شعار قسم مدونات

سامح.. إنها زائلة

blogs تسامح

إن أصل الحياة مبني على المتاعب والمشاكل، وتكاد البهجة والسرور أن يصبحا من الأمور النادرة، خاصة في زمن الحروب والنزاعات التي نعيشها بكل أيامنا ودقائقنا، إذ أصبحنا ننتظر الفرحة بكل لهفة واشتياق عسى أن تصاحبنا لوقت أطول قبل أن تهم بالرحيل.

فلا عجب أن الإنسان منذ اكتشافه للدنيا وهو يكابد المحن من مشكل إلى أخر ومن عثرة ﻷخرى، فقد يخطأ غيرك في حقك سواءا بقصد أو بغير قصد، فيؤذيك ويخدش كرامتك وقد يصل إلى درجة الظلم فيظلمك، وفي قمة الظلم هذه لا يمكنني وصف مدى عمق الجروح لأنه وحده القلب من يحس بها ويستشعر مدى آلامها. تلك الآثار التي رسمت خطوطها فينا تحول بيننا وبين نسيانها، فتارة نظن أننا نجحنا في تعقيمها وتارة تسقط كل الأحداث فوق رؤوسنا فاشلين بعد أكثر من محاولة للنسيان لأن الظلم إحساس عميق ويولد جروحا أعمق.

فإما سنستجمع قوانا ونزداد غضبا فتتولد لدينا رغبة الإيذاء بالزيادة والتجاوز ويصبح الانتقام سعينا الوحيد كأننا في عصر قانون الغاب من آذاني أنتقم منه ومن آذيته ينتقم مني، ويبقى السؤال يطرح نفسه إلى متى تستمر الإساءة؟ وإما سنتذكر في كل خطوة نخطوها أننا الأقوى ولو طال الظلم وطالت أوجاعه وأحزانه ونصبر ونصبر ونزيد صبرا لأن الله مع الصابرين ونكون جيرانا لسيد الخلق أجمعين عليه الصلاة والسلام ونجعل العفو من شيمنا باعتباره أرقى القيم وزينة الفضائل، فعن أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. فكيف إن طال الخصام لشهور وسنين.

بتسامحنا هذا، نتصالح أولا مع ذواتنا ثم نلتمس الأعذار لغيرنا، فنقبل بضعفنا وبضعف الأخرين ونؤمن أن أرواحنا ستنعم بالشفاء والسلام

لأن ذاتك السلبية هي التي تسعى للانتقام والأخذ بالثأر ومعاقبة ظالمك بنفس فعله أو أكتر لكن الطبيعة الحقيقية للإنسان هي نقاء النفس والتسامح مع الأخرين وهذا ما يزيد الإنسان قوة ويضع لمعاناته حدا. فما دام الخالق خلق، ونحن كمخلوقات ضعفاء ونخطأ وفي كل خطأ لنا نتضرع له فيسامحنا، إذن لنسامح بدورنا ونرضى بهذه الخصلة أن تكون من أولوياتنا لقوله سبحانه وتعالى: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ".

لأنك ولأنني يا أخي وأختي بتسامحنا هذا، نتصالح أولا مع ذواتنا ثم نلتمس الأعذار لغيرنا، فنقبل بضعفنا وبضعف الأخرين ونؤمن أن أرواحنا ستنعم بالشفاء والسلام. فقد جاء في قصة أن أحد الصالحين طلب من خادمه أن يناوله الماء ليتوضأ، فجاء الخادم بالماء وكان الماء ساخنا جدا، فوقع من يده بدون قصد على الرجل، فقال له الرجل وهو غاضب: أحرقتني، وأعزم على أن يعاقبه، فقال الخادم: يا معلم الخير ومؤدب الناس، ارجع الى ما قاله رب العالمين، فقد قال" وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ". قال الرجل: كظمت غيظي. وقال الخادم "وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ". قال الرجل: عفوت عنك. ثم قال الخادم: "وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ". فقال الرجل: أنت حر لوجه الله.

فلا تظن أبدا أن تناسيك وعفوك عن من أخطأ في حقك يوما كان ضعفا أو انكسارا أو هزيمة، بل العكس تماما تسامحك دليل على تميزك وبياض قلبك وامتلائه بالرحمة كما جاء على لسان مصطفى محمود (كلنا قادرون على الحب بحكم الجبلة البشرية وقليل منا هم القادرون على الرحمة). فكتيرون هم من بدؤوا معنا مشوار الحياة لكن نادرون هم من أكملوا معنا حتى النهاية، لأن ذلك يتطلب قلبا متسامحا، يتطلب قلبا عفوا، يتطلب قلبا  مفعما بالحب والرحمة، يتطلب أيضا  قلبا قويا، أي بكل بساطة قلبا فارغا من الحقد وعقلا طرد فكرة الانتقام منذ زمن بعيد .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.