شعار قسم مدونات

قيامة أرطغرل.. حكاية بطل تروي واقعنا الذليل

blogs أرطغرل

مع نهاية الحلقة الأخير من مسلسل قيامة أرطغرل والذي امتد لخمس مواسم، والتي عشنا من خلالها أحداث كبيرة ومفصلية في تاريخ أمتنا الإسلامية، في فترة طغى عليها التوتر والضعف والتخبط تارةً، والقوة والعزة تارةً أخرى، وكذلك وجود الخيانات التي كانت سبباً في ضعف الأمة. مسلسل قيامة أرطغرل، اختلفنا مع أحداثه أم اتفقنا يبقى العمل الكبير أكبر من كلمة مسلسل بما تحمل الكلمة من معنى، عملٌ سَطر معاني كبيرة لأحداث تدور في واقعنا الحالي من خلال شخصية كبيرة كـ "الغازي أرطغرل بن سليمان شاه" والد مؤسس الدولة العثمانية عثمان الأول ابن أرطغرل، الشخصية التي كان لها الأثر الأكبر في بناء وتأسيس الدولة العثمانية التي حكمت العالم لما يقارب السبعة قرون، وانتهت بخيانة عظيمة!

في البداية وقبل الخوض في معاني العمل الذي ركز على العالم الإسلامي ووحدته ورفع راية الإسلام عالياً، كلمات لن يرضى عنها الكثير مِن مَن يكرهون الدولة العثمانية او من الذين يعادون الدولة التركية الحديثة، كما أن العمل لا يرضي إخواننا في الخليج العربي مثل "السعودية والإمارات والبحرين" بسبب سياستهم ضد الدولة التركية والذين حاولوا تشوية العمل واسم البطل أرطغرل والد مؤسس الدولة التركية، حيث أن أرطغرل لم يثبت وجوده سوا من خلال عملة مسكوكة مكتوب عليها عثمان بن أرطغرل، وأن التاريخ التركي والمكتبات التركية تخلو من ذكرة، وأن أرطغرل لم يقم بأي عمل بطولي ساهم في نصرة الدين الإسلامي، بل إن الأتراك كان دورهم سلبياً اتجاه الدولة السلجوقية التي كانت تتبع إلى الدولة العباسية في تلك الفترة.

مسلسل لم يبتعد عن طرح مواضيع الخيانة والعدالة والتآمر على الدولة الإسلامية وعلى دين الله منذ الحلقة الأولى، عرض لنا المسلسل انتصارات تمت على أيدي المسلمين حتى وإن لم يكن أرطغرل هو من حققها

كاتب سيناريو هذا العمل والمخرج تحدثوا أكثر من مرة أن ما وصل اليهم من تاريخ الغازي أرطغرل لا يتجاوز ستة صفحات، وأن الأحداث التي كانت تجري هي أحداث درامية لإيصال عدة أفكار يعيشها العالم الإسلامي حالياً، "كالخيانة والعمالة والبعد عن الدين والضعف والهوان الذي تعيشه الدول الإسلامية وعدم وجدود العدالة وإقامة الحق بين الناس"، لكن المتربصين الذين يعملون لدمار هذه الأمة، والذين يتصفون بصفات هم أنفسهم يقومون بها مع الدول الغربية والاحتلال، هاجموا العمل هجوماً شرساً وكأنهم يهاجمون لتحرير الأقصى!

تابعت مسلسل أرطغرل من الحلقة الأولى إلى الحلقة الأخيرة، تعلمت من هذا العمل وفهمت منه أشياء كثيرة جداً، تعلمت منه السياسة وكيف يقام العدل على الأخ والأبن بصورة أرب ما تكون إلى الواقع تجعلك تتجلى واقع هذه الأحداث، كثيرون سيقولون التأثير كما باقي المسلسلات "باب الحارة والهيبة.. وغيرها من المسلسلات التركية"، لكن التأثر هذا كان لمعاني عزة الإسلام التي فقدناها وحرمنا منها منذ مئة عام!، تأثر رأيت من خلاله كيف تكون عزة المسلم عندما يكون على الحق ويكون متبعاً لدين الله وأوامره ومطبقاً لشرعة يعمل على رفع راية الله عالياً، وكيف يكون العدل وكيف يطبق، وأن من ينصروا الله ينصرهم ويثبت أقدامهم، ليس أن ننصر أمريكا ونثبت أقدامها، وليس أن نتأمر على الدولة العثمانية أو الأصح دولة الخلافة الإسلامية العثمانية ونعمل إزالتها من الخارطة وتقسيم دولة ركعت لها كل القوى في هذا العالم ونذهب راكعين لمن قتلنا.

