاز، وطرحوا أنفسهم كباحثين في الشأن القوقازي، ومتعمقين بأزمة إقليم قرة باخ.

 

لم يسبق للبنانيين أن اصطفوا في مكان واحد تجاه أي قضية حتى ولو كانت جامعة. دائماً هناك أصوات تحرص على نشازها حتى تظهر وتتمايز عن غيرها. هذه المرة لم يخيّب اللبنانيون الآمال، فالموقف تجاه الأزمة في القوقاز أدّى لانقسام بين اللبنانيين. فريق يساند أرمينيا في الدفاع عن الأرض التي احتلتها قبل ثلاثة عقود ويعتبرها حقاً مكتسباً بمرور الزمن، وفريق آخر يساند المسعى الأذري لاسترجاع الإقليم الذي سلبته أرمينيا منه في ظروف دولية معينة وموازين قوى لم تكن مواتية. المشكلة التي واجهت اللبنانيين في البداية أن الرؤية لم تكن واضحة بالنسبة لهم، لذلك استغرقوا بعض الوقت لاتخاذ موقف.

لماذا لا يدرك المواطن اللبناني أن الوقوف إلى جانب أي طرف لن يعود عليه بالنفع، وأن ما يحتاجه هو الجلوس إلى جانب أخيه اللبناني، للتعاون في كيفية الخروج من الكوارث التي حلّت بهم

فأرمينيا المسيحية مدعومة من إيران الشيعية، وأذربيجان الشيعية مدعومة من تركيا السنية. وبالتالي فإن المسيحيين تردّدوا في تأييد أرمينيا التي تساندها الثورة الإسلامية الإيرانية، كما أن الشيعة تردّدوا في تأييد أذربيجان لأن إيران تساند أرمينيا، في حين تردّد السنّة في تأييد أذربيجان رغم مساندة تركيا لها. لكن في الخلاصة، كانت الغلبة للمصالح الدولية على الاختلافات الطائفية. فوقف الشيعة إلى جانب إيران في مساندة أرمينيا، ووقف السنّة إلى جانب تركيا في مساندة أذربيجان. وهذا يؤكد أن النزاعات الطائفية بين الناس، ما هي إلا شمّاعة تستغلها الأنظمة لتجييش الشعوب حين تريد، بينما الهدف الحقيقي هو تحقيق المصلحة بعيداً عن الاختلافات الطائفية والأحقاد التاريخية.

 

لكن السؤال الذي لم نجد جواباً عليه بداية، من طلب من اللبناني أن يتخذ موقفاً ويحدد إلى جانب من يقف؟ من قال إن المطلوب من المواطن الغارق بديونه، الحائر في كيفية دفع إيجار بيته وتأمين دواء لمريضه وشراء قرطاسية لابنه مطلوب منه أن يتخذ موقفاً من كل شيء؟ لماذا يحشر اللبناني أنفه في كل ما يحدث على هذه البسيطة؟ لماذا يجب أن يقف اللبناني إلى طرف في مواجهة آخر، وما المصلحة التي سيحصّلها من هذا الوقوف، وهل ينقص اللبنانيين خلافات وانقسامات فيما بينهم، حتى يضيفوا إليها المزيد من الخلافات التي لا علاقة لهم بها؟

 

لماذا لا يدرك المواطن اللبناني أن الوقوف إلى جانب أي طرف لن يعود عليه بالنفع، وأن ما يحتاجه هو الجلوس إلى جانب أخيه اللبناني، للتعاون في كيفية الخروج من الكوارث التي حلّت بهم بسبب سلطة فاسدة تضيّق من حول أعناقهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.