شعار قسم مدونات

مسيرة العودة.. إنجاز فلسطيني أم غرق في الوهم؟

blogs مسيرة العودة

سجالاتٌ واختلافاتٌ كبيرة دخلت فيها غزة بعد أن أُعلن عن التوصل إلى تفاهماتٍ تقتضي التخفيضَ من حدَّة التوتر الدائر على الحدود بين الشباب الثائر وجنود الاحتلال الذين يبطشون بهم بآلات القتل والهلاك، اختلفت التوجُّهات والآراء وتنوَّعت التحليلات بين مؤيِّدٍ ومعارض؛ وكلٌّ له توجهاته وتصوراته. البعض رحَّبَ بهذه التفاهمات كثيراً بل وأبرزها كإنجازٍ كبيرٍ إلى حدِّ الجزمِ بقربِ الوصول إلى تحقيق جميع الأهداف والتطلعات المنشودة، والبعضُ الآخر رأى الأمرَ تنازلاً وبيعاً للقضية مقابلَ شيءٍ من المال والتسهيلات "الموهومة"!

ولن يكون من الصعبِ أن يعرفَ المتفحِّصُ لهذه الحالة من الاستقطاب حول الأمر مَنْ وراءَ كلّ رأي من هذه الآراء، فبنظرةٍ بسيطةٍ إلى الأمورِ ترى أنَّ المسألةَ لا تخرجُ عن إطار التنافُرِ والتخاصم الحزبي ولا يخرجُ من نطاقه، فمن أيَّد الأمر بهذه الصورة المبالغ فيها معظمهم من أتباع التنظيمات المؤيِّدة للمسيرة ابتداءً، ومن عارضَ فهو الآخرُ ممن ينتمي إلى التنظيم المعارض للمسيرة ابتداءً، والجميعُ إذا فُتح الباب للنقاش والسجال يستطيعُ أن يُبدي رأيهُ ويسوق مبررات توجُّهاته.

ولكنَّ المشكلة الرئيسيةَ ليست في اختلاف الآراءِ بقدر ما هي في تشكُّلِ حالةٍ من الانجرارِ الأعمى وراء توجُّهات وآراء التنظيمات من قبل أبنائها دونَ النظر في الأمر حتى ولو بشيءٍ من العقلانية والموضوعية، فنلاحظُ هذه الحالة من الاستقطاب بين أبناء الشعب الواحد في قضيةٍ لا يستطيعُ العقل أن يفهم ويتقبل الاختلاف فيها، فكيف لأيِّ فردٍ من أفراد المجتمع الفلسطيني أن يرفضَ أن يعيش أهلهُ وإخوتهُ بل هو نفسه أحياناً في غزة شيئاً من الانفراج ويُسر الحال –حتى ولو كان مؤقتاً- من خلال استخدام ذرائع واهيةً لا يمكن أن يتقبلها إيُّ عقل لا زالَ ينبضُ بالحياة. يمكنُ للمرء أن يستوعبَ الاختلاف في المواقف السياسية للتنظيمات بل وحتى الانجرار الأعمى وراءَ تلك المواقف، ويمكن له أن يتفهَّم حالةَ الخلافِ على السلطةِ والحكم والمصالح التي نغرق فيها وغيرها، ولكن أن نرفض أن يُرفع شيئاً من الظلم الواقع عن أهل غزة؛ فهذا هو العار والسقوط بعينه.

هل فعلاً بدأت مسيرة العودة في تحقيق أهدافها؟
حقّ العودةِ ليس مقتصراً على أهل غزة؛ بل هو حقٌّ لجميع الفلسطينيين، أما رفعُ الحصار فهو قضيةٌ يعاني منها أهلُ غزةَ فقط

إذا حاولنا النظر إلى الواقع بشيءٍ من الموضوعية لمحاولة تقديم إجابة للسؤال الأبرز والأهم في هذه المرحلة الذي يتمحورُ حولَ طبيعة الأهداف المرجوّة من هذه المسيرة، وهل فعلاً أنجزنا شيئاً منها ونستطيعُ أن نستكمل طريقنا لتحقيق جميع أهدافها التي انطلقت من أجلها؟، فإننا نصل إلى وجوب الإجابة على هذا التساؤلِ من خلال تحديد طبيعة الهدف التي خرجت من أجله المسيرة، وهذا الأمر تحدثنا فيه سابقاً في بدايات المسيرة، وبينَّا أن اجتماع مصطلحي "العودة" مع "رفع الحصار" في نفس الحراك هو خطيئةٌ ومشكلةٌ كبيرة، فالمصطلحين تختلفُ منطلقات وسياقات التعاطي معهما على الرغم من أن كلا المصطلحين تجتمعُ فيه المنطلقات الثلاث (السياسية، القانونية والحقوقية الإنسانية)، إلا أن طبيعة التعاطي المبدئي مع هذين المصطلحين تختلفُ في محطَّاتٍ كثيرة؛ أهمها أنَّ:

* حقّ العودةِ ليس مقتصراً على أهل غزة؛ بل هو حقٌّ لجميع الفلسطينيين، أما رفعُ الحصار فهو قضيةٌ يعاني منها أهلُ غزةَ فقط.

