شعار قسم مدونات

مواقع التواصل وتغذية التعصب الرياضي

blogs التعصب الرياضي

يعتبر التعصب الرياضي واحدا من الآفات الكثيرة التي يعاني منها المجال الرياضي في عالمنا العربي، والذي يجعل المشجع يحيد بعيدا عن المعاني الحقيقية للرياضة والمتمثلة في التنافس الشريف والاستمتاع والتحلي بالروح الرياضية، وإن كانت هذه الظاهرة ليست جديدة بكل تأكيد إلا أن ما ساهم في تفاقمها وتغذيتها في نظري الشخصي هو بالأخص شيوع استعمال وسائل التواصل الاجتماعي في عصرنا الحالي. وبما أن شريحة الشباب والمراهقين هي الشريحة الأكثر ممارسة واهتماما بالأنشطة الرياضية بشكل عام والأكثر استعمالا لمواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي كذلك، فإنه من الطبيعي أن ينتشر التعصب الرياضي في أوساطها بنسبة كبيرة، وهو الأمر الذي أصبح ملحوظا في السنوات الأخيرة إلى حد أضحى معه الأمر عاديا، بل وكلما زاد تعصب المشجع أو المناصر تجاه فريقه كلما حسنت سمعته بين زملائه من المشجعين وعظم ولاؤه لهذا الكيان الرياضي.

وهكذا فقد تحولت الكثير من الصفحات والمجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي إلى ساحات حرب افتراضية بين مشجعي الأندية الكروية على وجه الخصوص، فيصل الأمر إلى حد السب والقذف والتشهير والضرب في الأعراض، ولا يقتصر الأمر فقط على التعصب في تشجيع الأندية الكروية الأجنبية التي لا يربطها رابط جغرافي مباشر بالمشجع العربي (بالرغم من أن الرياضة لغة عالمية)، بل يتعداه ليصل كذلك إلى الأندية المحلية، حتى لا تكاد تصدق أن "المتحاربين" هما في الحقيقة أبناء البلد نفسه والمدينة ذاتها بل وربما الحي نفسه. إلا أن التعصب للفرق التي يشجعانها يجعلهما كما لو كان كل من هما في قطب من قطبي هذا الكوكب، يكنان لبعضهما الحقد والبغض حتى أصبح الأمر يشبه الحرب الأهلية!

وفي الوقت الذي تعتبر فيه الرياضة عامل ربط بين بني البشر على اختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم، فإن التعصب الرياضي يدمر هذه الروابط ويساهم في تفتيتها، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي ولسوء الحظ لا تظل وحدها ساحة للصراعات الرياضية، وإن كانت تساهم في إشعالها وانتشارها، إلا أن الأمور قد تصبح أكثر خطورة حينما تتحول إلى عنف مباشر في الحياة الواقعية.

يجب أن يحمل
يجب أن يحمل "الألتراس" على عاتقه أمانة تأطير الجماهير من الشباب سواء داخل الملاعب الرياضية أو كذلك خارجها وعلى منصات العالم الافتراضي بما يضمن القضاء على هذه ظاهرة التعصب الرياضي
 

وإذا كان التعصب الممارس في الفضاء الرقمي أقل إزعاجا وتأثيرا وقد لا يعيره الكثيرون اهتماما يذكر، فإنه وكما أسلفنا يصبح خطيرا حينما ينتقل إلى الواقع، فتتم ممارسة العنف الناتج عنه في الشوارع والمقاهي وربما في المدارس، وبالطبع في مدرجات الملاعب الرياضية على وجه الخصوص، بل وداخل أرضياتها في أحيان كثيرة ويصبح من الصعب السيطرة عليه، مع ما يخلفه ذلك من خسائر مادية وحتى بشرية لا قدر الله، وهو الأمر الذي يتم تسجيله في مناسبات كثيرة مع كامل الأسف. كل هذا يدفعنا إلى التساؤل حول ما يمكن فعله من أجل تطويق ظاهرة التعصب الرياضي المرتبطة باستعمال وسائل التواصل الاجتماعي في أوساط الشباب والمراهقين والحد من انعكاساتها الخطيرة على المجتمع، وإن كان هذا الأمر قد يبدو للبعض ثانويا وغير ذي أهمية، فإنه على العكس من ذلك تماما، ومع الأسف فإن إهمال هذا الجانب يعني مزيدا من انتشار هذه الظاهرة الخطيرة.

ويبدو من الواجب في نظري تكاتف جميع الفاعلين للقضاء على هذه الظاهرة، سواء تعلق الأمر بالسلطات أو كذلك الأندية الرياضية التي تتحمل المسؤولية الكبيرة في هذا المجال، حيث يتوجب عليها تأطير جماهيرها من الشباب وإبعادهم عن التعصب الرياضي ثم -وهذا هو الأهم- جعل منصات التواصل الاجتماعي المختلفة فضاء لغرس حب الفريق، خصوصا والقيم الرياضية بشكل عام من دون تعصب، وتنمية الروح الرياضية والمنافسة الشريفة.

وينضاف إلى الأندية الرياضية كذلك روابط المشجعين المروفة باسم "الألتراس" والتي يجب أن تحمل على عاتقها أمانة تأطير الجماهير من الشباب سواء داخل الملاعب الرياضية أو كذلك خارجها وعلى منصات العالم الافتراضي، بما يضمن القضاء على هذه الظاهرة. وتبقى هذه بعض من الحلول المقترحة من أجل تطويق والقضاء على ظاهرة التعصب الرياضي في انتظار تعميم النقاش في أوساط جميع المتدخلين في هذا المجال.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.