شعار قسم مدونات

الأساتذة والأطباء أبناء الجزائر وليسوا أعداء

مدونات - أطباء الجزائر
في كتابه العرب بأعين يابانية، قال نوبواكي نوتوهارا عن العرب: "العالم العربي مشغول بفكرة النمط الواحد، على غرار الحاكم الواحد والقيمة الواحدة، لذلك يحاول الناس أن يوحّدوا أشكال ملابسهم وبيوتهم وآرائهم. وتحت هذه الظروف تذوب استقلالية الفرد وخصوصيته واختلافه عن الآخرين، ويغيب مفهوم المواطن الفرد، وتحل محله فكرة الجماعة المتشابهة، المطيعة للنظام السائد وللحاكم الأوحد، الناس في العالم العربي" يعيشون فقط "بسبب خيبة آمالهم، وبسبب الإحساس باللاجدوى أو اليأس الكامل، وعدم الإيمان بفائدة أي عمل سياسي" إنه تمامًا الوصف الدقيق لما يحدث اليوم في الجزائر، فزيادة على كل اليأس والإحباط الذي تعيشه النخب الجزائرية، فالجزائري إذا أراد أن يُضرِب ضُرِب، وإذا أراد أن يرفع الأيادي باللافتات اتهمت أياديه بأنها الأيادي الخارجية لإحداث الثورات.

 
فمنذ أشهر والجزائر تقف على حافة بركان، ما صنع القطيعة بين النُخَب والنظام الحاكم بإتقان، فأصحاب القرار من قصورهم العاجية ينظرون إلى هؤلاء النخب التي تمتلك مفاتيح التغيير، كما ينظر الفيل لنملٍ يسير، فالأساتذة والمعلمون يواجَهون بالعزل والإقصاء، والأطباء يواجهون بالصفعات الزرقاء. وإذا تأملنا مطالبهم لم نرها إلا مطالب مشروعة، فالأساتذة يطالبون منذ سنين ومطالبهم تقابل بالتسويفات والممطالات، ثم ينعتونهم بأنهم كثير والاحتجاجات، وإضراباتهم ضد مصلحة التلاميذ، والسؤال الذي ينبغي أن يُطرح: هل من مصلحة التلميذ أن تجعل له أستاذًا غير قادر على العطاء، بسبب ما يعانيه مِن بؤس ولَأواء؟ وهلل من مصلحة التلميذ أن تحذف له من كتابه "بسم الله الرحمن الرحيم" وكأنه شيطان رجيم؟ وهل من مصلحة التلميذ أن يكون على رأس وزارته التعليمية نمودجًا لايتقن اللغة العربية، ويعتز بالتحدث بلغة مستدمرته الفرنسية؟ وهل من مصلحة التلميذ أن لا يجد وسائل نقل تنقله إلى مدرسته في زمهرير الشتاء؟ ثم إذا طالب الأستاذ ببعض الحقوق اعتبرنا ذلك من العقوق، وفصلناه حتى يكون لغيره عبرة، فلا تتبادر لأمثاله مثيلاتها أي فكرة.

  

أما الأطباء فقد أصابهم في هذه البلاد كل داء، فهُم يتجرعون الآلام بظروف إجبارية قاسية، فلماذا يجبرون على الخدمة المدنية، وهو مجرد حل مؤقت اتخذته الجزائر في وقت كانت فيه حديثة الاستقلال، لا تملك ما تملكه اليوم من أطباء أكفاء، فلماذا على هذه الخدمة مازالوا يصرون، يُجبرونهم على العمل في ظروف قاسية في الجنوب، وفي النهاية لا يجدون أي خدمات علاجية في المستشفيات الجنوبية، ولماذا عليهم الانتقال من الشمال الى الجنوب إذا كانوا في النهاية سيأخذون المرضى من الجنوب الى الشمال؟ هل هم أطباء أم سيارات للإسعاف؟ ثم إذا كانوا هناك مقيمين، أين المساكن التي بالعيش تليق؟ أم يجعلونهم هناك مقيمين حتى يتعلموا الطب البديل بأدواته الجديدة من العقارب والثعابين؟

