شعار قسم مدونات

إذا كان "حسن الغرباوي" إرهابيا.. فمن المعتدل!

blogs حسن الغرباوي

ساءني مرتين.. الأولى وفاة الشيخ حسن الغرباوي الذي يعد الأب الروحي لأبناء منطقة عين شمس والقاهرة عموما سواء من كانوا من أبناء الجماعة الإسلامية وحتى من استفادوا من أعمال الخير التي تقوم بها مؤسسته الخيرية التي كان يشرف عليها حتى آخر لحظة في حياته ليضمن وصول الأمر لمستحقيه، وساءني مرة أخرى ما تناولته بعض وسائل الإعلام -عن غير تعمد بحسب ما أكد لي الصحفي كاتب المقال- عن اتهام الغرباوي بالإرهابي وهو الذي يشهد القاصي والداني أنه رجل رباني أفنى حياته لدينه ووطنه وللمسلمين.

الغرباوي.. يعد أقدم معتقل في مصر، كانت بداياته مع الاعتقال في عام 1988، بتهمة اغتيال الضابط عصام شمس والمشاركة في أحداث عين شمس الأولي والثانية، وقدم للمحاكمة، ولكن محكمة الجنايات برئاسة المستشار محمود رفقي أصدرت حكمها ببراءة حسن من التهم الموجهة إليه، ولكن وزير الداخلية اللواء زكي بدر، أصر أن يستمر في اعتقاله لنشاطه، وقال بدر قولته المشهورة "لي حق اعتقال الإرهابي"، ومن يومها بقي الغرباوي رهن الاعتقال 25 عاما ويزيد.

لم يكن الغرباوي شخصا عاديا لكنه شخص تنجذب إليه القلوب لحظة رؤيته بسمته لا تكاد تفارق محياه، وسعة صدره وصبره ونبذه للخلافات أسمهت في بناء رصيد له عند الجميع سواء من أبناء الجماعة الإسلامية أو غيرها لذا أجمع الكل على حبه. رغم انتقادي للجماعة ورفضي لكثير من مواقفها، وعلمي أنه أحد أقطابها والتي بدونه ربما انهارت في جزء كبير من القاهرة، إلا أنني كنت أناوشه ليتركها قلت له في أحد المرات لماذا تنتمي للجماعة في ظل شعبيتك الجارفة فأنت لست بحاجة إليها، لكن أتت إجابته بابتسامته الرائعة التي اشعرتني بالهزيمة، لأني لم أستطع إقناعه أو استخراج إجابة لفظية منه على طلبي، لكني فطنت أن لسان حاله يقول "أنا أعمل لإخواني وليس لأي كيان، وكأنه يريد القول أن بقائي هكذا أفضل حتى إن كنت غير مقتنع لتبقى روح التعاون باقية".

إذا أردت أن تعلم قدر الغرباوي في قلوب الناس فانظر إلى جنازته وإلى صفحات التواصل الاجتماعي التي نعته كانت جنازة مهولة وفد إليها محبو الشيخ من كافة أقطار مصر ممن أحبوه وقدروه

كان سخيا وكريما وكما يقول المثل "ما في جيبه ليس ملكا له" بل للفقراء والمحتاجين ولإخوانه، لذلك ترك ساحة السياسة نظريا، ليتفرغ للعمل الخيري بمؤسسته ولقب بـ"العمدة "، لنشاطه الاجتماعي الواسع في المنطقة، ولقضائه أطول فترة اعتقال في تاريخ مبارك. ما ميز الغرباوي -رحمه الله- أنه كان يملك شعرة معاوية بالفعل كان ساحرا في جذب الناس إليه، تستشعر وهو مع مخالفيه أنه يرخي هذه الشعرة دائما ويغض الطرف لهم، لكنه لم يكن كذلك كان يشدها بذكاء فما انقطعت مرة من المرات. كلمة حق يجب أن تقال بحق الغرباوي، هو اسم لو وضعت بجانبه كافة الأسماء الشهيرة التي يشار إليها بالبنان والتي حازت على مناصب داخل الجماعة الإسلامية وخارجها لرجحت كفته، لكن لم يكن هذا يشغله فكل ما كان يشغله إخوانه لذا نال حبهم ورضاهم عنه.

 

كانت محطته الأخيرة يوم 2 يونيو 2018 قالوا إنه كان حاضرا بمؤسسته بشكل طبيعي وكان معروفا عنه في الأيام الأخيرة أنه يشعر بالإجهاد الشديد عند أي مجهود، فذهب لطبيب، فقرر له عملية في القلب سريعا، وفى غرفة العمليات اعتذر الطبيب عن إتمام العملية لتأثير السكر الشديد على الشرايين ووجود انسداد بداخلها. وفي يوم وفاته شعر بتعب شديد ولما ذهبوا به إلى الطبيب، جثا على ركبتيه ونطق الشهادة مرتين ثم فارق الحياة رحمة الله عليه، لذلك بكته القلوب قبل العيون.

إذا أردت أن تعلم قدر الغرباوي في قلوب الناس فانظر إلى جنازته وإلى صفحات التواصل الاجتماعي التي نعته كانت جنازة مهولة وفد إليها محبو الشيخ من كافة أقطار مصر ممن أحبوه وقدروه، فمن مثل حسن الغرباوي العبد الصالح الصابر المحتسب على البلاء في النفس والمال والولد، السباق إلى الخيرات لا يترك منها بابا إلا وولج منه. فإذا كان «الغرباوي» بهذا الحب وهذه الأخلاق والدين، إرهابيا فمن هو المعتدل!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.