شعار قسم مدونات

احتجاجات العراق.. الورقة الوحيدة لتعديل مسار الحكومة!

blogs العراق

مما لا شك فيه أن العراق بعد تأسيسه في عشرينيات القرن الماضي كانت لهُ حظوةٌ كبيرة بين دول المنطقة وكان لأسمه صداً واسعاً. تعاقبت حكوماتها آن ذاك على إنشائها إنشاءً قويماً ارتكزت على دعاماتٍ متينة. استطاعت أن تُقولبَ بناها التحتية في فترةٍ وجيزة أعادت لبغداد مكانتها بين دول المنطقة حتى تغنى ببهائها الشعراء وأغلب حكام المنطقة فكانت حتى السبعينيات قِبلةً للسُياح ومرتعاً لجذب كبريات الشركات العالمية للاستثمار فيها. واتخذت بعضُ دول الجوار من العراقِ مركزاً طبياً لتُداويَ فيها مرضاه.

وقد كانت بغداد سباقةً في جلب التكنولوجيا فهي أولى العواصم العربية التي شهدت ولادة تلفزيون رسمي في العام 1956. ومن المدن القليلة آنذاك التي أنارت شوارعها بالمصابيح الكهربائية في العام 1917 ناهيك عن أنها كانت أول دولة عربية سعت لمحو الأمية فكانت تشجع أبناء شعبها على الالتحاق بمدارس محو الأمية من خلال بعض المكافآت التي تقدمه للملتحقين بتلك المدارس وسخرت وسائل إعلامها آنذاك من خلال المسلسلات والبرامج والتي كان أشهرها مسلسل (الحجي راضي) لتحفيز مواطنيها.

ولا غرابة في ذلك، فللعراق إرثٌ حضاري يمتد لألاف السنين. لكن ما يؤسف لهُ أن مؤشر ازدهارها ورُقيها أنحدر بعد ذلك وانتكست فيها مقومات الدولة وأدواتها خطوةً تلو أخرى. حيث أن الدولة بمفهومها العام تعني وجود رقعةٍ من الأرض لها حدودٌ معينة تقطُنها مجموعة من المواطنين تحكمهم منظومةٌ حكومية ترتكز على مجموعة قوانين ضابطة تستمد شرعيتها من مواطنيها لِتُسخر جميع مؤسساتها وأدواتها على الأرض خدمةً للصالح العام دون تميزٍ بين لونٍ أو عرقٍ أو دين.

قد يكون الضغط الشعبي الحاصل هذه الأيام رغم بساطته وقلة أعداده الورقة الوحيدة لتعديل مسار الحكومة. فالطبقة السياسية الحاكمة اليوم إن لم يكن الشعب رقيبه ومحاسبه عتى في البلاد فساداً

والعراق رغم اعتراف مجلس الأمن والأمم المتحدة والمنظمات الدولية به كدولة ذو سيادة إلا أنه لا يتطابق واقعه مع التعريف السابق. حيث الحكومة وفي ظل ميزانياتها الضخمة لا تستطيع توفير عيشٍ كريم لمواطنيها ولم تُسخر مؤسسات الدولةِ لخدمة الشعب بل على العكس أنهكت وعطلت جميع مؤسساتها وشركاتها التي كانت تشار لها بالبنان. ولأكثر من خمسة عشر عاماً لم تفلح في معالجة المشاكل الأساسية فبناها التحتية متهالكة حتى النخاع والأمن الاجتماعي معدوم إلى حدٍ بعيد. والخدمات البدائية من ماءٍ وكهرباء غير متوفرة والبطالة في أوجها ما دفع بأبناء الشعب للخروجِ والمطالبة بحقوقهم في ظل حرارة البلد الحارقة.

وتراجع مستوى دخل الفرد رغم ميزانيات الدولة الانفجارية ليصل حسب إحصائيةٍ أجرتها إحدى المواقع العراقية عام 2016 إلى 13.600 ألف دولار سنوياً بينما كانت الكويت 84.800 ألف دولاراً وتركيا 18.570 ألف دولار سنوياً. ولك أن تتصور حجم الأموال المنهوبة من ميزانية العراق منذ العام 2013 وقد صرحت مؤخراً عضوة اللجنة المالية ماجدة التميمي وأكدت أن صرفيات العراق من عام ١٩٢٠ إلى ٢٠٠٣ بلغت ٢٢٠ مليار دولار ومن ٢٠٠٣ إلى ٢٠١٨ تبلغ ٨٦٢ مليار دولار والأنكى من كل هذا أن العراق يعاني من تدخلات الدول الإقليمية وأصبحت سيادته محل تساؤل ليغدو مواطنو بعض الدول المجاورة أكثر امتيازا من السكان الأصليين على أرضهم.

وكانت للتدخلات الخارجية دورٌ كبير في إضعاف الدولةِ وهيبتها بل كانت ضمن خططٍ مدروسة بإحكام رغم تبعية أغلب الأحزاب الحاكمة لتلك الدول فإضعاف العراق تعني لهم القوة. جملة تلك الأزمات وغيرها الكثير دفع الكثيرين للهروبِ خارج البلد ولازال الغالب الأعم إلا النزر القليل يتمنى تلك اللحظة التي يغادر فيها بلده حتى أصبح المطار أجمل بقعة ترمق لها عيونهم.

لكن رغم قتامة المشهد فالعراق وكما يعلم القاصي والداني بلدٌ خيراته غزيرة ويمتلك من العقول الكثير والنهوضُ به ليس بالأمر المستحيل ليعود من جديد لسابق عهده. وقد يكون الضغط الشعبي الحاصل هذه الأيام رغم بساطته وقلة أعداده الورقة الوحيدة لتعديل مسار الحكومة. فالطبقة السياسية الحاكمة اليوم إن لم يكن الشعب رقيبه ومحاسبه عتى في البلاد فساداً كما كان الحال لسنوات خلت.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.