شعار قسم مدونات

الإسلاميون بالصومال.. هل ولى عهدهم بلا رجعة؟

BLOGS الإسلاميون في الصومال
انطلاقا من اهتماماتي وقراءاتي الأخيرة حول الإسلام السياسي خطرت في بالي تساؤلات كثيرة قد تكون تمهيدا لبحث مطول في هذا المجال، ومن ذلك، أين نحن كصوماليين من هذا الحراك الذي يتحدث عنه الباحثون بأنه "تعبير عن الحركات والقوى التي تصبو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية منهجا حياتيا، مستخدمةً بذلك منهجية العمل السياسي الحديث القائم على المشاركة السياسية في السلطة".

وبعيدا عن الجدل المثار حول مفهوم الإسلام السياسي، ومدى كونه مصطلحا غربيا في مقابل الحداثة والعلمانية والمدنِّية تجدر الإشارة إلى أن الصومال تُصنَّف كدولة إسلامية يتمتع أصحاب المشروع الإسلامي فيها بفرصة كبيرة لتحقيق خيار أسلمة الدولة بشيء من التنسيق فيما بين الإسلاميين، وتفعيل حضورهم في كافة المستويات، والارتقاء إلى مستوى التحدي والمسؤولية.

وفي هذا يمكن إثارة تساؤلات عدة عن مدى جدية أصحاب هذا المشروع، وهل هم فعلا أصحاب رسالة أو رؤية إسلامية تنبني على أساس من الفقه المقاصدي في ترتيب الأولويات، مستفيدين من التجارب الإسلامية السياسية في الصومال؛ من حيث مشاركة الإسلاميين في السلطة و تنوع تياراتهم، وما حظيت به تجربة المحاكم الإسلامية عام 2006، من زخم إعلامي عالمي جعلها محل اهتمام ودراسة في مؤسسات أكاديمية وبحثية دولية، وإن لم تكن تلك التجربة موضع إجماع في أوساط الإسلاميين أنفسهم إلا أنها صارت النموذج الأبرز المختزَل في الذاكرة عن الإسلام السياسي في الصومال.

الإسلام السياسي كمفهوم لم يجد حظه من الدراسة في الصومال، وهو "مصطلح شقّ طريقه لعالم السياسة الدولية، وتوّطد بالأدبيات السياسية وظهر بشكل أكبر وأكثر اتساعا بالعقود الأربعة الماضية

وفي بلد مثل الصومال الذي تعج فيه حركات إسلامية بتوجهات فكرية مختلفة كان يُفترض أن تبرز فيه قيادات ورموز إسلامية توجه الجماهير في مسيرات عامة للمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية، على غرار ما تشهده ساحات بعض الدول تحت شعار -الشعب يريد تطبيق الشريعة- مستلهمين تجارب بلدان صار الإسلام السياسي فيها رقما صعبا بل مسيطرا على الرأي العام؛ وبالتالي يُحسب له ألف حساب في أي استحقاق انتخابي.

وفي هذا ما يدعونا إلى التساؤل: ما الذي يمنع الحركة الإسلامية من التعاطي الحصيف مع الواقع السياسي في الصومال مستغلة من العوامل المساعدة لها، والتي من بينها إقبال الجماهير على أطروحاتها الحضارية والسياسية، أليس ما تشهد الساحة حاليا تغييبا للمشروع الإسلامي – كمشروع أمة – بمبررات واهية، وبعجز الإسلاميين أنفسهم في تقديم نموذج إسلامي سياسي توافقي بنكهة محلية؟

وبالنظر إلى الواقع السياسي الحالي يلاحظ أن هناك حالة استثنائية سلبية تتمثل في ركود مشروع الإسلام السياسي بسبب نجاح بعض الدعايات المغرضة التي توحي بأن عهد الإسلاميين قد ولَّى بلا رجعة، إلا أن تلك قراءة سطحية غير صحيحة؛ لأن الأمر أكثر عمقا من أن ينتهي بفشل مجموعة ذات امتداد إسلامي وصعود أخرى محسوبة على العلمانية في المسرح السياسي، ويُعتقد أن الحسابات تتغير تماما عند يأتي موعد الانتخابات المباشرة في صيف 2020م.

ومع ذلك لا أحد يستطيع أن ينكر ما تشهده الساحة الإسلامية عموما من ضياع البوصلة، والتماهي مع المشاريع القبلية، والسعي وراء مصالح ضيقة، أضف إلى ذلك تأثير مشروع محاربة الإرهاب الدولي الذي جعل الكثير من المفكرين والمنظرين الإسلاميين مختبئين عن الأنظار لأسباب من بينها توسع دائرة الحركات الإسلامية المدرجة في قائمة الإرهاب العربية والأمريكية.

