شعار قسم مدونات

كيف يعيد المشروع الأمريكي للسلام رسم خرائط المنطقة؟

blogs نتنياهو وترمب

تتسارع الأحداث في الشرق الأوسط والمنطقة العربية مع اقتراب إعلان الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" مبادرته للسلام المشهورة باسم "صفقة القرن" التي كان مقرراً الكشف عنها بعيد الانتخابات الإسرائيلية، ويبدو أنه أجل طرحها للعلن لاعتبارات تاريخية وترتيبات سياسية آخرها كان الانقلاب العسكري في السودان.

يبدو أن الإعلان الأمريكي للصفقة سيتزامن تاريخياً مع ذكرى النكبة الفلسطينية الكبرى في 15 آيار/ مايو، ذلك اليوم الذي هجر فيه أكثر من 800 ألف فلسطيني وطردوا قسرا من قراهم وبيوتهم حيث خرجوا لا يحملون معهم سوى مفاتيح بيوتهم.. وآمال العودة إلى ديارهم التي تدور حولها مؤامرة صفقة "ترامب" التي رسم ملامحها مستشاره وصهره الصهيوني "جاريد كوشنر".

تعود الملامح الأولية لـ"صفقة القرن" لمبادرة قدمها الجنرال "جيورا إيلاند" الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، يقترح فيها إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، بعد مضاعفة مساحة غزة، محدداً شروط وآليات التوصل إلى اتفاق إقليمي في عدة عوامل، منها ضم مساحة من سيناء على طول ساحل البحر المتوسط إلى الدولة الفلسطينية الجديدة، وتكون مساحة تلك المنطقة حوالى 600 كيلومتر مربع، تلك المساحة كبيرة بما يكفى لبناء ميناء بحرى جديد ومدينة سكنية جديدة تتسع لمليون نسمة، إلى جانب بناء مطار كبير في الجنوب الغربي يكون بعيدا عن الحدود الإسرائيلية قدر الإمكان، وبهذا تكون مساحة تلك المنطقة تعادل ما يقرب من 13 بالمئة من مساحة الضفة الغربية.

أرضنا لنا لا يملك أحد حق التنازل عنها أو إهدائها لمن لا يستحق ومهما طال الزمان ستعود لأهلها وأصحابها وستلفظ المحتلين في فارقة تاريخية ليست عنا ببعيد

وتتضمن مبادرة "إيلاند" ضم الأراضي الأردنية المجاورة لنهر الأردن إلى سيادة الدولة الفلسطينية الجديدة، وستعطى الأولوية للفلسطينيين للعيش في تلك المنطقة، كما يتم تعويض الأردن عن تلك المنطقة عن طريق ضم أراض مجاورة تخضع لسيادة السعودية، لأن مصر يجب ألا تكون الدولة الوحيدة التي تخلت عن أراض لحل القضية.

ويقترح "إيلاند" ضم نحو 13 بالمئة من الضفة الغربية إلى الأراضي الإسرائيلية، والمنطقة المقصودة والمراد ضمها تتبع المسار الأصلي للجدار الأمني، وتتخلى إسرائيل لمصر عن منطقة داخل صحراء النقب في جنوب سيناء على طول الحدود، ويتم تحديد حجم هذه المنطقة في مفاوضات متعددة الأطراف، وتسمح إسرائيل لمصر بحفر نفق عبر أراضيها يربط بين مصر والأردن، مما يسهل حركة النقل والسفر بين مصر ودول الخليج، ويكون هذا النفق تحت السيادة المصرية الكاملة.

الصفقة في نسختها الجديدة وإن كانت تتضمن الكثير من الجوانب الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية والثقافية والاجتماعية، وحسب مهندسها "كوشنر" تركز "على ترسيم الحدود" بين إسرائيل والفلسطينيين، إلا أنها وبشكل غير معلن تعيد رسم خرائط المنطقة المحيطة بفلسطين المحتلة وصولا إلى السودان، حيث تتم عمليات تبادل الأراضي بين دول المنطقة كتنازل مصر عن تيران وصنافير لصالح السعودية مقابل تخلي المملكة عن جزء من أراضيها لاحقاً للأردن مقابل ما ستتنازل عنه للفلسطينيين وهو ما ستعوضه مصر بحصولها على اعتراف من القيادة السودانية الجديدة بسيادتها على حلايب وشلاتين.

ويضاف لما سبق من التغييرات على الأرض اعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان وقريبا على ما تبقى تحت احتلالها من مزارع شبعا اللبنانية ونقل السفارة الأمريكية في تل أبيب إلى القدس ما يعني إخراج القدس من التفاوض المصاحب لفرض الصفقة بين الفلسطينيين والعرب من جهة والكيان الصهيوني الغاصب من جهة أخرى.

"كوشنر" في طرحه الجديد لا يريد للكيان الغاصب أن يتخلى عن المنطقة التي اقترح "إيلاند" إعطاءها لمصر في جنوب النقب، مقابل حصولها على "حلايب وشلاتين" وهي من الفوارق بين الصفقتين، بالإضافة إلى الترتيبات الاقتصادي التي تقدمها الصفقة الجديدة التي تغري الفلسطينيين بتحويل غزة الكبرى "الوطن البديل" إلى سنغافورة الشرق الأوسط، والبداية من مدينة "نيوم" القريبة جغرافياً من سيناء ما يعني إحياء المنطقة المنهكة اقتصادياً خاصة فلسطين "الجديدة" ومصر والأردن الغارقتين والمهددتين بالانفجار جراء تردي الأوضاع الحياتية والاقتصادية، وهو المدخل الذي تحرك منه "كوشنر" حيث بدا الجانب الاقتصادي محور جولته الأخيرة في المنطقة أواخر شباط / فبراير.

الجولة التي سبقها عمليات تطبيع عربية متسارعة مع الكيان الصهيوني الغاصب بدت بصورة فاقعة في معظم دول الخليج العربي التي أوفدت إلى تل أبيب من يزورها ويفك حصارها في المنطقة واستقبلت "نتنياهو" ووفود سياسية ورياضية في عواصمها، ثم المؤتمر الشهير في "وارسو" حيث جلس ممثلو الدول الخليجية مع "نتنياهو" على طاولة واحدة لتشكيل حالف بزعم مواجهة النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة بعد احتلالها لأربعة عواصم عربية وتهديدها لأمن المنطقة وزعزعة الاستقرار فيها.

ولكن المؤتمر لم يخرج بأية نتائج تذكر سوى إعادة تفعيل ما يسمى بـ "الناتو العربي" بالتنسيق والتعاون الكامل مع دولة الكيان الصهيوني وإشراف الولايات المتحدة الأمريكية التي وقعت عقود أسلحة خلال الفترة الماضية مع الدول الخليجية تجاوزت قيمتها تريليون دولار كانت حصة الأسد فيها للسعودية بإدارتها الجديدة.

تؤشر هذه التطورات بما لا يدع مجالاً للشك أن صفقة القرن التي ظنها البعض أوهاماً، بات معظمها أمراً واقعاً على الأرض بانتظار ترتيباتها النهائية وخروجها من السرية إلى العلن، ولكنها لن تغير من الحقيقة الكبرى شيئاً فأرضنا لنا لا يملك أحد حق التنازل عنها أو إهدائها لمن لا يستحق ومهما طال الزمان ستعود لأهلها وأصحابها وستلفظ المحتلين في فارقة تاريخية ليست عنا ببعيد والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.