شعار قسم مدونات

حين تبحث عن هدنة مع ذاتك!

blogs حزن

كتبت ذات يوم عبثا، لم أكن أدري البثة أنني سأخوض في عالم الكتابة! تلك اللحظة التي أخذت فيها القلم بين أناملي امتزج حاضري بمستقبلي في ثواني واحدة، تلك اللحظة التي كبرت فيها فلم أجد كتفا أتكئ عليه ولا يدا تمد لإنقاذي من معاركي النفسية، تلك اللحظة التي أردت فيها أن أتناسى فقط لأرتاح قليلا من المرض.

 

لم أكتب لأحد ولا عن أحد، كتبت لنفسي عندما انتهى كل شيء ذات ليلة . بين ميم المرض وبين دال دمع أمي أقمت حفلات جنازية، ادعيت نسيانها كل ثانية لكنها لاحقتني كأنها ظلي إلى يوم واجهت فيه صفحة بيضاء، كانت الكلمات العالقة بين أصابعي لا تخرج! لم أكن أطيق ذلك! إمّا أن تخرج منّي نهائيًا وتشكّلَ نصًّا أدرك من خلاله أنّي تخلصتُ من شيءٍ يسكنني، أو يظلّ في قلبي ساكنًا فيه دون أن يثير امتعاضي بتواجده في مكانٍ لا يناسبه كأطراف أصابعي مثلًا.

 

الذكريات الأليمة لا تسمح لنا بأن ننسى ما جرى بل لن تترك لنا المجال أن يريح صدورنا من ذلك الشعور القاتم المرير بتكبل اليظين والوقوف عجزا

الآن أقول أنّي كلّما كتبتُ نصًّا جديدًا، كلّما ازددتُ صلابة، مقارنةً بنصوصي السابقة والّتي أقرأها حرفًا حرفًا، وجعًا وجعًا، لدي القدرة الكافية الآن على تجاوزها دون أن أنظر بعمقٍ فيها وأمسح طرف وجهي، بل على العكس تمامًا، ترتسم ابتسامةً توحي بالنصر بعد الكثير من الهزائم، أرى الجمال خلف كل شيء حتى في خيانة أحدهم لوعد أعطاه لي، أصبحت عاشقة للأشياء التي لا يراها أغلب البشر حتى السماء وهي مرصعة بالنجوم في ليلة كاحلة.

 

لطالما أذنبت نفسي وليس لي ذنب فيما ابتلاني الله به أقر اليوم أن المرض تجربة فريدة تصنع الإنسان وتكون فيه ما لا يمكن أن يكون في إنسان عادي لم يمر بتجربة تصقل نمو عقله وشخصه، في المرض يقوى عود الإنسان أكثر وتزيد قدرته على تحمل ما لا يمكن لإنسان عادي أن يحتمله لذا فهو تجربة حية تقوي إرادتك فلا تحتاج بعدها أن يتفلسف عليك أحدهم بمحاضرات عن الإراد.

 

شخصيا، المرض ذلل الصعاب أمامي لأنه بمثابة تدريب عملي في التعامل مع الصعاب والأزمات ولأني بعد ألم المرض لن أكترث لألم آخر قد يلم بي وهذا يمنحني حرية خوض غمار الحياة دون خوف، في المرض منحني الله هبة أن أتعرف على عوالم لم يتعرف عليها أحد، وقرأت قصص الناس بمختلف أطيافهم وأنواعهم وتخصصاتهم عن قرب وأضفت معارفهم وتجاربهم الى رصيد تجاربي.

 

نحن لا ننسى، ولا يجوز أن ننسى، وقطعا ليس ذلك بالأمر السهل، والذكريات الأليمة لا تسمح لنا بأن ننسى ما جرى بل لن تترك لنا المجال أن يريح صدورنا من ذلك الشعور القاتم المرير بتكبل اليظين والوقوف عجزا، لكن كن دائما على غد مختلف، على غد مشرق، رغم كل السوء الذي مررت منه هناك أمل بأنك ستجد ضوءا في آخر الطريق، كلنا نمر من ضغوط لكن السلاح الوحيد هو النسيان أو بالأحرى التظاهر بالنسيان حتى نتخطى كل ابتلاء.

 

إن كنت قد مررت من ألم أثر على حياتك بشكل سلبي فاستيقظ وابحث عن موهبة تكمن في داخلك لتتناسى كل وجع سببه ألمك، واجه صفحة بيضاء، واذكر الرب دائما ! إن الرب لا يرانا من السماء بل يرانا من داخلنا ويتدخل في كل معاركنا النفسية، لا تقف مكتوف الأيدي وتدع آلامك تنتشل جسدك وتخور قواك، اعتن بنفسك كأم لك أنت، يكفي أن تتخذ قيلولة من معاناتك ولتستبدل العالم بالهدوء نشوة آمنة بدون حشيش.

 

لا أنكر أنني لا زلت رماد لكنني بخير، لم أعد أتألم، تنافرت داخلي، تنفست قليلا لأنه لم يتبقى الكثير، لا أنكر أنني أرتعب من فكرة الوثوق بالأشخاص، من أنهم قادرين على الوصول إلى أعماقنا فقط بمفتاح صغير نضعه بين أيديهم، ولست أدري ما الذي يخيفني أكثر السماح لهم بالولوج إلى عمقي أم اكتشافهم للكائن المظلم داخلي؟ لكنني أملك أصدقاء يشكلون لي عائلة كبيرة بالنسبة لي، لم أدع مجموعة الألم والحطام والذكرى أن تضع أضافرها على سُترتي، وضعتها فوق بعضها البعض وصعدت بفضلها إلى فوق، إلى مجموعة الأمل والحلم والهدف. معادلة بسيطة! فبعد كل عسر يسر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.