شعار قسم مدونات

أردوغان التركي.. زعيماً للمسلمين في لبنان

BLOGS أردوغان و سعد الحريري

لم تكد تقفل صناديق الاقتراع في تركيا، حتى بدأت وسائل التواصل الاجتماعي في لبنان تضجّ برصد نتائجها، وبدأت الأرقام تصل لحظة بلحظة، وصولاً إلى حسم الرئيس رجب طيب أردوغان المعركة الانتخابية من دورتها الأولى.

 

قرابة أسبوع مرّ على الانتخابات التركية. وفي الوقت الذي عادت فيه الحياة في تركيا إلى طبيعتها، ما زالت وسائل التواصل الاجتماعي في لبنان مزدحمة بصور وتصريحات ومواقف أردوغان. فاستبدل الكثيرون صورهم الشخصية على صفحاتهم الاجتماعية بصورة الرئيس التركي، وبين هؤلاء كثيرون ممن كانوا غير مبالين بالانتخابات التي شهدها لبنان قبل أسابيع ومعظمهم لم يدل بصوته.

 

تكشف هذه المفارقة أزمة الزعامة التي تعاني منها شريحة واسعة من اللبنانيين وتحديداً المسلمون السنّة. الذين يتلفتون من حولهم فيجدون كل طائفة تتحلّق حول زعيمها، يقفون معه ويقف معهم، يدافعون عنه وعن صلاحياته، فيدافع عنهم وعن حقوقهم ويسعى لتحصيل كل قدر إضافي من المكتسبات ولو كانت على حساب الطوائف الأخرى.

 

البحث عن زعيم للمسلمين السنّة في لبنان ليست أزمة طارئة ولا حديثة. هي بدأت مع نشأة الكيان اللبناني عام 1946. فأداء رياض الصلح أول رئيس للوزراء لم يرق للمسلمين الذين اعتبروه مفرّطاً بحقوقهم لمصلحة الرئيس بشارة الخوري ومن ورائه المسيحيون الموارنة، كما لم يكن أداء رؤوساء الحكومات الذين خلفوه أحسن حالاً.

 

يواصل المسلمون مسيرة البحث عن زعيم يمثلهم، وكثير منهم وجد ضالته بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بانتظار أن يستيقظ من يعنيهم الأمر في لبنان
يواصل المسلمون مسيرة البحث عن زعيم يمثلهم، وكثير منهم وجد ضالته بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بانتظار أن يستيقظ من يعنيهم الأمر في لبنان
 

فالمارونية السياسية التي كرّسها الانتداب الفرنسي، منحت فريقاً بعينه كل مفاصل الدولة الدستورية والسياسية والعسكرية، مما انعكس استياء لدى المسلمين والبحث عن زعيم يقودهم ويصفقون له، إلى أن برز نجم الرئيس المصري جمال عبد الناصر، فأيّدوه وناصروه وساروا في تظاهرات شارك فيها عشرات الآلاف، ونشأ في لبنان تيار قومي ناصري، حاول المسلمون من خلاله تعويض غياب زعيم لهم وإهمالهم في دولتهم.

 

مع انتقال رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات إلى لبنان واستقراره فيه، انتقلت إليه راية الزعامة. فوجد فيه الكثير من المسلمين زعيماً مواجهاً لتسلّط المارونية السياسية، خاصة أنه حمل لواء القضية الفلسطينية وتحرير فلسطين ومواجهة العدو الإسرائيلي. فتصدر عرفات المشهد وتزعّم ما أطلق عليه حينها اسم الأحزاب الوطنية والإسلامية. مع الاجتياح الإسرائيلي خرج عرفات من لبنان، فخمد وهج زعامته. ضاع المسلمون من جديد وافتقدوا الزعيم الذي يلتفّون حوله كما بقية اللبنانيين. في هذه الفترة شهدت الساحة اللبنانية تجارب لم يكتب لها النجاح والاستمرار، لكنها بقيت زعامات مناطقية محدودة، سرعان ما تمت محاصرتها والتضييق عليها واستغلالها.

 

في هذا الوقت بدأت الوصاية السورية تغرز مخالبها في لبنان. فدخل جيشها كل المناطق الإسلامية باستثناء ما كان تحت الاحتلال الإسرائيلي، وسعت لتطويع زعامات المسلمين، لتستمر أزمتهم بالبحث عن زعيم. بعد اتفاق الطائف عام 1989 تصدر رفيق الحريري المشهد السياسي كممثل للمسلمين السنّة، لكن حرصه على أن يكون زعيماً عابراً للطوائف في بلد طائفي مركب كلبنان لم يكرسه زعيماً لطائفته إلا بعد اغتياله عام 2005.

اليوم وبعد 13 سنة على اغتيال رفيق الحريري، يفتقد المسلمون السنّة زعيماً يستحق أن يلتفوا من حوله. فمن يفترض أن يكون مؤهلاً لهذه المهمة يحرص في كل مناسبة على التفريط بحقوقهم، ولا يبالي بالدفاع عنهم، أو تحصيل حقوقهم وحمايتهم في مواجهة شَرَه وطمع الطوائف الأخرى. لذلك، يواصل المسلمون مسيرة البحث عن زعيم يمثلهم، وكثير منهم وجد ضالته بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بانتظار أن يستيقظ من يعنيهم الأمر في لبنان ويدركوا أن الزعامة ليست منصباً بل التفافاً شعبياً من حولهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.