شعار قسم مدونات

ثمة ثمن لم يدفعه الأسد بعد..!

blogs بشار الأسد

مع انطلاق أولى صيحات الحرية من محافظة درعا السورية قبل 7 سنوات من الآن لم ينتظر النظام السوري طويلاً حتى بدأ باستخدام العنف ضدها وإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، الذي يحملون أغصان الزيتون مما أدى إلى سقوط العشرات بين قتيل وجريح وشن حملة مداهمات طالت عدد من بلدات ومدن المحافظة. ومع اشتداد عود المظاهرات وتمددها في عدد من المحافظات السورية الأخرى كإدلب وحمص ودير الزور وريف دمشق لم يعد بوسع النظام السوري القضاء عليها، حتى أضطر للاستعانة بالمليشيات اللبنانية التي سميت بفرق الموت عند السوريين من أجل قمع المظاهرات ومهاجمة الأحياء السكنية.

ومع دخول الثورة مرحلة الكفاح المسلح وصد قوات النظام التي تقوم بقتل المتظاهرين بدم بارد وأولها في مدينة جسر الشغور مع انشقاق عدد من الضباط الأحرار، بدأت قوات النظام والمليشيات الموالية لها بشن الحرب على المدن السورية. فيما استخدمت قوات النظام طريقة الحصار والتجويع ضد المدنيين في المدن المعارضة له، كما فعل فرانكو ضد غيرنكا في إقليم الباسك، أو سياسة القصف المكثف والأرض المحروقة تارة أخرى حتى أصبحت المدن السورية أشبه بستالين غراد التي دمرها النازيون أو غروزني التي دمرها الجيش الروسي على رؤوس الشيشان.

ولم يكن بوسع النظام السوري ومعه المليشيات اللبنانية والإيرانية والعراقية الانتصار على المعارضة التي تتمتع بزخم شعبي رافض لوجود النظام وحلفائه الذي أمعن في قتل المدنيين وقصف منازلهم، حتى دخول الجيش الروسي في عام 2016 بعد قرار من الرئيس بوتين لمساندة نظام الأسد في حربه ضد المعارضة المسلحة. حيث استنجد نظام الأسد بالحليف الروسي بعد تقدم جيش الفتح وسيطرته على محافظة إدلب فيما كانت فصائل الثوار تتقدم في تل كردي في الغوطة الشرقية، وباعتراف وزير الخارجية الروسي بأنهم لولا دخولهم بأسبوعين لكانت دمشق في يد المعارضة حيث أكمل الروس المهمة في جبال اللاذقية حتى استطاعوا قضم مناطق واسعة من جبلي الأكراد والتركمان.

استدعى بوتين بشار الأسد لمدينة سوتشي بروسيا وأخبره بأنه على النظام إخراج جميع القوات الأجنبية من سوريا بما فيها المليشيات الإيرانية المقاتلة مع النظام، وهذا الأمر يضع الأسد في موقف محرج للغاية

وذلك بهدف تأمين مطار حميميم والذي يعتبر قاعدة عسكرية للقوات الروسية تنطلق منها الطائرات الحربية لقصف مواقع المعارضة في عدد من المدن السورية، في حين شن الروس أكثر من 40 ألف غارة جوية لمساندة النظام في استعادة مدينة حلب من قوات المعارضة وتهجير الآلاف من سكانها، ناهيك عن كون الروس هم الراعي الأول لسياسة المصالحات وعمليات التهجير الديموغرافي في الغوطة الشرقية وريف حمص ومن قبلها مدينة داريا.

ومع دخول الطرف التركي إلى مناطق ريف حلب الشمالي ومحافظة إدلب للحفاظ على ما تبقى من المناطق المحررة بالتوافق مع روسيا بعد انتهاء القمة التاسعة من مباحثات أستانة الواقعة في كازخستان، والتي تضم روسيا وتركيا وإيران أصبحت الكعكة السورية على وشك الانتهاء من تقاسمها.

