شعار قسم مدونات

لم يغلب الحب لا روم ولا عرب!

blogs حب

"وكلُّ شيءٍ لنيرانِ الهوى حَطَبُ

لم يغلب الحُبّ لا رومٌ ولا عَرَبُ

هم غلبوني تمامًا عندما انغَلَبُوا

وهم سَقُونِي من الهجرانِ ما شَرِبُوا

والسُّمُ أولُ مَن يُسقَى به الطاهِيْ! .."

تميم البرغوثي

  

لم أمرّ بالحبّ ولا أعلم لغته أو حقيقة ماهيته أو ألم لوعته أو جرح فراقه، ولكن هذا لا يعني بأني لست بارعاً فيه! فقد قيل بأن أعرف الناس بالحبّ هم أجهلهم به! فكشاب عشريني متعلم على سبيل النجاة، ينظر عما يدور حوله من غرائب قصص الحبّ والعشق محاولاً فهم ذاك الشيء الذي أمات وأحيا أمما، تسعى باحثاً جاهداً للوصول للإجابة إلى العديد من الأسئلة التي قد تحدبّ العقل لشدة ما رأيناه أو سمعناه، مثل:

– هل أنّ الحب اضطّراري خارج عن الاختيار أو أنه امر اختياريّ؟!

– وما الداعي لأنّ يتلذذ المحب بحبه حتى وإنّ لم يظفر بحبيبته؟!

– وهل ما روي أنّه من عشق فكتم وعف وصبر فمات، فهو شهيد؟!

 

وقبل أن أسعى للدندنة على الأسئلة أعلاه أنقل جملة بسيطة من غرائب القصص التي قرأتها بين حصيلة من الكتب التي تحدثت عن الحبّ أو احدى معانيه كطوق الحمامة لابن حزم أو روضة المحبين لابن قيم الزوجية والعديد من ذلك … وقد كان النقل من القصص التي تدور حول حال الرجال من الألم والأسف الذي ألمّ بهم، فلم تكن المرأة دائماً هي المغبونة والآسفة فقط على الحبّ رغم رقة مشاعرها ورهفة أحاسيسها، وإنما كانت الإنسانية (ذكوراً وإناثاً) بشكل عام.

    undefined

   

أُحبّها وتُحبني.. ويحبُ ناقتَها بعيري

النعمان بن المنذر، كان ملك الحيرة قبيح الهيئة، وكانت زوجته تلقب (المتجردة) أجمل نساء زمانها، وكان النعمان يغار عليها لدرجة الجنون وفي ذات يوم شاهدها الشاعر النابغة الذبياني المعروف، الذي نال حظه كبيرة عند النعمان حتى قيل إن النعمان دفع مائة ناقة من الإبل السود عندما صادفها فجأة في قصر النعمان (الخورنق) وبرغم انها انحنت لتلتقط ازارها الذي سقط على الأرض لتداري حسنها، الا أن النابغة الذي صدم من جمالها، لم يستطع أن يكبح جماح نفسه، وانشد قصيدته الشهيرة التي يقول مطلعها:

سَقَطَ النّصيفُ، ولم تُرِدْ إسقاطَهُ …. فتناولتهُ واتقتنا باليدِ

 

