شعار قسم مدونات

لكم الموت ولي الحياة.. هكذا فرقنا التعصب!

BLOGS مجتمع

"الكرة الأرضية صغيرة الحجم قليلة الموارد ضئيلة التحمل، والأكسجين لا يكفي لكلينا"!

"يجب على أحدنا أنْ يموت ليعيش الآخر بسلام"

"إنَّ فكري واتجاهي هو الصحيح؛ ولا أسمح لأيِّ أحدٍ بمخالفتي"

"من يخالفني مكتوب عليه الموت"

"الأديان تدعوا إلى العنف والقتل وإقصاء الأخر فعلينا أنْ نتخلص من المتدينين، لكي ننجو"

"نحن مقسومون إلى عوالم كثيرة منها الأول والثاني والثالث والبقاء للأقوى"

"المجتمع مقسم إلى ثلاث طبقات والطبقة الأخيرة والفقيرة هي طبقة المجرمين"

هي كلُّها فرضياتٌ بُنِيَتْ على ادعائاتٍ أو شوائبَ فكريةٍ مستقاةٍ من التراثِ الإنساني، أو من التقدم المعرفي الجديد، الذي جعل المعلومةَ تفقدُ قيمتها وجعل العقل شيئًا ثانويًا لا يعتد به أو يعتمد عليه إلا لمن يختارَ هذا النظام العالمي ليكون جزءًا منه. وهنا تتجلى أسئلة كثيرة وشائكة تدور في العقول؛ لماذا نقتل بعضنا؟ لماذا تستباح الدماء أما بدعوى المال أو الشهوة أو الدين؟ وهل هناك طريقة للتخلص من العنفية السادية الموجودة في نفوسنا المريضة؟ ألا يكفي هذا القتل والدمار؟ ألا يكفي هذا الاعتداء على نفوسٍ لها حق العيش كما للأخرين هذا الحق السماوي؟ ألا يكفي العراق: مليون ومئتان وخمسون ألف مفقود منذ عام 2014 إلى يومنا هذا حسب إحصائيات قامت بها اليونيسكو؟ كلها أسئلة لن نجد لها جوابًا حتى نعرف كيف تشكل العقل الجمعي العراقي خلال فترة الاحتلال والفترة التي قبلها، ولا اقول أني اعرف جوابها، فأنا جزءٌ من هذا المجتمع الذي يحمل أفكاره وتراثه وتواجهاته، إلا أنني سأحاول الخروج بشيءٍ حتى وإن كان شيئًا بسيطا.

جادلْ نفسك قليلا، وابحثْ عن الكائن الفاشي في داخلك، لعلك تجد مصدر الأفكار التي ينتمي لها قبل أنْ تحكمَ على أحدهم وتعطي لنفسك الحق بتجريده من حق الحياة. تبين وانظر في الداخل المليء بشظايا الحرب والدوافع النفسية التي تسيطر على أنفسنا. راجعْ فكرك، ودينك، وقلبك، وشهواتك، والأنا التي تسيطر عليك. فهل يحق لك أن تؤذي أحدهم بكلمةٍ أو ترمقه بنظرةِ الاستعلاء؟ تبينْ ثم تبين يا صديقي. وهلم معي لنعرف طبيعة الصراع البشري وكيف تتولد حاسة الصراع وجنون البقاء على حساب الغير في حين أننا نستطيع العيش سويا.

السبيل الذي يقود المجتمعات إلى دفة الأمن والسلامة هو "التعايش" والترابط لبناء الوطن ومؤسساته وأنظمته وقوانينه وإعطاء الحقوق لجميع أهله مهما كان الانتماء والعرق والمذهب

يقول عالم الاجتماع كارل ماركس "تاريخُ المجتمع الموجود إلى اليوم هو تاريخ صراعات طبقية". إذن فالصراعُ متجذرٌ في النفسِ البشريةِ، وخصوصًا في الطبيعة الجمعية مقارنة بالطبيعة الفردية. فما بالنا إذا كان هناك أرضية لهذا الصراع يتم حقنها وتغذيتها بالمال والأفكار والمبررات السياسية والشهوانية والدينية؟!

