شعار قسم مدونات

ولاية تركيا.. حقيقة زراعة داعش والقاعدة بجوار خطوط الغاز

blogs أبو بكر البغدادي

ظهر زعيم تنظيم الدولة الٍإسلامية أواخر إبريل الماضي في شريط مصور ويحمل مجلة في يده تحمل عنوان (ولاية تركيا)، الأمر الذي أثار حفيظة وقلق الكثيرين من محبي تركيا، فيما فسرها البعض بنية داعش للانتقام من تركيا بعد أن طردتها من معاقلها في مدينة الباب بشمال حلب قبل سنتين.

 

إلا أن المتتبع لتاريخ الحركات الجهادية المتطرفة وأماكن انتشارها في أفغانستان وسوريا والعراق وليبيا ومصر ونيجيريا، يلاحظ تلازم وجود تلك الحركات بجوار خطوط نقل الغاز، مما يوحي بأن الأطراف الداعمة والممولة لتلك التنظيمات لها دوافع اقتصادية وجيوسياسية معينة، أو أن هناك صفقات تعقدها قوي إقليمية مع تلك التنظيمات لتمويلها مقابل تمركزها في تلك الاماكن لأغراض ونوايا غامضة.

  

من بدأ الفكرة؟

بدأت فكرة دعم وتمويل الجماعات الجهادية في الثمانينيات من القرن الماضي، بعد الدعم الأمريكي الكبير للمجاهدين الأفغان ضد الغزو السوفيتي، وبعد انتهاء الحرب ورجوع بعض المجاهدين لبلادهم الأصلية شنت الأنظمة المحلية حربا شاملة ضدهم في القضاء والإعلام بغرض تصفيتهم، بسبب الخوف من تحول بعضهم لمواجهة تلك الأنظمة المستبدة، وهو ما حدث في مصر والسعودية، في بدايات التسعينات، كما حاول بعض الجهاديين اغتيال الرئيس المصري السابق مبارك في أثيوبيا بدعم من النظام السوداني وقتها، الأمر الذي زاد من التنكيل الأمني بتلك الجماعات وقيادتها، مما دفعهم لتغيير استراتيجيتهم القائمة على قتال العدو المحلي، وقرروا قتال أمريكا ومصالحها بصفتها العدو الأكبر الداعم لتلك الأنظمة، وهو ما دفع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن للسفر لأفغانستان عام 1996، بعد دخول طالبان للعاصمة كابل في أواخر ذلك العام.

 

قامت طالبان عبر دعم إيراني روسي بمواجهة الجيش الأمريكي في أفغانستان لمدة 18 سنة، حيث تتقاطع مصالح روسيا وإيران مع رغبة طالبان والقاعدة بضرب مصالح أمريكا في أفغانستان
طالبان تتحالف مع القاعدة

مع اكتشاف كميات ضخمة من الغاز في تركمنستان شمال أفغانستان، برزت فكرة مد خط غاز لنقله إلى باكستان والهند مرورا بأفغانستان وتم توقيع العقد من قبل رئيس تركمنستان وحكومة باكستان عام 1995 مع شركة يونيكال الأمريكية، ومع تفتت الحكم في أفغانستان بين 3 فرق متناحرة، رأت أمريكا دعم حركة طالبان التي نشأت حديثا مقابل دعمها لتمرير أنبوب الغاز، وفعلا خرج مجموعات من طالبان من الحدود الباكستانية وتم الاستيلاء على العاصمة كابل في سبتمبر 1996، وأعقبه التفاوض بين طالبان وأمريكا في هيوستن عام 1997 حول شروط مد خط الغاز.

 

إلا أن قائد تنظيم الجهاد المصري أيمن الظواهري قد ظهر في المشهد الأفغاني فجأة منتصف 1997 في جلال أباد، بعد أن تم سجنه في ديسمبر 1996 في روسيا 6 أشهر لدخوله داغستان بطريقة غير شرعية، حيث قام بالتحالف مع أسامة بن لادن مشكلا ما يسمي قاعدة الجهاد ضد المصالح الأمريكية حول العالم في فبراير 1998.

