شعار قسم مدونات

لهذه الأسباب تعد تركيا مهمة بالنسبة لأوروبا

blogs تركيا

لقد كانت أحد أهم القضايا الجيوسياسيه في أوروبا القرن التاسع عشر ما كان يطلق عليه إسم المسألة الشرقية . لقد كانت الإمبراطورية العثمانية والتي كانت تعرف عندئذ بإسم "رجل أوروبا المريض" تتفكك بسرعه ولم يكن أحد يعرف آنذاك من هي القوهة الأوروبية التي ستخلفها وعندما حل التدمير الذاتي المتمثل في الحرب العالميه الأولى في نهاية المطاف، لم يكن من المصادفة أن تلك الحرب انطلقت من البلقان وهي ملعب جيوساسي للإمبراطوريات العثمانية والنمساوية-الهنغارية والروسية .

 

لقد جاءت نهاية تلك الامبراطوريات الثلاث العظام بعد الحرب وعندما قام الحلفاء بتفسيم الإمبراطورية العثمانية، انسحب الجنرال مصطفى كمال أتاتورك والجيش التركي المهزوم إلى الأناضول حيث تمكنوا وبنجاح من هزيمة التدخل اليوناني ورفضوا لاحقا لذلك معاهدة سيفر والتي حلت مكانها معاهدة لوزان وهي المعاهدة التي مهدت الطريق لتأسيس جمهورية تركيا .

 

خلال السنوات الأولى لفترة رئاسة أردوغان للوزراء ،شهدت تركيا تحديث سريع ونمو اقتصادي قوي وبحلول سنة 2011 عندما حل الربيع العربي، كانت هناك إشادة محقه بتركيا كنموذج ناجح "للديمقراطية الإسلامية"

لقد كان طموح أتاتورك يتمثل في تحويل تركيا إلى دولة حديثة وعلمانية تنتمي إلى أوروبا والغرب وليس للشرق الأوسط ومن أجل تحقيق ذلك الهدف، حكم بشكل سلطوي وانشأ دولة هجينة مبنية على أساس حكم عسكري على أرض الواقع وديمقراطية متعددة الأحزاب وخلال فترة القرن العشرين، نتج عن ذلك الترتيب أزمات متكرره تم خلالها استبدال الديمقراطية بدكتاتوريات عسكريه مؤقته .

 

بعد سنة 1947، تأثرت السياسة التركية بشكل كبير بالحرب الباردة وفي سنة 1952 انضمت تركيا للناتو وأصبحت واحدة من حلفاء الغرب الذين لا يمكن الاستغناء عنهم ولعقود عديده استخدمت تركيا موقعها الإستراتيجي بين شرق البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود من اأجل حماية الخاصرة الجنوبية للتحالف من التعديات السوفياتية .

 

ومع ذلك بقيت تركيا كيان سياسي غير مستقر والتأرجح الدائم بين الديمقراطية والحكم العسكري أوقف تقدمها تجاه التحديث وبالنسبة لإنصار الديمقراطية من الإتراك فإن افضل أمل للبلاد كان يتمثل في اوروبا والإنضمام الرسمي للإتحاد الأوروبي هو بمثابة إشارة على انتهاء عملية التحديث تلك وبينما احتفظ العثمانيون بالسيطرة على الشرق الأوسط لقرن من الزمان فإن تركيا ستصبح عضو كامل الصلاحيات في الغرب .

 

لقد انضمت تركيا سنة 1995 إلى اتحاد جمركي مع الإتحاد الأوروبي وعند وصول حزب العدالة والتنمية الإسلامي للسلطة سنة 2002، بدت البلاد وكأنها قد توجهت نحو أوروبا وللأبد . لقد سعت حكومات حزب العدالة والتنمية بقيادة رئيس الوزراء آنذاك رجب طيب أردوغان وبالشراكة مع حركة رجل الدين الإسلامي فتح الله غولن إلى تبني إصلاحات واسعه مؤسساتية واقتصادية وقضائية بما في ذلك إلغاء عقوبة الإعدام وهو شرط مسبق ضرروري من أجل عضوية الإتحاد الأوروبي.

