شعار قسم مدونات

نظرة على تاريخ نشأة المجلات العربية في الهند

blogs كتب

شمال الهند منطقة تشتمل على ولايات كاشمير، وهماجل براديش، وأتراكهندا، وهاريانا، وبنجاب، وأترابراديش، ودهلي. وقد سبقت هذه المنطقة على مناطق الهند الأخرى في الاهتمام بالأدب العربي والصحافة العربية، وتفتخر بالعلماء الكبار الذين ساهموا في إثراء اللغة العربية في بلاد الهند بأعمالهم الجليلة عبر الزمان.

أول مجلة عربية في شبه القارة الهندية

يكاد ينعقد الإجماع لدى الباحثين والكتاب بأن مجلة "النفع العظيم لأهل هذا الإقليم" التي صدرت في شهر أكتوبر عام 1871 برئاسة تحرير الشيخ مقرب علي كانت لبنة أولى في تاريخ الصحافة العربية في شبه القارة الهندية، ولكن إذا أخذنا بعين الاعتبار اللهجات العربية المختلفة وجدنا أن أول مجلة باللغة العربية كانت مجلة "طالب الخير لقومه" التي أخرجها داؤد بن هايم (David Ben Hayyim) بمدينة ممبئ في عام 1855.

 

كان داؤد من المهاجرين اليهود الذين هاجروا من بغداد واتخذوا السكن في الهند خلال القرن التاسع عشر وشاركوا في التجارة الدولية. إنه أصدر هذه الجريدة بلهجة اللغة العربية اليهودية البغدادية لصيانة العلاقة الدينية والثقافية مع يهود بغداد. أما مجلة النفع العظيم لأهل هذا الإقليم، فكانت أول مجلة باللغة العربية الفصحى، وتبعتها مجلة "شفاء الصدور" التي صدرت بإدارة الشيخ فيض الحسن السهارنفوري من الكلية الشرقية في مدينة لاهور في عام 1985، ثم نشرت مجلة باسم "الرياض"، والتي لا نعرف عنها إلا اسمها.

ظهور المجلات العربية في شمال الهند
بعد استقلال الهند، شعرت المدارس الإسلامية الكبرى في شمال الهند أنها بحاجة ماسة إلى إقامة الربط والتواصل بين علماء الهند وعلماء ومفكري العالم العربي، وإلى خلق بيئة عربية خالصة لتعليم الكتاب والسنة

أول مجلة عربية في شمال الهند كانت مجلة "البيان" التي أصدرها الشيخ عبد الله العمادي في عام 1902 بمدينة لكناؤ، والتي جاءت كمجلة ثانية مهمة جديرة بالاهتمام باللغة العربية الفصحى في شبه القارة الهندية. فالمجلة الأولى كانت محصورة في شبه القارة الهندية، ولكن هذه المجلة عبرت الحدود إلى العالم العربي وعملت في توطيد العلاقات وتبادل الأخبار. ثم تبعتها مجلة "الضياء" الغراء التي أصدرها الأستاذ مسعود عالم الندوي من دار العلوم ندوة العلماء بلكناؤ عام 1932 في أسلوب صحافي حديث، ولعبت هذه المجلة دورا بارزا في إيجاد البيئة الملائمة للكتابة باللغة العربية الحديثة، وعملت في تبادل المجلات والجرائد مع العالم العربي، وأحرزت قبولا حسنا لدى العلماء الهنود والعلماء العرب سويا، وحاولت ان تبرز للعرب ظنهم الخاطئ عن العلماء الهنود في اللغة العربية.

استقلال الهند وإنشاء مجلات جديدة

عندما حصلت الهند على استقلالها، دبت حياة جديدة في اللغة العربية في الهند إذ سعى كل من الحكومة الهندية، ومدارس المسلمين الكبرى، ومؤسساتهم ومنظماتهم إلى تطوير العلاقة مع العرب ورأوا اللغة العربية كجسر للتواصل بين الهند والعالم العربي، فخُصصت الكراسي لتعليم اللغة العربية في عدد من الجامعات والكليات الهندية، وقامت مجامع علمية، وبرزت مجلات عربية جديدة إلى حيز الوجود. وفيما يلي نلقي الضوء على إسهامات الجامعات والمجامع الحكومية وكذلك على إسهامات المدارس والمؤسسات الإسلامية في نشر المجلات العربية في شمال الهند، ولا يفوتني أن أذكر بأن هناك بعض المساعي الشخصية أيضا في هذا المجال.

إسهامات المدارس الإسلامية:

بعد استقلال الهند، شعرت المدارس الإسلامية الكبرى في شمال الهند أنها بحاجة ماسة إلى إقامة الربط والتواصل بين علماء الهند وعلماء ومفكري العالم العربي، وإلى خلق بيئة عربية خالصة لتعليم الكتاب والسنة، وإلى نشر أفكارها وأغراضها، فظهرت مجلات ناطقة بلسانها. فنرى الأستاذ محمد الحسني والأستاذ سعيد الرحمن الأعظمي الندوي يقومان بتأسيس مجلة "البعث الإسلامي" المؤقرة في عام 1955 في حرم دار العلوم التابعة لندوة العلماء إذ كانت مجلة الضياء قد احتجبت.

