شعار قسم مدونات

المعارضة السودانية تضيق الخناق على الحكومة

blogs السودان

تتوالى الأحداث سراعاً في السودان، ولعل أبرز الأحداث في لفترة الماضية هو إعلان مجموعة كبيرة من أحزاب المعارضة المنخرطة في الحكومة، انسحابها وتضامنها مع الشعب السوداني في المطالبة بالتغيير والحريات. وتشمل هذه الأحزاب كل من الجبهة الوطنية للتغيير في السودان والتي تضم 22 حزباً، إضافة لحزب الأمة الإصلاح والتجديد. وخلال البيان قدمت طلباً عاجلاً لحل الحكومة الاتحادية والبرلمان، إلى جانب حل حكومات الولائية وبرلماناتها. كما طالب البيان بتشكيل مجلس سيادة وحكومة انتقالية تجمع الكفاءات من الشعب السوداني، ومن ثم تحديد جدول زمني لإجراء انتخابات نزيهة.
 
والمتتبع للأحداث يجد أن الانسحاب خطوة متوقعة من هذه الأحزاب، والسبب هو الخلاف مع الحكومة في العديد من القضايا أبرزها تعديل الدستور لإعادة الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية مدى الحياة، وقد تمت إثارة هذا الموضوع في الأيام الماضية من جديد تمهيداً لرفعه للبرلمان، على الرغم من التظاهرات الشعبية التي تطالب بتغيير النظام. ومما ساهم أيضاً في عملية الانسحاب، الاختلاف حول التعديلات في قانون الانتخابات والذي واجه معارضة شديدة من هذه الأحزاب، والسبب أن العديد منهم يرى أن هذه التعديلات تحتوي بعض التفاصيل التي تفتح باب الشكوك أمام نزاهة الانتخابات.
 
كثير من النشطاء قابلوا هذا الإعلان بالرفض بدعوى أن هذه الأحزاب تريد أن تتسلق الثورة، وإن كان لهذا الرأي وجه إلا أن ما تقتضيه المرحلة هو وقوف الجميع بمختلف خلفياتهم الفكرية، من أجل الوصول للهدف المشترك، أما بالنسبة للتسلق فهو ممكن إذا كان الحكم سيتم عبر مجلس ثوري! وذلك أمر مستبعد، وإنما يتم تجاوز ذلك عبر إقامة انتخابات حرة ونزيهة تلبي رغبة الشعب السوداني وتليق به. كذلك هناك بعض الاتهامات تساق لبعض منسوبي هذه الأحزاب، والبعض يرى أنه يجب إبعادهم، وعلى أي حال فإن الوقت ليس وقت تصفية الحسابات، بل يجب أن يسعى الجميع للعمل لتحقيق نظام فيه الحرية ونظام عدالة ناجزة، بحيث تتم المحاسبة وفق القانون.

على الجميع أن يتوحدوا خلف خيار الشعب السوداني ومطالبه، وعليهم التبصر لمحاولة زرع الفتنة، وألا يتنازعوا فيفشلوا وتذهب ريحهم

يمكن اعتبار هذا الموقف نقطة تحول في مسار المطالبة بالتغيير، إذ أن هذا الموقف المتخذ من القوى السياسية، والتي كانت جزءاً من الحكومة بالانضمام رسمياً لصفوف الشارع السوداني، يزيد من ترجيح كفة الشارع ويضع النظام في موقف صعب، بحيث لا يستطيع وصف المتظاهرين بأنهم قلة مندسة وغيرها من التهم، مما يضيق رقعة الخيارات المتاحة. والمتأمل في حال الشارع السوداني بعين البصيرة يجد أن الثورة هي خيار الشعب وأنها تزداد قوة مع الزمن.

إن نجاح تجمع الأحزاب بمختلف مشاربها، يحتاج إلى توحيد الموقف والرأي، ومن الجدير بالذكر ان (تجمع المهنيين السودانيين) قد برز كجسم يتبنى قضايا ومطالب الشارع، ووجدت دعواته قبولاً من الأطياف المختلفة، ولعل سبب القبول به هو عدم تبنيه أي اتجاه أو رؤية سوى المطالبة بالتغيير والحرية والعدالة، وهي مطلب موحد لمختلف الطوائف.

 

وقد أصدر التجمع بياناً يوضح المطالب العامة بتاريخ ٢ يناير الجاري، إلا أن البند الثاني يكشف عن ضعف في الرؤية السياسية وذلك حين تبنى قيام فترة انتقالية لأربع سنوات، وهو ما واجه انتقاداً من عدد من النشطاء، والسبب ان هذه الفترة طويلة جداً لفترة انتقالية، والمتعارف عليه هو أن تكون الفترة الانتقالية أقل ما يمكن لتنظيم انتخابات حرة ونزيهة يكون الخيار فيها للشعب، ويمكن النقاش بين كافة الجهات حول تفاصيل الانتخابات والدستور وآلية انتقال السلطة. والافضل لهذا التجمع هو تكوين حزب يتبنى قضايا الثورة ويضع هذه المتطلبات في شكل خطط وبرامج، حتى يتسنى له المحافظة على الثقة التي اكتسبها.

في المرحلة الحالية على الجميع أن يتوحدوا خلف خيار الشعب السوداني ومطالبه، وعليهم التبصر لمحاولة زرع الفتنة، وألا يتنازعوا فيفشلوا وتذهب ريحهم. والخطوة التي تتم بعد ذلك هي عمل فترة انتقالية، يكون المطلوب فيها عرض كل حزب لبرامجه وخططه وكيفية تنفيذها، دون شعارات أيديولوجية أو جهوية، وإنما يكون الفيصل مقدار ما تقدمه لنهضة السودان ورفاهية المواطن، ومن ثم فالقرار هو للشعب في تحديد أي جهة هي أجدر بالثقة، فالقرار له أولاً وأخيراً، طال الزمن أو قصر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.