ولدواعي متطلبات المرحلة الحالية ، ووفق رؤية بعض قيادات العمل الإسلامي، تمسُّ الحاجة أن يتم بلورة مشروع إسلامي سياسي طموح وهادف إلى استقطاب جميع السياسيين الإسلاميين تحت مظلة واحدة في مقابل القوى المعادية للإسلام كمنهج متكامل، وتشريع شامل لكل مجالات الحياة، وبذلك تتشكل قوة إسلامية معتدلة قادرة على استيعاب القوى التي تؤمن بأن الإسلام هو الحل لكل مشاكل الحياة في جميع المجالات، وقد يتعاطف مع هذا النوع من المشروع بعض الكوادر المعتدلة فكريا في الجماعات المتشددة في البلاد.

تساؤلات

ومن التساؤلات التي يمكن طرحها في هذا الصدد: كيف لحركات الإسلام السياسي في الصومال أن تقوم بتفعيل دورها السياسي؛ لتتجاوز الخمول الميداني والضبابية في الرؤية، ولتستعيد حيويتها في كيان سياسي موحد، وخاصة بين حركتي السلفية والإخوان المسلمين باعتبارهما المكونان الرئيسيان الأكثر قدرة على التجاوب مع متطلبات المرحلة على ضوء مشتركاتهما الفكرية المعاصرة؟ مع العلم أنهما ليستا الوحيدتين في الساحة، ولا هما -بحسب رأيي بعض المراقبين- في مستوى النضج الفكري المنشود لسحب البساط من تحت أقدام الساعين إلى اختزال الإسلام في مجموعة من المبادئ السطحية، إن صح التعبير.

التجربة الإسلامية السياسية الصومالية معقد آمال الشعب الصومالي المسلم، وهي تمر بمرحلة انتقالية، ويُفترضُ أن تستشرف مستقبلا واعدا يتجاوز الحدود الحزبية الضيقة
التجربة الإسلامية السياسية الصومالية معقد آمال الشعب الصومالي المسلم، وهي تمر بمرحلة انتقالية، ويُفترضُ أن تستشرف مستقبلا واعدا يتجاوز الحدود الحزبية الضيقة

وهل تُرانا نستمتع في قادم الأيام بأجواء وفضاءات فكرية أوسع وأرحب بهدف بلورة مقاربات فكرية وسياسية تضع في الاعتبار مدى الحاجة إلى إستراتيجية إسلامية تواكب التحديات الداخلية والخارجية، وتوازن بين الثوابت والمتغيرات على غرار الكيانات الإسلامية المتحالفة ضد الأحزاب الاشتراكية والعلمانية في العالم الإسلامي؟ وبعيدا عن الحزبية المهلكة والتعصب والانكفاء على الذات، وبدلا من نقد الإسلام السياسي في مجمله، فهل يمكن أن يتم استخدامه كإطار فلسفي تتمخض عنه صيغ تنظيمية سياسية بحتة، وتحت شعار واحد، وذلك بالتعاون مع المراكز البحثية المتخصصة في العالم العربي والإسلامي؟

ملاحظات ختامية

* إن الإسلام السياسي كمفهوم لم يجد حظه من الدراسة في الصومال، وهو بحسب الخبراء "مصطلح شقّ طريقه إلى عالم السياسة الدولية، وتوّطد في الأدبيات السياسية وظهر بشكل أكبر وأكثر اتساعا في العقود الأربعة الماضية".

* إن التجربة الإسلامية السياسية الصومالية معقد آمال الشعب الصومالي المسلم، وهي تمر بمرحلة انتقالية، ويُفترضُ أن تستشرف مستقبلا واعدا يتجاوز الحدود الحزبية الضيقة إلى فضاء المصلحة الوطنية الجامعة، كما أنها خيار يتوقع أن يكتسح الساحة السياسية لما يتمتع به من رصيد شعبي لا يستهان به في أي انتخابات عامة ونزيهة، ولاسيما إذا توحَّد أصحاب هذا المشروع تحت حزب سياسي يكون نموذجا عمليا للحرية والديمقراطية والشفافية في اختيار قادته قبل أن يتوافق على مرشح رئاسي مؤهل يرفع شعار تطبيق الشريعة وإقامة الحدود في البلاد.

* وقد يبدو بالنسبة للبعض أن ما نطرحه أمر مستحيل، وأنه من قبيل التساؤل الفارغ والأوهام، إلا أنه يتوقع أن يأتي التغيير الحقيقي في تكوينات الإسلاميين، وليس بالضرورة أن يأتي التغيير الذي نحلم به من قبل الفاعلين في المسرح السياسي الحالي، والذين ذاب بعضهم في مستنقع القبلية؛ حيث خاضوا معارك شراء الأصوات والرشاوى لنيل المناصب الحكومية، ولكن النصر يأتي – بإذن الله تعالى – على أيدي قيادات يختارهم الله، كما اختار الله – بعد تأهلهم لنصرة الله باستفراغ الوسع – الغنوشي وأردوغان وغيرهم لقيادة بلادهم – بقيمها الإسلامية – إلى بر الأمان. "وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ…" (4-5 الروم).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.