 

ونتج عن ذلك التحالف قيام عدة تفجيرات ضد سفارات أمريكا في تنزانيا وكينيا، ورفضت طالبان تسليم بن لادن، الأمر الذي فسرته أمريكا بأنها خدعت من قبل طالبان، وتم تجميد مفاوضات تمديد خط الغاز عبر أفغانستان، وهددتها أمريكا بتنفيذ الخط أو بالحرب، وهو ما حدث بعد هجمات 11 سبتمبر، وقامت بعد إسقاط نظام طالبان بتنصيب حامد كرزاي أحد مستشاري شركة يونيكال الأمريكية كرئيس لأفغانستان.

 

قامت طالبان عبر دعم إيراني روسي بمواجهة الجيش الأمريكي في أفغانستان لمدة 18 سنة، حيث تتقاطع مصالح روسيا وإيران مع رغبة طالبان والقاعدة بضرب مصالح أمريكا في أفغانستان، بعدما عرقلت أمريكا تمديد خط الغاز الإيراني الواصل بين إيران وباكستان، عبر فرض عقوبات على إيران، كما تريد روسيا طرد أمريكا وشركاتها من الحديقة الخلفية لروسيا، لمنعها من الإستحواذ على ثروات الغاز في أسيا الوسطي.

 

من كشف الصفقة

كشف مجموعة من الأعضاء المنشقين من حركة طالبان عن حجم التسليح الروسي والإيراني لحركة طالبان، كما كشف عميل المخابرات الروسي المنشق إليسكندر ليتفينينكو قبل اغتياله عام 2006، لصحيفة بولندية عن تجنيد المخابرات الروسية لأيمن الظواهري عندما تم الإمساك به إثر دخوله الأراضي الروسية بطريقة غير شرعية نهاية 1996، وبعد تلك التصريحات بشهور تم اغتيال ذلك العميل عن طريق تسميمه بالبلوتينوم المشع في أحد فنادق لندن، بما يشير لتورط روسيا باغتياله عقب كشفه لمعلومات سرية.

 

داعش والثورة السورية

وقعت إيران في يوليو 2011، مع العراق وسوريا عقد لتمديد خط غاز من إيران إلى أوروبا عبر العراق وسوريا ولبنان وقبرص حتى يصل إلى اليونان، وبعدها بشهور قليلة اندلعت الثورة السورية المسلحة، وكان الدعم الأمريكي واضح للثورة السورية لرفضها مشروع الغاز الإيراني.

 

أدي ظهور داعش حول الهلال النفطي في مدينة سرت الليبية عام 2014، إلى مسارعة الغرب لتقديم الدعم لحفتر لمحاربة التنظيم المتطرف وضم هذا الجزء الحيوي لمنطقة نفوذه

وفي ظل الانفلات الأمني في الشمال العراقي ظهر فجأة في منتصف 2014 تنظيم تابع للقاعدة يسمي بدولة العراق الإسلامية، إلا إنه انشق عن التنظيم الأم وأعلن عن قيام الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) عقب اجتياحه لمساحات كبيرة في المناطق الحدودية بين العراق وسوريا، وهي بالصدفة نفس المنطقة التي يفترض مرور خط الغاز الإيراني، وقامت أمريكا بإسقاط اسلحة له بالخطأ عدة مرات، الأمر الذي دعا الرئيس التركي أردوغان للفت أنظار العالم للدعم الأمريكي الخفي لذلك التنظيم.

 

كان الغرض الوظيفي لتمدد داعش كما تبين لاحقا هو خلق المبرر لتسليح الميليشيات الكردية لاحتلال تلك المساحة الشاسعة التي يحتلها التنظيم، ومن ثم محاولة تكوين دويلة كردية في الشمال السوري تابعة لأمريكا تحاصر تركيا من الجنوب تعرقل مرور خط الغاز الإيراني، بالتوازي مع دعم المعارضة السورية لإسقاط الأسد وهو ما تم بوتيرة متسارعة في 2015، إلا ان دخول روسيا لحلبة المعركة في أكتوبر 2015، قد أوقف مخطط إسقاط الأسد.

