شعار قسم مدونات

تنفس أكسجين اللامبالاة!

مدونات - اكسجين اللامبالاة

غالباً ما تتردد على آذاننا كلمات بصياغات مختلفة في كل مرة، طنش تعش، لا تكترث، لا يهمك أحد، لا تبالي.. كلها عبارات لها نفس الدلالة، أي عدم إعطاء الشيء أكثر من وزنه. لا تبالي سمعتها كثيراً من أمي وهي ترددها على مسامعي، ولم أكن تماماً أعي معناها الحقيقي، أو بمعنى أصح لم أكن أتنفسه حقاً. في الماضي أوهمت نفسي على أني لن أبالي مهما تعرضت لمواقف تُزعزع كياني، مواقف ربما تكون تافهة بالنسبة لي الآن، والتي كنت أراها آنذاك أفعالاً مستعصية لابد لي أن أحزن من أجلها.

كنت على يقين تام بأني ما دمت أعامل الأشخاص في حياتي بكل احترام ومودة ورحمة، فلابد لي أن أحصل على نفس التقدير أو نفس الرصيد من المعاملة. ظننت أني ما دمت أعطي الخير لكل الناس، سأتلقاه أيضاً. كطفلة بريئة طيبة حنونة لم أعلم أن الدنيا بها الخير والشر، الصالح والطالح، الطيب والخبيث. توهمت بأن الدنيا جنة والناس ملائكة، في ذلك الوقت لم أفهم لِمَ بعض الأشخاص من المقربين خصوصاً يتعاملون بشكل جداً وقح، لم تكن أفعالهم إنسانية بالمرة. كنت جدا أبالي، أبالي إذا أهانني أحد أو جرحني أو ظلمني بأشياء لم أفعلها أو أقلها، والكارثة أني لم أكن أدافع عن نفسي، ليس ضعفاً مني، بل دهشة مما كان يحدث وما كنت أراه. كانت الصدمة والدهشة تُخرِسُني عن الكلام في كل مرة أقع فيها بأمر مماثل.

ما علينا أن ندركه أن الناس لا تستطيع أن تأذينا إلا بمشيئة الله وقدرته، أتذكر جيداً عبارة للشعراوي قال فيها "أقصى ما يستطيع الناس فعله بك أن يفعلوا ما قدره الله لك"

مع مرور الأيام ومرور المواقف المتعددة تعلمت أن ليس كل من يضحك لي يحبني ويتمنى الخير لي، تعلمت ألا أثق فيمن حولي ثقة عمياء وأن أدرس الأشخاص أمامي جيداً جداً قبل أن أمنحهم موافقة التقرب مني، وأكثر شيء تعلمته ألا أبالي. فعلا لم أعد أبالي بما يحدث حولي من كلام جارح، أصبحت على يقين تام بأن هناك شياطين كما هناك ملائكة، والشياطين ما هي إلا مخلوقات ضعيفة مريضة خبيثة لن تضرني بشيء، ولن تستطيع فعل شيء ما دمت أسير بخطى ثابتة. تغيرت، أصبحت أتنفس اللامبالاة ما دمت لا أظلم ولا أجرح أحداً.

جل ما اكتسبته من هذا كله، أن الأخرين يمارسون علينا حرباً وهمية وضغوطات نفسية لا نعلم بها أساساً، فالناس تَحشر نفسها وتحكم على ملبسنا، مأكلنا، أفعالنا، أفكارنا حتى وإن لم يحق لهم التدخل أصلاً. صراحةً أستغرب وأحاول بكل جهدي أن أفهم بعض العقول التي تتدخل في حياة الناس وتَحكم عليهم بدون أي حق يذكر، أؤمن بأن لا أحد له الحق في التدخل في أي كان تحت أي ظرف. الكل له الحق في عيش حياته بكل أريحية كيف ما شاء وكيف يريد، فليس بالضرورة أن تفكر كيف يفكر الناس أو تلبس كما يلبسون أو تعيش كما يعيشون. كل له قناعاته وقراراته يمارسها وقتما أراد، ولا أحد على وجه البسيطة له الحق في التدخل أو القبول أو الاعتراض على أحد، ما دامت هذه القرارات لا تمس ولا تضر بحياة شخص أخر. ما علينا أن ندركه أن الناس لا تستطيع أن تأذينا إلا بمشيئة الله وقدرته، أتذكر جيداً عبارة للشعراوي قال فيها "أقصى ما يستطيع الناس فعله بك أن يفعلوا ما قدره الله لك" وهذا كل ما يجب أن نتيقن منه، فالناس لا تملك رزقنا أو عمرنا ولن تملك حياتنا كيف نعيشها أو قراراتنا كيف نتخذها. علينا أن نتيقن أن الله وحده من بيده أقدارنا، أرواحنا، وصحتنا.

خلاصة القول، لا تدع أحداً يعكر مزاجك لا من قريب ولا من بعيد. مارس اللامبالاة، تنفس هذا الأكسجين، فلا شيء ولا أحد في هذه الحياة يستحق استهلاكك لتفكيرك ووقتك وجهدك حتى تهتم، الحياة أقصر مما نتصور بكثير، عش حياتك بما تؤمن به، اسعى لتحقيق ما تهدف إليه، لا تكترث لمن يهاجمك أو يغتاب في شخصك. يقول لي أبي دائما "يا ابنتي كل شخص بنفسه أعلم" إنه حتماً على حق، فالبعض سيراك خبيثاً والأخر يراك نقياً، الأهم من هذا كله كيف ترى أنت نفسك وكيف هي مصداقيتك معك ومع من حولك. كما قال على الوردي تماما "لا تكترث لآراء الناس، فقط عليك أن تعرف ما تريده وما عليك فعله" وهذه حقيقة ثابتة، فلكي تحيي حياة سليمة لا بد ألا تنشغل بحروب نفسية مع الأخرين بل عش مملكة نفسك، طور من ذاتك، ركز على شخصيتك وانشغل بها، ولا تنسى أن اللامبالاة أكسجين لحياة آمنة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.