 

وأحرزت هذه المجلة مكانة خاصة في الصحافة العربية في الهند والعالم العربي معا إذ دعت العرب "إلى الإسلام من جديد" ووقفت في وجه عاصفة القومية العربية العمياء التي سادت على العالم العربي في ذلك الحين. وفي نفس الحرم نجد الأستاذ محمد الرابع الحسني الندوي يؤسس بعد صدور البعث الإسلامي بأربع سنوات مجلة بإسم "الرائد" في عام 1959 وهي لا تزال تصدر بانتظام. وبينما تتناول البعث الإسلامي البحوث والدراسات والمقالات حول الأدب، والتاريخ، والعلوم الإسلامية، تنشر الرائد مقالات قصيرة، والأخبار، وتحتوي على زاوية مستقلة لدرس السنة وزاوية مستقلة للناشئين لتدريس اللغة العربية.

يغلب على جميع هذه المجلات التي تصدر عن المدارس والمعاهد الإسلامية الطابع الديني، وهي تمثل مسالك مدارسها في الدين والفكر، وتعبر عن مناهجها وأساليبها في الدراسة والتعليم
يغلب على جميع هذه المجلات التي تصدر عن المدارس والمعاهد الإسلامية الطابع الديني، وهي تمثل مسالك مدارسها في الدين والفكر، وتعبر عن مناهجها وأساليبها في الدراسة والتعليم
 

وكذلك نرى في حرم مدرسة كبيرة أخرى دار العلوم بديوبند الأستاذ مولانا وحيد الزمان الكيرانوي، أستاذ اللغة العربية، يقوم بإصدار مجلّة عربية فصليّة باسم "دعوة الحقّ" في عام 1965. وأصدر مولانا وحيد الزمان الكيرانوي من نفس المدرسة مجلة نصف شهرية باسم "الداعي" لتكون ناطقاً بلسان دار العلوم في ديوبند، في يوليو عام 1976، وهي لا تزال تصدر كمجلة نصف شهرية، ويرأس تحريرها حاليا الأستاذ نور عالم خليل الأميني.

وسلكت المدارس المهمة الأخرى في شمال الهند نفس النهج لإظهار اهتمامها باللغة العربية وللتعبير عن أفكارها، فصدرت مجلة "صوت الأمّة" عن الجامعة السلفية بمدينة بنارس في عام 1969، ومجلة "الهنضة الإسلامية" الفصلية عن دار العلوم الإسلامية بمدينة بستي برئاسة تحرير الشيخ محمد باقر حسين في عام 1996، ومجلة "الحرم" الفصلية عن الجامعة الإمدادية بمدينة مراد آباد في عام 1996، ومجلة "البحوث والدراسات" عن معهد الإمام أبي الحسن الندوي، بكتولي مليح آباد في عام 2005، ومجلة "العليم" الشهرية عن دار العلوم العليمية جمداشاهي بمديرية بستي في عام 2006، ومجلة "المظاهر" عن الجامعة الإسلامية مظاهر العلوم بسهارنبور بإدارة تحرير الأستاذ شاكر فرخ الندوي في عام 2007، ومجلة "وحدة الأمة" نصف سنوية عن دار العلوم وقف بديوبند برئاسة تحرير الأستاذ محمد شكيب القاسمي قبل ثلاث سنوات، ومجلة "الفلاح" نصف سنوية ومجلة "القلم" الفصلية عن جامعة الفلاح بأعظم جراه قبل عدة سنوات، ومجلة "الإحسان" الفصلية عن الجامعة العارفية بمكوشامبي، الله آباد برئاسة تحرير الأستاذ حسن سعيد الصفوي في عام 2013، ومجلة "النداء" الشهرية عن معهد اللغة العربية والدراسات الإسلامية بسرينغر برئاسة تحرير الدكتور عبد الرحمن وار في شهر يونيو عام 2015. 

يغلب على جميع هذه المجلات التي تصدر عن المدارس والمعاهد الإسلامية الطابع الديني، وهي تمثل مسالك مدارسها في الدين والفكر، وتعبر عن مناهجها وأساليبها في الدراسة والتعليم، وتنشر مواقفها عن القضايا الدينية القديمة والحديثة. نجد معظم هذه المجلات دون المستوى إذ ينقصها الأسلوب الصحافي الحديث، ونرى فيها الألفاظ المتروكة والتعابير القديمة التي تستخدم جنبا بجنب بعض التعابير الحديثة، وذلك يترك القارئ في حيرة، ولا يدعه يفهم هل هو يقرأ مقالا كتبه أحد الأدباء القدماء أو كاتب حديث، وكذلك نجد فيها عبارات ركيكة تكدر خاطر القارئ، ويرجع سبب ذلك إلى ارتواء الكتاب الهنود عن المناهل القديمة والحديثة معا بدون التمييز بين تعبيراتهما، وعدم تدربهم على لغة الصحافة العربية المهنية وأسلوبها الحديث.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.