شعار قسم مدونات

بين حرية أسرانا وحرية عقولنا!

blogs- السجون

ما أروع أن ترتشف قهوة الصباح، بعد أن تنفض الكرى عن عينيك؛ لتخطو بقدميك نحو فجرٍ جديدٍ من حريةٍ طالما انتظرها أبطالٌ غُيبوا قسرًا وظلمًا في زنازين الاحتلال الإسرائيلي الذي ما انفكَ يقتلُ زهورًا لم تعشْ حياتها الآدمية ولو بالحدِ الضئيلِ منها؛ بل كُتبَ لهم تحت مسمياتٍ باطلة وتهمٍ ملفقة قضاء أعمارهم في غياهيب الزنازين الإسرائيلية، حيثُ الإهمالِ الطبي والعزل الانفرادي والحرمان من زياراتِ ذويهم، وغيرها من الإجراءات التعسفية الظالمة للأسير ذويه على حدٍ سواء…!

"اعتصام أهالي الأسرى الأسبوعي" الموعد الحصري لأهالي أسرى غزة صباح كل اثنين في مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر في غزة، ومن لا يعرف مقر الصليبِ واعتصام الأسرى هو ليس بفلسطينيٍ على الإطلاق، فلا يكادُ يخلو شارعٌ ولا حيٌ إلا وبه بيتُ أسيرٍ تتجه أنظارُ عائلته كل اثنين من كل أسبوع إلى مقرالصليب الأحمرحيثُ يتعمدُ الأهالي رفعَ صور أبنائهم الأسرى، وترديد الشعارات المناوئة لظلمِ من تُسمى "بإسرائيل" ومن هذه الهتافات على سبيل المثال لا الحصر "يا أسير يا ابن عمي والله لأفديك بدمي"، "هبي يا رياح الغربي وهاتي رياح الحرية"، "واضرابٍ عن الطعام حتى نحقق مطالبنا، مطالبنا شرعية حتى ننول الحرية"..

هذه الهتافات طالما أوجعتْ قادة المحتل الإسرائيلي، فهي على بساطتها وشعبيتها تحملُ دلالاتٍ عميقة، كأن تعززُ ارتباطَ الأسير بأهله، رغمًا عن قسوةِ الزنزانة وجورِ السجان الإسرائيلي وصمت وإهمال المجتمع الدولي التي ما زالتْ مؤسساته الإنسانية الدولية على كثرتها تكيلُ بمكيالين بل بأكثر وتمتهن ازدواجية المعايير فأي مجرمٍ إسرائيليٍ يقعُ تحت قبضة المقاومة الفلسطينية وجبت نصرتُه، أما فيما يتعلقُ بآلاف الأسرى في الزنازين الإسرائيلية فليس لهم إلا بندقية الثائر وسلاح المقاومة وعلى رأسها القسام، الذي اشتُهر بالمناورةِ والبطولةِ وصفعَ الاحتلال صفعاتٍ متتاليةٍ، ليس فقط بعد نجاحه في إبرام صفقة وفاء الأحرارالأولى عام ألفين وعشرة، عبر أشهر مهندسيها وأمهرهم وأحنكهم على الإطلاق الشهيد أحمد الجعبري، الذي عُرف بأنه قائد أركان المقاومة ومهندس صفقة وفاء الأحرار..

اللعب على عاطفة الجماهير، ومخاطبتهم تتطلبُ حسًا وطنيًا قبل الحس الصحفي، ذلك يستدعي أيضًا تشكيل هيئة إعلامية حاضنة لكل الأعمال الإبداعية التي تخصُ كل القضايا الوطنية الحساسة، كقضية الأسرى في زنازين الاحتلال الإسرائيلي

لا يُحبُ الاحتلال الإسرائيلي ولا قادته أن يُذكرهم أحد بصفقة وفاء الأحرار، لأن تلك الصفقة بكل أبعادها وتأثيراتها السياسية والنفسية والاجتماعية والعسكرية واللوجستية هزتْ أركانه في الصميم، وزلزتْ جيشه الذي لا يُقهر، وأصابتهم بأمراض لا حصرلها، فعاشوا في جحيمِ شعورهم بالهزيمةِ والعار، لذا فإن التركيز الإعلامي والجهادي على نضالاتِ الأسرى الذين لا زالوا في زنازين الاحتلال الإسرائيلي يجبُ أن يكون في صُلبِ كل حرٍ غيورٍ على دينه ووطنه وعرضه، تركيزٌ لا يجبُ أن يُهمش الزيارات الميدانية لبيوت الأسرى لاسيما أمهاتهم، خاصة وأن عددًا كبيرًا منهن قضى نحبه دون أن تتحقق الأمنيات باللقاء والحرية كأم فارس بارود التي قضتْ نحبها وهي تنتظر وحيدها فارس، الذي لحقها شهيدًا في زنازين الاحتلال بعد نحو عامين على رحيلها، وغيرها..