* فلسفةُ التعاطي مع قضية حق العودة تنطلق من وجوب انخراط جميع أبناء الشعب الفلسطيني في جميع أمكان تواجدهم كجزءٍ أصيلٍ في هذا الحراك، أما مسألة الحصار فهي أمرٌ محصورٌ على أهل غزة؛ اقتضت المساندةُ من الفلسطينيين ممن لا يعيشون في غزة وليس الانخراطُ كجزءٍ رئيس وفاعل في هذا الحراك.

* بالنظر إلى طبيعة المطلبين، فإننا نلحظ حتميةَ الاختلافِ في طبيعة الأسلوب الكفاحي الذي يتطلَّبهُ كلا المطلبين، فقضيةُ العودة قضيةٌ كبرى تحتاج الكثير من الوقت؛ وتعتمدُ بشكلٍ رئيس على النضال طويل الأمد للوصول إلى الهدف المنشود، أما مسألةُ الحصار فهي مسألةٌ مُلحَّةٌ تقتضي استخدام كل الأدوات الممكنة لتحقيق الإنجاز في أقصر وقتٍ ممكن؛ فهي مسألةٌ حياتيةٌ تقتضي التسريعَ في حلِّها. لذلك؛ استخدام الأسلوب السلمي المطلق في مسألة العودة هو أمرٌ ضروريٌّ مُلح، أما استخدام الأدوات الشعبية الاحتجاجية الاشتباكية في قضية رفع الحصار فأثبتت أنها أكثر جدوى وقدرةً على الإنجاز.

نعلم مدى اختلاف وجهات النظر في كون الهدفِ هو العودة أو رفع الحصار أو كلاهما، لذلك أعتقدُ أنَّ من اعتبرَ أنَّ هدفهُ هو رفع الحصار فقد خطى خطوةً جيدةً تجاه هذا المطلب باستخدامه لتلك الأدوات
نعلم مدى اختلاف وجهات النظر في كون الهدفِ هو العودة أو رفع الحصار أو كلاهما، لذلك أعتقدُ أنَّ من اعتبرَ أنَّ هدفهُ هو رفع الحصار فقد خطى خطوةً جيدةً تجاه هذا المطلب باستخدامه لتلك الأدوات
 

لذلك؛ وتأسيساً على ما تقدم، فإنني أرى أن اجتماعَ المصطلحين والفكرتين في فعاليةٍ واحدةٍ لم يكن موفَّقاً؛ وقد أحدثَ الكثيرَ من الخللِ والاختلاف في النظرة التحليليةِ لطبيعة الحراك وأهدافه. لذا كان من الأجدر أن يتمَّ إفساحُ المجالِ لكلا الهدفين باستخدامِ أدواتهما وطبيعتهما البنيوية على مستوى الفكرة والأدوات المطبِّقةِ لها كي لا تُحدثَ هذه الازدواجية في التفسير والاختلاف حول طبيعة الهدف ومدى تحقق الإنجاز.

نعلم مدى اختلاف وجهات النظر في كون الهدفِ هو العودة أو رفع الحصار أو كلاهما، لذلك أعتقدُ أنَّ من اعتبرَ أنَّ هدفهُ هو رفع الحصار فقد خطى خطوةً جيدةً تجاه هذا المطلب باستخدامه لتلك الأدوات، مع التحفُّظِ على مستوى التفاؤل في تحقيق الهدف، أما من يرى أن هدف المسيرة هو تحقيقُ حقِّ العودة؛ فلا يمكن أن نستطيع الجزم بإمكانية تحقيق هدفه أو حتى أن نقيِّم سلوكه، ذلك أنَّهُ لم يُتح له المجال لاستخدام أدواته النضالية التي تتوافق مع طبيعته، أما من يرى ازدواجية الهدف في هذا الحراك فأعتقد أن الأمر يشوبه خللاً بنيوياً إن كان يرى أن الهدفين يأتيان بنفس الأدوات والأسلوب. ولذلك فإننا نرى بأن دمج المصطلحين والهدفين بنفس الأسلوب والأدوات سهَّل على الاحتلال والمجتمع الدولي حرف المسار الرئيسي من خلال التركيز على قضية رفع الحصار التي يمكن النقاش والتعاطي معها، ولكن في مقابل تهميش الفكرة الرئيسية المتمثلة في حق العودة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.