شعار قسم مدونات

لماذا على السودان التحوّل للاقتصاد الأخضر؟

blogs الثروة الحيوانية بالسودان

دعني أبدأ حديثي هذا بهذه المعلومة. كلنا يسمع عن موارد السودان الطبيعية الضخمة. ولتصور ضخامة هذه الموارد إليك هذا المثال. يمتلك السودان أكثر من 130 مليون رأس من الماشية بينما تمتلك دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة حوالي 98.7 مليون رأس. لكن في المقابل يحتل السودان حالياً أسوأ المراتب في مؤشرات النمو والتطور. أكاد أجزم أن سؤالاً مركزياً يجول الآن في خواطر معظم السودانيين والمهتمين بهذا البلد وهو كيف يمكن لهذه الدولة الغنية، ذات التاريخ الطويل في النزاعات أن تحسن من اقتصادها المتدهور.. بلد كالسودان غني بموارد اقتصادية هائلة، يملك كمثال في قطاع واحد مهم كالثروة الحيوانية ما لا تملكه جميع دول الاتحاد الأوروبي لا بد وأن يتبوأ مكانة اقتصادية مرموقة بين الدول لا أن يكون ضمن قائمة الدول الأقل نمواً.

معادلة ملهمة وإرادة

نستنج من هذا المثال أن عجز السودان عن النهوض ليس سببه فقراً في الموارد، فالسودان غني بموارد طبيعية متنوعة من مياه وارضي وبترول ومعادن وثروة حيوانية وغيرها. ومع العلم بان دولاً كاليابان، فقيرة في مواردها الطبيعية قد نهضت وصارت في مصاف الدول المتقدمة، فحتى الفقر في الموارد ليس عائقاً إذا وجدت الإرادة. والسودان يملك من العقول ومن الكفاءات ما يمكن أن يوظفها التوظيف الأمثل نحو النهضة. في اعتقادي أن ما ينقص السودان هما شيئان معادلة اقتصادية جريئة وارادة نزيهة.

أما المعادلة فهي مطروحة وقد سلكت طريقها الكثير من الدول وحتى النامية منها. فها هي الجارة اثيوبيا تعمل بجد للوصول إلى هدفها من خلال استراتيجية تخرجها من نطاق الدول الأقل نمواً بحلول العام 2025 وأن تحتل مكانها بين الدول ذات الدخل المتوسط عالمياً. هذه المعادلة تكمن في التوجه نحو الاقتصاد الأخضر. وهي معادلة توزان بين ثلاثة أشياء هي الاقتصاد والمجتمع والبيئة. فالبيئة والمجتمع ونموهما واستدامتهما له ذات أهمية الاقتصاد في تطور الدول. من تجارب عديدة، نستطيع أن نجزم أن الاخلال بهذا التوازن هو دائماً سبب المشاكل والعثرات. هناك مقولة ملهمة تقول إذا كنت تعتقد أن الاقتصاد أهم من البيئة فعليك أن تجرب أن تعد النقود وأنت تكتم أنفاسك. وأما الإرادة النزيهة فتحتاج إلى منظومة عمل متكاملة على جميع المستويات تبث روح الأمل وتحفز الطاقات وتوحدها نحو الهدف وتعمل على محاربة وتقليل مثبطات النهوض كالفساد واقصاء الكفاءات والعمل على تثبيت استقرار سياسي في البلد يعمل كصمام أمان للمشروع.

أضواء في نهاية النفق
الاقتصاد الأخضر سيضمن الحفاظ على البيئة وعلى مصادرها الطبيعية وسيدخل للبلد خيارات دخل اقتصادية جديدة للبلد، مثل السياحة البيئية

في ظل الوضع الراهن ليس حالة اقتصاد السودان حالة ميؤوسا منها، فهناك مؤشرات ولنقل محفزات للسودان تدفعه للنهوض والاتجاه إلى تنمية اقتصاده ومجتمعه وبيئته من خلال اعتماد هذه المعادلة الخضراء. ومن أهم المؤشرات التي تحفز السودان للاتجاه لاعتماد هذه المعادلة ما يلي:

1- الاقتصاد السوداني الان على مفترق طرق فبعد انفصال الجنوب وذهاب معظم حقول البترول لدولة جنوب السودان لا بد للسودان أن يبحث عن مقاربة جديدة تضمن استقرار ونمو الاقتصاد وفي ذات الوقت استدامة وتنمية موارده الطبيعية.

2- عند مفترق الطرق هذا، السودان الان في موقع انتقالي مناسب يسمح له بالانتقال بسلاسة للاقتصاد الأخضر. أولاً لأن الانبعاثات الكربونية للسودان منخفضة واستثماراته في القطاعات الملوثة للبيئة قليلة وثانياً لأنه غني بالموارد الطبيعية والثقافية، واعتماد وارتباط أهله بالبيئة ومواردها ارتباط وثيق جداً.