ولكن مع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى السلطة ووضعه شخصيات في حكومته تتسم بالكره لإيران كوزير الدفاع الأمريكي الجنرال ماتيس والملقب بالكلب المسعور والوزير جون بولتون، ومع الدعم الخليجي المنقطع النظير للإدارة الأمريكية مقابل تحجيم الدور الإيراني في الشرق الأوسط، أصبح ثمة توجه دولي من أجل محاصرة إيران وطرد ميلشياتها المقاتلة من سوريا والعراق.

وبعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران وتجميد أموالها وإعادة العقوبات عليها والضربات الإسرائيلية المستمرة لمواقعها في دمشق، والتي أدت إلى مقتل العشرات من الإيرانيين وتدمير قواعد عسكرية مهمة في حماة ودمشق أصبحت طهران في موقف ضعيف في ظل التوافق الدولي على إنهاء عبثها في الشرق الأوسط.

ثمة وقت ضيق أمام بشار الأسد للاختيار بين الوقوف مع إيران وحلف الممانعة الذي يتغنى به النظام وتحمل النتائج من قبل المجتمع الدولي ومعهم روسيا وإسرائيل
ثمة وقت ضيق أمام بشار الأسد للاختيار بين الوقوف مع إيران وحلف الممانعة الذي يتغنى به النظام وتحمل النتائج من قبل المجتمع الدولي ومعهم روسيا وإسرائيل
 

وتوج هذا الموقف من خلال تصريح مقتدى الصدر الفائز مؤخراً في الانتخابات العراقية منذ فترة أمام عدد من سفراء الدول المجاورة للعراق بأنه سيقوم بسحب المليشيات العراقية الموالية لإيران من سوريا وتحجيم الدور الإيراني في العراق. وتزامن هذا الأمر مع استدعاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لبشار الأسد إلى مدينة سوتشي الساحلية في روسيا وإخباره بأنه على النظام إخراج جميع القوات الأجنبية من سوريا بما فيها المليشيات الإيرانية المقاتلة مع النظام. وهذا الأمر يضع الأسد في موقف محرج للغاية حيث أنه من المستحيل قدرته على الطلب من إيران الخروج من سوريا بعد تقديمها عشرات المليارات من أجل الدفاع عن نظامه ومده بالرجال والسلاح، في حين أنه بات يتعرض لضغوط تهدد حياته إذا بقيت القوات الإيرانية في سوريا.

وقد صرح أحد المسؤولين الإسرائيليين بأن أي حماقة سترتكبها القوات الإيرانية في سوريا ضد إسرائيل ستؤدي إلى تصفية رأس النظام السوري بشار الأسد بشكل مباشر حيث أن الفترات الماضية شهدت غارات إسرائيلية مكثفة على عدد من المواقع الإيرانية داخل سوريا دون رد إيراني يذكر. وحيث أنه من الواضح بأن الطائفة العلوية تريد التخلص من التحكم الإيراني الذي يتسم بالتدين في حين أن الطائفة تميل إلى التحرر الديني وإبعاد سلطة الدين عن المجتمع وتحبذ الدور الروسي الذي يميل إلى التحرر بشكل أكبر من الدور الإيراني.

ثمة وقت ضيق أمام بشار الأسد للاختيار بين الوقوف مع إيران وحلف الممانعة الذي يتغنى به النظام وتحمل النتائج من قبل المجتمع الدولي ومعهم روسيا وإسرائيل التي لن تأل جهداً في مواصلة الغارات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية إلى حين خروج القوات الإيرانية من سوريا. حيث أن خروج المليشيات الإيرانية من سوريا سيضعف دور طهران الإقليمي بشكل كبير وينهي طموحاتها في الشرق الأوسط وهو ما سيؤدي إلى غضب إيراني على الأسد، مما يؤدي إلى اغتياله أو استبداله بشخصية أخرى تضمن الولاء للمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي. في الوقت القريب القادم ثمة مفاجئات تنتظر المشهد السوري ولكن الشيء المؤكد بأن الخاسر الأكبر من الحرب السورية هي إيران ومليشياتها وربما سيكون الأسد ضحية هذه الصفقات بعد انتهاء مهمته في تدمير سوريا.. لننتظر..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.