 

بالإضافة إلى ذلك وخلال السنوات الأولى لفترة رئاسة أردوغان للوزراء ،شهدت تركيا تحديث سريع ونمو اقتصادي قوي مما جعلها تقترب كثيرا من الإتحاد الأوروبي وبحلول سنة 2011 عندما حل الربيع العربي، كانت هناك إشادة محقه بتركيا كنموذج ناجح "للديمقراطية الإسلامية" والتي يتم فيها الجمع بين الانتخابات الحرة والنزيهة وبين حكم القانون واقتصاد السوق .

 

وبعد مضي سبع سنوات، يبدو أننا أصبحنا في عالم مختلف تماما فتركيا تستعيد وبسرعه لقبها "كرجل أوروبا المريض" ونظرا لموقعها الإستراتيجي وامكاناتها الإقتصادية والبشرية ،كان من المفترض أن تتحرك تركيا قدما بإتجاه مستقبل رائع خلال القرن الحادي والعشرين ولكن عوضا عن ذلك فإنها تتراجع نحو القرن العشرين تحت راية القومية والتوجه مجددا نحو الشرق وعوضا عن تبني التحديث الغربي، ترمي تركيا بحظوظها في الشرق الأوسط والأزمات الدائمة لتلك المنطقه.

 

من أجل كلا من الإستقرار الأوروبي والديمقراطية التركية ،يتوجب على الإتحاد الأوروبي مواجهة أزمة تركيا بالصبر والبراجماتيه المبنية على أساس المبادىء الديمقراطية الخاصة به

ان أردوغان والذي تولى الرئاسة سنة 2014 كان قد أشرف على التحديث السريع لتركيا وتراجعها السريع كذلك ولقد كانت لديه الفرصه لأن يحذو حذو آتاتورك وأن يكمل مهمة دمج تركيا بالغرب ولكنه فشل في ذلك .

 

ما الذي يفسر هذه المأساه؟ إن أحد تلك الإحتمالات هي أن أردوغان قد أصابته الثقه الزائدة خلال فترة الإزدهار الإقتصادي التي سبقت الأزمة المالية سنة 2008 وهناك إحتمالية أخرى بإنه قد أصبح يشعر بالإستياء من الغرب وذلك بسبب إذلال تعطيل عملية إنضمام تركيا للإتحاد الأوروبي وطموحاته السلطويه الخاصة به والتي سعى أخيرا لتحقيقها بشكل جدي بعد الإنقلاب العسكري الفاشل في صيف سنة 2016 .

 

على أي حال فلقد ضيع أردوغان فرصة نادرة لتركيا والعالم الإسلامي بشكل عام فبلاده تعاني حاليا من أزمة العملة وهي أزمة من صنع يده وحتى أنها يمكن أن تواجه امكانية الافلاس على المستوى الوطني وبينما يقوم بشكل متزايد بتقسيم ولاءاته بين الشرق والغرب ،فإنه يخاطر بزعزعة استقرار الشرق الأوسط بشكل أكبر. لقد اندلعت مجددا الصراعات العرقية الداخلية في تركيا-وخاصة مع الأكراد- بكامل قوتها وحتى على الرغم من أن التجارب السابقه تظهر أنه لا يمكن حلها عسكريا وبفضل أردوغان أصبحت تركيا جزءا من المشكلة في المنطقة بدلا من الحل .

 

ولكن أهمية تركيا الاستراتيجية لأوروبا ما تزال باقية فملايين المواطنين الأوروبيين هم من أصول تركية وسوف تستمر تركيا بجسر الهوه بين الشرق والغرب والشمال والجنوب علما أنه تحت ظل حكم أردوغان، لم تعد تركيا مرشحا محتملا لعضوية الإتحاد الأوروبي ولكن يجب أن يركز الإتحاد الأوروبي على تحقيق الإستقرار في تركيا وإنقاذ ديمقراطيتها .

 

في واقع الأمر فإن تركيا غير مستقره هي آخر شيء تحتاجه أوروبا وبغض النظر عن تعاطف المرء مع أردوغان أو كراهيته له فإن أمن أوربا يعتمد بشكل كبير على تركيا والتي استوعبت ملايين المهاجرين واللاجئين الهاربين من صراعات الشرق الأوسط في السنوات الاخيره ومن أجل كلا من الإستقرار الأوروبي والديمقراطية التركية ،يتوجب على الإتحاد الأوروبي مواجهة أزمة تركيا بالصبر والبراجماتيه المبنية على أساس المبادىء الديمقراطية الخاصة به.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.