 

منظومتنا التربوية إصلاحها سيكون بعقول أبنائها، فالجزائر لم تعقم من الأكفاء، ولن تعقم من الشرفاء، ومنظومتنا الصحية لا يتم إصلاحها باستيراد الأطباء، بل بتجهيز المستشفيات، وتحسين رواتب الموظفين

ولماذا كل هذا الإهمال للجنوب، وكأنه قطعة معزولة عن الجزائر؟ لماذا يتم التعامل مع شاسعة مساحة الجزائر وكأنه نقمة وليس نعمة؟ لماذا لا نضع مخططات استشرافية ونحن نملك ما نملك من الخبراء، ونرسم خريطة تنموية لعشرات السنين نحمي به الأجيال القادمة مما نعانيه اليوم، بدل البقاء في مخططات قديمة لم تعد تغني ولا تسمن من جوع.، لماذا رغم كثرة الوزارات في الجزائر لا تكون لنا أهم وزارة وهي وزارة التخطيط الاستراتيجي؟
    
ولا ننسى قيادة النقابة الوطنية لتقنيي صيانة الطائرات بالخطوط الجوية الجزائرية، التي اتفقت على الانضمام إلى تكتل النقابات المستقلة، والذي يضم قرابة 14 نقابة لأربع قطاعات حساسة هي: التربية، الصحة والتكوين المهني، والبريد وذلك توحيدًا لجهودهم في الدفاع عن حقوق ومطالب العمال، وتضامنا ضد هذه الممارسات القمعية على الحريات النقابية في الجزائر.

 

ونحن إذ نضم أصواتنا إلى كل هذه الأصوات، فإننا نؤكد كما هم يؤكدون، أننا لسنا من الأيادي الخارجية ولن نكون، بل نحن فقط قلوب جزائرية تعتصر ألمًا لحال وطن مات لأجله مليون ونصف المليون شهيد، لكن أبناءه صاروا أذلاء كالعبيد، لا يملكون فيه من الحقوق قطمير، وكل ما يملكونه من حقوق عادية، صار منة بها عليهم يمنون، وكأنهم في هذا الوطن يهود مستوطِنون. أما إذا أردنا بحق السلم والسلام في وطننا الجزائر، فذلك لن يكون إلا بالوفاء لدماء الشهداء، وبأن لا نولي علينا أي وصي من الأوصياء، وأن لا نستغيث بأي حالٍ بعدو من الأعداء، فمنظومتنا التربوية إصلاحها سيكون بعقول أبنائها، فالجزائر لم تعقم من الأكفاء، ولن تعقم من الشرفاء، ومنظومتنا الصحية لا يتم إصلاحها باستيراد الأطباء، بل بتجهيز المستشفيات، وتحسين رواتب الموظفين وحالاتهم الاجتماعية، فلا نريد أن تتدخل فرنسا لافي ثرواتنا المادية ولا الفكرية، فمن هم الفرنسيون ليملوا علينا إصلاحاتهم التنموية، إنهم مجرد غثاء يقول عنهم الأمريكيون آكلي الجبن الذين أمامه كالقردة يستسلمون.

 
وأختم بقول الفيلسوف والمفكر الكبير برهان غليون في كتابه التحديات الدولية المستجدة: "إن أساليب الحكم واتخاذ القرار والإدارة هي الأساس، وهي التي يمكنها الارتقاء بالشعوب، وتحقيق الوحدة الوطنية وتصليب الإرادة، إضافة إلى زيادة الوعي، القوة والتضامن". ولنثق جميعا بما قاله عمر المختار: "إن العدالة الحقة لا تخضع للغوغاء، احذروا حكم التاريخ، فهو لا يرحم، وإنّ عجلته تدور وتسجّل ما يحدث في هذا العالم المضطرب".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.