 

داعش في نيجيريا

ظهرت جماعة بوكو حرام عام 2002 بشمال نيجيريا وهو نفس العام الذي تم توقيع عقد لمد خط غاز من شمال نيجيريا لأوروبا عبر النيجر والجزائر، ومع عودة المشروع للمناقشة مرة أخري عام 2009 وتوقيع وزير الطاقة الجزائري على اتفاق لإنشاء الأنبوب مع الجانب النيجيري، عاود نشاط تلك الجماعة للظهور، الأمر الذي يدعو للربط بينها وبين الجهات الداعمة لها، والرافضة لمشروع تمديد خد الغاز، خصوصا بعد اتفاق شركة غاز بروم الروسية مع الحكومة النيجرية لاستثمار 2.5 مليار دولار في التنقيب عن الغاز.

 

دخول روسيا لسوق الغاز النيجيري بقوة، تزامن مع زيادة نشاط جماعة بوكو حرام التي تمددت عام 2014 بصورة كبيرة واستولت على مساحات كبيرة من الشمال النيجيري بعد مبايعتها لداعش، كما رفضت أمريكا طلب الرئيس النيجيري السابق جوناثان عام 2014 التدخل لمحاربة بوكو حرام، لكن بعد انتخاب الرئيس النيجري الحالي محمد بخاري عام 2015، تم تشكل قوة من عدة دول إفريقية برعاية فرنسية لمحاربة بوكو حرام، بالتوازي مع توقيع اتفاق لنقل خط الغاز نحو غرب أفريقيا، بعيدا عن أيادي شركة غاز بروم الروسية، حيث أعلنت شركة بينسبن البريطانية عن فوزها بالمناقصة لتصميم تنفيذ المرحلة الأولي من المشروع. حيث ترفض أوروبا دخول الشركات الروسية في أي مشروع لنقل الغاز لأوروبا، تجنبا لاستخدام الغاز كوسيلة للضغط السياسي، في إطار الحفاظ على أمن الطاقة الأوروبي.

 

داعش ليبيا ومصر

أدي ظهور داعش حول الهلال النفطي في مدينة سرت الليبية عام 2014، إلى مسارعة الغرب لتقديم الدعم لحفتر لمحاربة التنظيم المتطرف وضم هذا الجزء الحيوي لمنطقة نفوذه، كما أن وجود داعش في صحراء سيناء كل تلك السنوات يساهم في التجهيز لصفقة القرن الرامية لتوطين الفلسطينيين في سيناء، حيث قام السيسي بتفريغ مدينة رفح المصرية من السكان كمرحلة أولي لتفريغ شمال سيناء بحجة محاربة الإرهاب.

 

ولاية تركيا

أتمت تركيا إتمام الجزء الأكبر من مشروعي السيل التركي وخط الغاز الأذري لأوروبا، ضمن استراتيجيتها بالتحالف مع روسيا في مشاريع نقل الغاز لأوروبا، على غير رغبة أمريكا، التي ترغب في حصار الغاز الروسي ومنع تمديد المزيد من الأنابيب الروسية لأوروبا، لذلك ليس مستغرب أن يتم الدفع بعناصر من تنظيم داعش لمهاجمة خطوط الغاز المارة بتركيا، في إطار التحالف السري بين داعش والمخابرات الأمريكية.

 

مخدوعون أم خونة؟

هل يدرك العناصر التي يتم استقطابها من قبل التنظيم أبعاد اللعبة السياسية وكيفية الاستخدام السياسي الجماعات الجهادية من قبل الدول الكبرى في إطار صراع المصالح بينهم؟ ربما يخدع الخطاب الحماسي لتلك الجماعات الجهاية كثيرا من الشباب الإسلامي الطامح لنصرة دينه على قوى الاستعمار الخارجي، وإنشاء دولة الإسلام النموذجية، لكن ينبغي على قيادات الجماعات الإسلامية المعتدلة رفع الوعي السياسي لشبابها لمنعهم من الوقوع في أفخاخ تلك الجماعات التي قد يستغلها مخابرات الدول المعادية لتحقيق أهدافهم بإشعال الصراعات في البلاد التي ترفض الرضوخ لمخططاتهم الاقتصادية الرامية للسيطرة على ثروات الشعوب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.