 

فالمجتمعاتُ منقسمةٌ إلى طبقاتٍ مذهبيةٍ وعرقيةٍ وسياسيةٍ واقتصاديةٍ، والجهلُ الجمعيُّ صارَ وقودًا لإدامةِ هذا الصراع. فإذا نظرنا لردودِ الفعلِ الشعبيةِ على مقتلِ العلماءِ والنخب والأساتذة الجامعيين وغيرهم ومقتل فتاة بسيطة أرادت العيش على طريقتها فقط، فسنجد أن الاهتمام بين الفريقين مختلفٌ تمامًا، إضافةً إلى أننا سنجد هناك من يحاسب هذه الفتاة بطريقةٍ غريبةٍ ويتمنى لها الجحيم وهي ميتةٌ!

يقول ابن خلدون في مقدمته "إنَّ الإنسانَ ابن عوائدِهِ ومألوفِهِ لا ابن طبيعتِهِ ومزاجِهِ، فالذي ألفُهُ في الأحوالِ حتى صار خلقًا وملكةً وعادةً تنزلُ منزلةَ الطبيعةِ والجبلةِ، واعتبر ذلك في الأدميين تجده كثيرًا صحيحا"، فنجد أنَّ التنشئة الاجتماعية للفرد العراقي تعتمد على عوامل متعددة وقواعد راسخة في عقلية التربية الأسرية. فالأب يربي ابنه على العشائريةِ والانتماء إلى السلالة المخلصة للكون، الحامية للأعراض. أو على الانتقام من الأخرين لأسبابٍ ثقافيةٍ أو فكرية أو تاريخية تُغرس عبر وسائل متكررة ومتعددة تؤدي إلى رسوخ الفكرة في العقل اللاوعي مثل فكرة المظلومية. إضافة إلى الحكم على الناس وحتى قتلهم وفق أفكار دينية مغلوطة أو مخلوطة بهوى النفس البشرية التي ترتدي عمامة الدين وتوجه باسمها.

إنَّ الإعلام العراقي شارك في بناء العنفية والعدائية بشكل مباشر أو غير مباشر، فحين تصور الجثث وتعرض صور القتل بكافة أنواعها يتعود الفرد بصورة لا إرادية على هذه المظاهر، حتى يصل إلى مرحلة التقبل أو التعود، وهذا يصبح شيئًا متعمقا بالشخصية وينعكس عليها بصورة كبيرة. وعلى سبيل المثال يعتبر تعامل الفرد العراقي مع الحيوانات من أبشع الممارسات العنفية التي تعبر عن مكنون هذه الشخصية، التي تشبعت بمظاهر العنف وسوق الغزل في بغداد مثال حي على هذه الوحشية في التعامل.

فتشكلت عقلية أنا وأنت وذابت لغة نحن عن العقلية السياسية التي تبني الوطن وتعيده إلى ركب البنيان والعمران. فأصبح العراق ومحافظاته مناطق أمن قومي لدول الجوار بعد هذه الترتيبات والتقسيمات التي أخضعت البلاد إلى الدول المجاورة. حيث يحرك كل جزء منها نيابة عن الجار الداعم لضرب مصالح الدولة الجارة الأخرى. إضافة إلى استخدام العنف للسيطرة على الأراضي وتهجير أهلها وتحويل ديموغرافيتها إلى تشكيلة أخرى، تخدم الجار والحزب الذي يخضع له.

إن السبيل الذي يقود المجتمعات إلى دفة الأمن والسلامة هو "التعايش" والترابط لبناء الوطن ومؤسساته وأنظمته وقوانينه وإعطاء الحقوق لجميع أهله مهما كان الانتماء والعرق والمذهب، يقول الله تعالى في كتابه العزيز "وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا ۖ" لا تختلفوا فيما بينكم (فَتَفْشَلُوا) وتخور عزيمتكم (وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) قوتكم ووطنكم (وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)) بالنصر والتعاون والصبر الجماعي يعود للوطن عزته وهيبته.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.