3- الاقتصاد الأخضر سيضمن رفع اقتصاد الدولة على عدة دعائم بدلاً عن الاعتماد على دعامة واحدة معرضة لإسقاط اقتصاد البلد معها في حال انهارت، كما حدث للسودان مع النفط الذي كان الدعامة الرئيسية لاقتصاد الدولة لعدة سنوات قبل الانفصال وكيف أثر فقدانه مما أدى إلى تخلخل الاقتصاد عند ذهاب أغلب حقول النفط لدولة جنوب السودان مع الانفصال.

4- الكثير من النزاعات المسلحة في السودان كانت احدى أهم مسبباتها هي التنافس على الموارد الطبيعية من مياه وأراضي وزراعة، وهذا ما يدعو إلى ربط الاقتصاد بالبيئة والمجتمع لضمان وقف وعدم تجدد هذه النزاعات ذات الخلفيات التنافسية على الموارد.

5- تقليل الفجوة الحادثة في الخدمات، خاصة المياه والطاقة، ورفع نسبة الأفراد والمجتمعات القادرين على الحصول على خدمات نظيفة وبتكلفة منخفضة وبصورة تحافظ على استدامة الموارد الطبيعية. ان تزويد المجتمعات الفقيرة بالطاقة يعد واحداً من أهم الميزات التي سيقدمها الاقتصاد الأخضر للسودان وهذا سيكون له كبير الأثر في محاربة الفقر، وحيث أن مشكلة الطاقة واحدة من المشكلات الرئيسية في السودان فان هذا سيكون دافعاً له للتوجه نحو هذا النوع من الاقتصاد.

6- الكثير من الموارد الطبيعية غير المستدامة تهدر دون توجيه عوائدها في مجالات أخرى مستدامة. وهو ماسيتوقف عند ادخال البيئة والمجتمع في المعادلة مع الاقتصاد. ويمكن أن يتم حتى تحويل المخلفات إلى ثروة.

7- التوجه للاقتصاد الأخضر سيخلق نوعاً جديداً من فرص العمل يمكننا أن نسميها الوظائف الخضراء، مما سيقلل من حدة الفقر وسيخرج الكثير من الشباب من دائرة العطالة.

8- الاقتصاد الأخضر سيضمن الحفاظ على البيئة وعلى مصادرها الطبيعية وسيدخل للبلد خيارات دخل اقتصادية جديدة للبلد، مثل السياحة البيئية.

التوجه نحو الاقتصاد الأخضر سيحسن من موقف السودان للحصول على قروض التنمية ومحاربة الفقر من منظمات ومؤسسات التمويل الدولية
التوجه نحو الاقتصاد الأخضر سيحسن من موقف السودان للحصول على قروض التنمية ومحاربة الفقر من منظمات ومؤسسات التمويل الدولية

9- الزراعة ستكون هي المحرك الأول للاقتصاد وستسهم بشكل كبير في الناتج المحلي وفي تشغيل عدد كبير من الناس في هذا القطاع.

10- الاقتصاد الأخضر يركز على المجتمعات الريفية بشكل كبير، وحيث ان تقوية هذه المجتمعات اقتصادياً سيسهم ذلك في رفع مستوى العدالة بين المجتمعات الحضرية والريفية وسيحد من النزوح غير المقنن وغير المخطط له من الريف إلى المدينة، مما سيسمح بتخطيط حضري أفضل.

11- التوجه نحو الاقتصاد الأخضر سيحسن من موقف السودان للحصول على قروض التنمية ومحاربة الفقر من منظمات ومؤسسات التمويل الدولية.

كما ذكر سابقاً فان هناك الكثير من المحفزات التي تشجع السودان على اعتماد مفاهيم الاقتصاد الأخضر كسبيل وحيد لنمو صحيح ومستدام لاقتصاده، حيث أن الاقتصاد التقليدي لم يعد قادراً على الاجابة على كثير من الأسئلة المطروحة ولم يعد قادراً على تقديم حلول تضمن استدامة نمو صحي للاقتصاد. السودان حالياً يفتقر إلى البنية التحتية في كثير من القطاعات، وبالرغم من أن هذا الوضع وضع سلبي الا أنه في حد ذاته دافع للسودان أن يتجه إلى الاقتصاد الأخضر وأن ينشئ بنية تحتية حديثة وصديقة للبيئة وهو ما سيضمن استدامتها واستقرار الخدمات لسكانه.

من ناحية أخرى فإن اعتماد مفاهيم حديثة يتطلع العالم إلى تطبيقها كمفاهيم الاستدامة والقضاء على الفقر سيحسن من صورة السودان العالمية. إن توجه السودان إلى فكرة حديثة كالاقتصاد الأخضر يجب أن يصاحبه تغييرات مهمة سياسية واقتصادية واجتماعية. دون تغييرات جوهرية في بنية الدولة وسياستها تجاه الموارد الطبيعية ودون نظام عدالة ومسألة سليم، فان التغيير نحو هكذا فكرة لن يكون جدياً وستصبح تجربة كإحدى التجارب الفاشلة التي مرت على هذا البلد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.