شعار قسم مدونات

خيبات الأمل خشنة.. فويل للناعمين في هذه الحياة!

blogs الأمل

يحدث أحيانا بل كثيرا أن تصفعك الحياة بقوة فترتطم بالأرض كأنما سقطت من أعلى طابق للعمارة، تنجو عظامك من التهشم لكن آمالك التي عانقت السماء لفترة تتحطم دون سابق إنذار وتتناثر الشظايا في كل مكان. لا صوت يُسمع سوى أنين قلب أنهكه الحمل ولم يعد قادرا على الاستمرار. في تلك اللحظة تفقد الإحساس بالعالم الخارجي ومع كل قطرة دم تصل إلى أعضاء جسمك، تتدفق سيول من الوجع والأسى. تضع يدك على أنفك مراقبا توالي الشهيق والزفير، ثم تسأل مستغربا: "هل ما زلت حقا على قيد الحياة!". تقف مصدوما أمام المشهد، تائها بين خوفك وكبريائك وغضبك، تراهم يسقطون واحدا تلو الآخر، لتختار الصمت أو ربما البكاء حين يعجز الكلام.

حلم انتظرت عمرا لأجل تحقيقه فتركك على رصيف النسيان، أو شخص عزيز قاسمته أجمل الذكريات، فصار بعد مدة مجرد غريب.. الأمر سيان؛ تختلف السيناريوهات والنتيجة واحدة: خيبة أمل تهزم كل التوقعات وروح تقذفها رياح الألم كأنها هش الأواني والأكثر قسوة ألا تملك رفاهية إظهار هشاشتك للملأ فتخلد لعزلة فؤادك وحيدا. تتلوى في دوائر اليأس، تدمن عادة التحديق في اللاشيء، تنطفئ رغبتك في الحياة، تنعزل بذهنك المزدحم بأسئلة لا تملك جرأة الإجابة عنها، تلوم الإنس والجن والشمس والحجر والشجر وتلعن حظك البائس مرارا وتكرارا ثم تدفن رأسك تحت الوسادة لساعات، ظنا منك أن غيمة الحزن قد تمر بسلام كلما طال نومك. تتمنى الاستيقاظ على صدى معجزة، والحقيقة أنك أنت المعجزة؛ أجزاءك الصغيرة المحطمة، بقايا أحلامك، مشاعرك المبعثرة وروحك الباهتة هي جيشك الوحيد أمام كل هذا الخذلان.

من حقك أن تعيش حزنك بكل تفاصيله، بل هو واجبك أمام ذاتك، لكن لا تبالغ في الجلوس على أعتابه. ما تحتاجه حقا هو شجاعة الوقوف مجددا، ثانيا وثالثا ورابعا، طالما هناك متسع للحياة ولأشياء جميلة لم تعشها بعد. أسمعك تردد: "الكلام سهل حين تكون خارج المعركة!" أدرك أنه لا أحد يعلم كم صبرت وكم كافحت وكم ضحيت، لا أحد يعلم كم مرة هُدم جدار سكينتك وأعدت بناءه، لا أحد يعلم كم سعيت جاهدا ولم تبلغ النصر، لا أحد يعلم كم مرة طرقت الأبواب المغلقة وأبيت الانصراف.. وحدك تعلم ما أصابك ووحدك قادر على انتشال نفسك من جديد. أوجاعك المطولة، خسارتك باهظة الثمن، عيناك اللتان ذاقتا العناء واختناقك وسط الحديث كلها ستمضي بشكل أو بآخر ولن يبقى سوى أثر تلك الدروس والعبر المستخلصة من هذه التجربة.. نسخة منك أكثر نضجا وأشد تحملا، إن أنت أحسنت تدبر المعاني.

 

املأ قلبك بالإيمان كي لا يصدأ فيصعب عليه مكابدة مشاق الحياة والنجاة من صدماتها، رابط على ثغر الحلم ولا تنسحب حتى تنتصر، جدده بالعزيمة والإصرار إن اهترأ بكثرة المحاولة

يقولون أن الضربة التي لا تقتلك تزيدك قوة، نعم لكنها مع الأسف تنهش جزءا خفيا داخلك.. جزء لا يستطيع ترميمه وجبر كسره سوى الله تعالى، التجأ إليه فالنفس قوية بالذي نفخ فيها من روحه، قال تعالى (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ. لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) يونس62- 64. لا تخجل أن تبوح له بما يثقل كاهلك، هو النور إن ضللت الطريق والأمن إن ارتجف قلبك ورحل عنك الجميع. استعن باللطيف الرحيم ولا تخف، هو يدبر شؤونك من فوق سبع سماوات وحاشاه أن يظلم عبدا وقد حرم الظلم على نفسه.

(وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) البقرة 216، ليست مجرد مسكن للألم أو تربيتا على الكتف لتقبل مرارة الظاهر من الأمر بل هي جرعة روحية من الطمأنينة لإكمال المسير وفتح صفحة جديدة، وهذا لا يمنع طبعا أن تصارح نفسك بعيوبك وتتقبل أخطاءك محاولا إصلاحها ما استطعت إلى ذلك سبيلا، دون لعب دور الضحية في كل موقف تواجهه.

املأ قلبك بالإيمان كي لا يصدأ فيصعب عليه مكابدة مشاق الحياة والنجاة من صدماتها، رابط على ثغر الحلم ولا تنسحب حتى تنتصر، جدده بالعزيمة والإصرار إن اهترأ بكثرة المحاولة وقف في خندق الصبر صامدا فالنجاح يكتب لمن أدمن الطرق. أحب كثيرا ولكن استند بحذر، فعلى قدر الاستناد يأتي السقوط ولا تربط أبدا بهجتك بشخص أو وضع معين، كن أنت البهجة والسعادة والأمل. قد تكون خيبة أملك الأولى غير أنها ليست الأخيرة قطعا.. هي دنيا وأبعد بكثير من أن تصبح جنة. تذكر أنه كلما غاص فيك الحزن وتعرت روحك من الشوائب إلا وعرفت معنى الفرح ولامست العمق بداخلك، لتدرك بعد فترة أن تلك اللحظة التي جعلتك البارحة أتعس سكان الأرض هي سبب نضجك وصمودك اليوم. ومع كل خيبة ستفهم أنك لست ناعما كما كنت تظن، وأنه حقا بمقدورك تحمل خشونة الحياة والمضي قدما.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.