وقبل أن يفيق من سكرة الشعر كان سيف النعمان يطلب رأسه، فظل هارباً لعشرات السنين ،وظل يكتب اعتذاراته الشهيرة للنعمان، وكان الشاعر المنخل اليشكري من أجمل فتيان العرب وأرقهم شعراً، الى أن قادته أقدامه التعيسة الى قصر النعمان ،وأصبح أحد ندمائه ، وبطريقة أو أخرى شاهد المتجردة فوقع في هواها، وأصبح لا يغادر (قصر الخورنق) إلا من أجل أن يعود اليه، و تناثرت الروايات عن علاقة بين المنخل والمتجردة وكان ضيوف الحيرة، يتهامسون في حضرة النعمان بأن أولاد المتجردة من النعمان يشبهون المنخل، ووصلت الهمسات الى النعمان، فقبض على المنخل وأمر بإحراق جثته!، وأن يذرى رمادها في الرياح حتى لا يتعرف أحد على مكان قبر المنخل، وأصدر أمراً بأن يلقى نفس جزائه كل من يذكر اسمه ولو بالمصادفة أو ينشد قصائده! والمحزن أن خطة النعمان نجحت في القضاء على كل أثر للشاعر والانسان، الذي لا نجد عنه شيئا في ذاكرة التاريخ، باستثناء هذه القصيدة التي نجحت في التصدي لسيوف النعمان، وحفظها الرواة عن ظهر قلب من شدة جمالها وعذوبتها، والتي تعد من الطف الغزل في الشعر العربي.

  

ولَقد دَخَلتُ على الفَتاةِ الخِدرِ في اليَومِ المَطيرِ

الكاعِبُ الحَسناءُ تَرفِلُ في الدِّمَقسِ وفي الحَريرِ

فَدَفَعتُها فَتَدافَعَتْ مَشيَ القَطاةِ إلى الغَديرِ

وأُحِبُّها وتُحِبُّني ويُحِبُّ ناقَتُها بَعيري

 

كُثيّر عزة

دخل كُثيّر عزة على عبد الملك بن مروان وكان أميراً للمؤمنين، فقال له: حدثني بأعجب ما لقيت من عزة، فقال: حججت عاماً وحجت عزة مع زوجها ولا عِلمَ لأحدنا بصاحبه، فأمرها زوجها أن تبتغي سَمنًا لتصلح به طعاماً لرفقته، فجعلت تطوف على الخيام حتى دخلت خيمتي وكنت أبري سهمًا؛ فلما رأيتها جعلت أبري ذراعي وما أشعر حتى بريت اللحم وصار الدم يسيل! فدخلت وأمسكت بيدي وجعلت تمسح الدم بثوبها، وكان عندي نِحيُ سَمنٍ فحلفت عليها لتأخذنَّه فأخذته وانصرفت. وعندما رأى زوجها الدم في ثوبها سألها عنه فكتمته فحلق عليها حتى أخبرته؛ فشتمها وأمرها أن تذهب معه حتى تقف على كُثيّر وتشتمه، وفي ذلك أقول يا أمير المؤمنين:

  

يُكلِّفُهَا الغيرَانُ شَتْمِي، وما بِهَا . . هوَانِي ولكِنْ لِلمَلِيكِ اسْتَذَلَّتِ

هَنِيئًا مَرِيئًا غيرَ دَاءٍ مُخامِرٍ . . لِعَزَّةَ مِن أعرَاضِنَا ما اسْتحَلَّتِ

أسِيئِي بِنا أو أحسِنِي، لا مَلومَةً . . لدَينَا ولا مَقلِيَّةً إنْ تَقَلَّتِ

 

 

طلق امرأته ليتزوجها شقيقه!

عن عبد الملك بن عمير أنه قال: كان أخوان من ثقيف من بني كنّة، بينهما من التحابّ شيء لا يعلمه إلا الله، وكل واحد منهما أخوه عنده عدل نفسه، فخرج الأكبر منهما إلى سفر له وله امرأة، فأوصى أخاه بحاجة أهله، فبينا المقيم في دار الظاعن إذ مرت امرأة أخيه في درع تجوز من بيت إلى بيت، وكانت من أجمل البشر، فرأى شيئًا حيّره، فلما رأته ولت ووضعت يدها على رأسها ودخلت بيتًا، ووقع حبها في قلبه، فجعل يذوب وينحل جسمه ويتغير لونه، وقدم أخوه فقال: ما لك يا أخي متغيرًا؟! ما وجعك؟! قال: ما بي من وجع، فدعا له الأطباء فلم يقف أحد على دائه غير الحارث بن كلدة وكان طبيبًا، فقال: أرى عينين صحيحتين، وما أدري ما هذا الوجع، وما أظنه إلا عاشقًا، فقال له أخوه: سبحان الله، أسألك عن وجع أخي وأنت تستهزئ بي، فقال: ما فعلت، وسأسقيه شرابًا عندي، فإن كان عاشقًا فسيتبين لكم، فأتاه بشراب فجعل يسقيه قليلاً قليلاً، فلما أخذه الشراب هاج وقال:

  

ألمّ بي على الأبيـات … من خيف نزرهنه

غزالٌ ما رأيت اليوم … في دور بني كِنّه

أسيل الخد مربـوب … وفي منطقـه عِنـه

  

فقال: أنت طبيب العرب، فبمن؟! قال: سأعيد له الشراب، ولعله يسمي، فأعاد له الشراب فسمى المرأة، فطلقها أخوه ليتزوجها، فقال المريض: على كذا وكذا إن تزوجتها، فقضى ولم يتزوجها.

   

من الممكن الإيجاز بأنّ الحبّ عطاءٌ من الله لعبده، وعطاءه ليس إكراماً ولا منعه إهانة!، إنما العطاء ابتلاء والمنع دواء، فعلينا أن نحسن في استعمال عطاءه لنا

قد لا يسع المقام لسرد المزيد من غرائب القصص والوقوف على أبعادها ومراميها، أو أن نفقه جوانبها المختلفة من خلال تجربة واحدة، أو من خلال قراءة عابرة خاطفة، لأنه فيه من الغرائب والعجائب ما يكفي أن يفضي المرء السليم الى المرض أو الجنون أو حتّى الموت. ولعلّ ذلك ما أوصل شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله – في التعليق على مقامات العاشق، فقد كتب بخطه كما نقل تلميذه ابن القيم – رحمه الله – كما قرأت في كتابه روضة المحبين ونزهة المشتاقين، فقال: " فالعاشق له ثلاث مقامات ابتداء وتوسط ونهاية أما ابتداؤه فواجب عليه فيه كتمان ذلك وعدم إفشائه للخلق مراعيا في ذلك شرائط الفتوة من العفة مع القدرة فإن زاد به الحال إلى المقام الأوسط فلا بأس بإعلام محبوبه بمحبته إياه فيخف بإعلامه وشكواه إليه ما يجد منه ويحذر من اطلاع الناس على ذلك؛ ( والمقام فيه تفصيل وقضاء وفقه واقع) ويكمل .. فإن زاد به الأمر حتى خرج عن الحدود والضوابط التحق بالمجانين والموسوسين (تماماً أشبه بالقصص أعلاه). وكنت قد كتبت مسبقاً مدونة بعنوان "كنّ فقيهاً في الحبّ" أوضحت فيها بعض المفاهيم التي يجب ألا تغيب عن المؤمن الفطن.

     

ولكن من الممكن الإيجاز بأنّ الحبّ عطاءٌ من الله لعبده، وعطاءه ليس إكراماً ولا منعه إهانة!، إنما العطاء ابتلاء والمنع دواء، فعلينا أن نحسن في استعمال عطاءه لنا، حتّى وإن كان من الصعب أن نتحكم في ذلك فهذا هو حال القلب!،علينا أن نسعى جاهدين بكل ما أؤتينا من قوة فالعزائم المتراخية تنكص بأصحابها، نعم.. قد نجد كل السبل مغلقة في ظل ضعف النفس وقوة العاطفة وعدم القدرة على مجابهة كل ذلك. ولكنّ بعد زمن وفي لحظة فارقة سنشفى وتسمو النفس وتتخطى كل ما هو دنياوي " فوالله ما كانّ الحبّ بكثرة الوصل أو الوصول ولا بجميل الكلمات خلسة وانما هو ما وقر في القلب تحت مظلة العقل والفقه وأبى الخروج الى في كنف الله ورضاه، فقد أفلح من أحسن في ذاك سبيلا، وقد خاب وخسر من رضي دون بديلاً".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.