وبعيدًا عن الروتين الإعلامي في تناول قضية الأسرى، فإن استحضار الجوانب الإبداعية في حياة الأسير، تتطلبُ تنوعًا نشطًا في المادة الإعلامية والأقلام الصحفية، فلا يجب حصر قضيتهم الإنسانية العادلة في تغطيةٍ عابرةٍ لاعتصام ذويهم صباح كل اثنين، بل يجبُ أن تشمل طرق كل الأبواب المهملة، وتخصيص مساحة واسعة لهم عبر وسائل الإعلام المختلفة، مع تحفيزِ كل العقول الخلاقة لتعطي أقصى ما تستطيع من ذكاءٍ في المعالجة الصحفية، بعيدًا عن أساليب النمطيةِ والكتابةِ التي لا تتعدى حدود اللسان فلا تصلُ القلب ولا تؤثرُ في عينِ ونفسيةِ القارئ أو السامع أو المشاهد، فأصل القضايا إنساني، وما يخرجُ من القلب يصلُ إلى القلب..

إن اللعب على عاطفة الجماهير، ومخاطبتهم تتطلبُ حسًا وطنيًا قبل الحس الصحفي، ذلك يستدعي أيضًا تشكيل هيئة إعلامية حاضنة لكل الأعمال الإبداعية التي تخصُ كل القضايا الوطنية الحساسة، كقضية الأسرى في زنازين الاحتلال الإسرائيلي ومسيرات العودة الكبرى، وإحياء المناسبات الوطنية كذكرى يوم النكبة وملف العودة واللاجئين، فلا يعقل أن يتم استحضار مثل هذه القضايا بشكلٍ موسميٍ فقط.. إن نكهةَ أي عملٍ إعلاميٍ خالصٍ لوجه الله تعالى ومخلصٍ لأجل الوطن والدين والقضية والثوابت، تبرزُ حين نولي اهتمامًا خالصًا بكل النوابغ والفروق الفردية لدى المؤثرين في الساحة الإعلامية، أولئك الذين آتاهم الله من العلم والموهبة ما لم يؤتيه لغيرهم، هؤلاء يجبُ آلا نستهين بذكائهم الفطري، وآلا نتهمهم بأنهم متعالين على غيرهم، بل علينا أن نستفيد من تجارب الغرب في احتضانهم والأخذ بأيديهم إلى أعلى ساحات النبوع والطموح، لأن نبوغهم أول ما يستفيد منه إلا صناع القرار وحماة الوطن والديار، ومن يتبنون خيار المقاومةِ والدفاع عن الحقوق والثوابت..

لن تُهزم أمة، تعتني جيدًا بعقولِ مبدعيها، وتعرف كيف توظفهم لخدمةِ أهدافها التحررية، فحرية الإنسان تكمنُ من احترام عقله وطموحه، وتحريره من النمطية والروتين والجمود الفكري؛ فلا نظلمه بحجةِ القرارات الإدارية البيروقراطية التي لا تقف في معظمها مع الإبداعِ والتفكير خارج النص، فعندما نحترمُ مبدعينا ونحررُ عقولهم من إملاءاتنا الظالمة، حتمًا سننجحُ في إيلامِ أعداءِ أمتنا أكثر وأكثر، فأكثر ما يأكلُ الاحتلال أن يجدَ فينا وبيننا نابغين يعرفون كيفَ يهزمونه نفسيًا وإعلاميًا بعقولهم ومهاراتهم وحسهم الصحفي ونبوغهم الفكري..

فهل ننجح في إحداثِ ثورةٍ عارمة في وسائل إعلامنا المحلية،لنخطو بكل قضايانا المصيرية نحو الحريةِ لنصلي في يومٍ قريبٍ في مسجدنا الأقصى المبارك، يحمينا جميعًا سلاح المقاومةِ ويؤمنا سويًا محمد الضيف قائد القسام وخلفه كل أسرانا وأسيراتنا في سجون الاحتلال الإسرائيلي.. أختم بما قاله أبو عمار الشهيد ياسر عرفات "يرونها بعيدة، ونراها قريبة، وإنا لمنتصرون بإذن الله".. إلى المعنيين لطفًا.. تمعنوا فيها..!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.