مسلسل لم يبتعد عن طرح مواضيع الخيانة والعدالة والتآمر على الدولة الإسلامية وعلى دين الله منذ الحلقة الأولى، عرض لنا المسلسل انتصارات تمت على أيدي المسلمين حتى وإن لم يكن أرطغرل هو من حققها، لكن هذه الأحداث وهذه الانتصارات حدثت فعلياً وأن المسلمين لم يكونوا في ضعف كما هم عليه اليوم، حتى في فترة المغول التي أخذت حيزا كبيراً من هذا العمل كونها الفترة التي عاشها أرطغرل والتي كان المسلمون وقتها في مرحلة ضعف وهوان سيطر عليها المغول حيث قتل منهم الملايين وفرض عليهم الضرائب، هذا الضعف والهوان كان أفضل مما يعانية المسلمون اليوم.

أظهر لنا العمل أن الانتصارات لم ولن تكن بالكثرة بل أن الانتصارات تأتي بقوة الإيمان بالله تعالى "حيث استشهد الكاتب بغزوة بدر وغزوة حنين"، وتطبيق شرائعه، وأن الذين يعملون على رفع راية الله هم الفائزون، وأن الله يقف مع الذين يساندوا المظلومين وينشرون العدل بين الناس، وأن الظالمين مهما طال الزمن بهم الزمن سينكسرون وأن ظلمهم إلى زوال. عمل سطر لنا الكثير من تعاليم الإسلام السمحة، من خلال الاستشهاد بكلام الله تعالى والسنة النبوية الشريفة، وقصص الأنبياء والسلف الصالح، لم يغب المشهد الديني طوال عرض المسلسل وفي كل حلقاته، وحتى في أبسط الأحداث.

undefined

طرح لنا مسلسل قيامة أرطغرل ما يعانيه المسلمون في الوقت المعاصر من ذل وخنوع وركوع وإذلال من قبل الدول الغربية، وأن الابتعاد عن شرع الله يجعل المسلمين أذلاء ضعفاء، يعملون على إرضاء البشر دون الله، كما يعملون على تسيير أمور دينهم كما يريد سادتهم في الدول الغربية، كما هو حال الدولة السلجوقية في نهاياتها وخنوعهم للمغول، وأن العدو لن يكون يوماً عوناً لنا، مثلما عمل امراء السلاجقة على الخضوع للمغول وكانت نهايتهم على أيدي المغول. أحداث تحدثت عن مؤامرات وخيانات ساهمت في ضعف الأمة لو أمعنا النظر خارج إطار المسلسل وطبقنا الأحداث والكلام الذي كان يدور في المسلسل لوجدنا أن العمل يتحدث عن وقتنا الحاضر، وهذه هي الخطوة الذكية من القائمين على العمل حيث عملوا على إظهار أحد ابطال المسلمين وربط حياة هذا البطل بما يدور في وقتنا الحاضر.

هذا العمل التاريخي لا يوازي أي عمل عربي لأنه أفضل منها جميعاً، المسلسل أعادنا إلى الوراء لأكثر من ألف عامٍ ليحدثنا عما يجري من خيانات ومؤامرات تحدث في الأمة الإسلامية منذ مئة عام. انتهى المسلسل بتلاوة آيات من سورة الفتح، قال تعالى: "إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4)"…. إلى آخر الأيات"، حيث كان الحديث قبل هذه الأيات الكريمة من بطل المسلسل أرطغرل وهو يدعي الله "العالم الإسلامي المتشتت ينتظره نور وأمل ونجاة، اجعل منا الوسيلة لتلك النجاة، اجعلنا من حملة راية هذه الدعوة العظيمة، امنحنا النصيب بتوحيد العالم الإسلامي تحت تلك الراية، امنح القوة لسيفنا الذي يرفع من أجل العدالة، … أمين .. أمين".

اختلفنا أم اتفقنا حول تسلسل الأحداث وأدوارها تبقى أحداث لعمل درامي، خط بفكر ذهبي من خلال استغلال العمل الدرامي لنشر فكرة حول الوحدة الإسلامية والعودة إلى الله وتطبيق شرعة، والابتعاد عن الخيانة ومساندة الأعداء والوقوف بصفهم ضد أبناء دينهم، ونشر العدالة والتسامح بين الناس. انتهى مسلسل قيامة أرطغرل وانتهت معه كثير من الأحلام التي عشناها في كنف عزة ورفعة الإسلام وحب الله والدعوة لنشر دينه، سنفتقد أحداث تروي لنا عزة عشناها وما بين ذل نحن فيه، ما بين تطبيق لشرع الله وما بين ظلم يعشعش في دولنا الإسلامية المشتتة، وكيف تكون وانت مع الله وكيف تكون وانت مع الأعداء والظالمين، أسطر وكلمات وصفحات لن تعطي لهذا العمل قيمته الحقيقية. ندعو الله أن نكون ممن يرفعون رايته تحت ظل وحدة أمتنا الإسلامية..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.